سوف أروى لكم حكاية تريحكم من «الارتباك» وصدمة المقالين السابقين لى فى هذا المكان.. ثم دعونا نتحاور على أرضية بعيدة عن «التشنج» ونظرية المؤامرة.. فلا أحد فى مصر كلها بمقدوره أن يزايد علىّ.. فلا أنا قابل للتحول، ولا أنتم أقل وعياً مما أكتب.. فقط.. ترفضون أحياناً مواجهة الواقع، وتلجأون إلى آلية دفاع معروفة لدى الشعوب التى ترتكن دائماً، فى تبرير عجزها وصمتها، إلى «إدانة الآخر».. يسميها البعض «نظرية المفعول به».. أى أن الشعب يعانى انسحاباً وجدانياً، فيجترّ المتاعب والشكوى، دون أن يكون «فاعلاً» فى مواجهة الظلم والقهر والاستبداد! عذراً.. للمرة المليون.. فلن أتراجع عن اتهام نفسى وإياكم ب«السلبية».. فهذا وقت المواجهة.. وصديقك من صدقك، لا من طبطب على ظهرك وأنت تبكى عجزاً.. وأنا لى فى المستقبل حصة 4 أبناء أخشى عليهم من المجهول، تماماً مثلما أرفض، ومنذ سنوات، أن يعيشوا واقعاً مخزياً لمسه والدهم بعشرة أصابع.. أنا يا سادة أموت ألماً لما وصلت إليه بلادى.. وربما لم تتح لبعضكم فرصة السفر مثلى إلى بلدان كثيرة.. فثمة فجوة ديمقراطية وحضارية، تقاس بمئات السنين، بيننا وبين شعوب، كانت تعيش فى «الصفيح» قبل عقدين اثنين من الزمان.. فأى كارثة تلك؟! يُروى أن رجلاً اسمه مهاتير محمد تولى قيادة ماليزيا عام 1981، ومنذ اللحظة الأولى استنهض الهمم والعزائم لبناء ماليزيا الحديثة.. وتحقق له أكثر مما حلم به.. والسبب أن شعبه لمس بداخله إخلاصاً نقياً وإرادة سياسية للإصلاح، فالتف حوله، ووقف بجواره وخلفه وأمامه.. ولكن فى عام 2003، وفى قمة مجد «ماليزيا - مهاتير» فاجأ الرجل شعبه والعالم كله بالانسحاب من السلطة.. وانقسمت ماليزيا فريقين، أحدهما ذهب إليه متوسلاً أن يستمر فى السلطة لاستكمال «المعجزة»، والآخر - وهم الأغلبية - رأى أن هذا يكفى جداً، وعلى رجال آخرين مواصلة المسيرة.. فماذا كان موقف «مهاتير»؟! لاحظوا أن الرجل فى قمة مجده وانتصاره، وليس فى موقف هزيمة وانهيار.. أطلق «مهاتير» مقولته الشهيرة: «إن رحلت الآن ولم تجد ماليزيا من يقودها مثلى أو أفضل منى، فقد فشلت طوال هذه السنوات.. فأنجح ما يحققه (زعيم) أن يصنع مائة مثله أو أكفأ منه».. فصفق له الماليزيون وخرجوا فى وداعه بالزهور.. وذهب «مهاتير» وبقيت ماليزيا. فلاش باك.. ارجعوا معى بالذاكرة إلى «هزيمة يونيو»، وخروج الشعب المصرى لمناشدة «الزعيم» بعدم التنحى!! لم يفعل أحد زعمائنا ما فعله «مهاتير محمد».. وللحق لم نفعل نحن ما فعله الشعب الماليزى.. مصر يحكمها الفرد حتى الموت منذ 60 عاماً إلا قليلاً.. والمصريون يستمرئون ذلك، ويسكبون غضبهم على المقاهى، ثم «الفيس بوك».. والسلطة ستفعل ما تشاء، وقتما تشاء وبمن تريد.. اعتبروا مقالاتى التى قد تتواصل نوعاً من البوح والاعتراف، وربما استفزاز ما تريدون إخفاءه دائماً.. أو اعتبروها كلمة حق لا تخشى عواقب غضبكم، وربما تعلمون يوماً أننى كنت صائباً، ولكن وقتها سوف يعز علينا «فعل أى شىء»! الحرية يا سادة لا تُمنح وإنما تُنتزع.. ولمن فهم كلامى تمهيداً وتوطئة ل«جمال مبارك»، أقول: إن الأمر تجاوز قوتى وتأثيرى ومصداقيتى لديكم.. فالسلطة لا تحتاج مثلى لترويج «التوريث» بينكم.. وأنا لا أحتاج منها شيئاً لم أحققه بجهدى.. فقط أردت أن أضع نفسى وإياكم أمام المرآة.. ولست بحاجة إلى التأكيد للمرة المليون على رفضى ل«التوريث»، ولكننى أريد أن أقول إن أموراً كثيرة جرت وتجرى وستجرى، ونحن نتفرج.. وأخشى أن نصادر على مستقبل أبنائنا بصمتنا وسلبيتنا.. فالسلطة نجحت فى نفى كل البدائل المطروحة، ثم نجحت بعد ذلك فى نفى «الشعب» ذاته.. والنخبة استجابت وانسحبت، وتركت مقاليد الحكم لحفنة محتكرة.. والشعب استعذب الخنوع، وجلس فى مقاعد المتفرجين. هل عرفتم الآن ما أقصده: ليس فى مصر «مهاتير محمد».. ولسنا كالشعب الماليزى.. وليس فى ماليزيا شخص يُفرض على الناس دون أن يسألوه: «من أنت.. وماذا تفعل.. ومن شركاؤك.. ولماذا تجلس هنا»؟!!! ونحن لم نفعل ذلك مع «جمال مبارك».. هل فهمتم؟!! [email protected]