(1) هناك انقسام مريح ومفيد في أوساط العرب بين المنبطحين والمصادمين. الأولون يأتوننا بالقمح من أمريكا، والآخر يضمنون أن أمريكا تدفع ثمن القمح. فكلما زاد خطر المصادمين كلما زاد الإغداق علي المنبطحين. وإذا أشعل المصادمون المعارك فإن أسعار النفط تقفز إلي السماء فيزداد فرح أكابر مترفي العرب وتسترد الدول إياها ما صرف علي المنبطحين، فيعم الخير والسرور. (2) العقلاء من بين المنبطحين يفهمون هذه اللعبة، لهذا فإنهم لا يتمنون زوال المصادمين، بل يخترعونهم إن لم يوجدوا، لأنهم يعلمون أنه لولا وجودهم لما التفتت إليهم أمريكا وحلفاؤها ولسارعوا باستبدالهم بقيادات أقل إحراجاً وأقرب مودة، ولظلت أسعار النفط في حدود العشرة دولارات للبرميل. (3) في الآونة الأخيرة تحول معظم المصادمين إلي منبطحين أخجلوا من سبقهم إلي ذلك المقام. ولكن مشكلة هؤلاء المنبطحين الجدد هي أنهم يدفعون الجزية لأمريكا ويزودونها بما تحتاجه، بخلاف سابقيهم الذين كانوا يتلقون المعونات. (4) الأسوأ من ذلك تحول الانبطاحيين إلي مصادمين في غير معترك. وقد أخذت أميل إلي أن أحد القادة اللبنانيين من زعماء الميليشيات السابقين يمتلك الكيماوي المزدوج الذي تفاخر به الراحل صدام. هذا أو أنه انضم سراً إلي القاعدة فأصبح من الانتحاريين. فهو يتوعد الدول المجاورة، وينذر الأحزاب المناوئة ويشتم الزعماء من أصحاب الجيوش الجرارة بطريقة لا يجرؤ علي مثلها حتي جورج بوش. (5) وأعجب منه ذلك الوزير الذي توعد الفلسطينيين العزل بتكسير الأرجل إن تجرأوا علي أن يطأوا تراباً عربياً كان عزيزاً قبل أن يحرم جنود البلاد من التجول فيه بينما هو حلال للطير من كل جنس. وأعجب من ذلك أن مهمة الوزير الدبلوماسي تتلخص في كونه شيخ المنبطحين ورئيس أركانهم. (6) يلاحظ القراء أنني ألتزم الحذر وأبتعد عن تسمية الأسماء، لأنني حريص علي ما تبقي من السيقان، كما أنني أخشي أن أقع تحت طائلة فرمان وزراء الإعلام العرب الأخير الذي يحذر من المس برموز الأمة. وأي رموز أهم في أمة يقودها وزراء الإعلام الأشاوس من قيادات الانبطاح إياها؟ (7) وزراء الإعلام زعموا أن في العالم العربي خمسمائة قناة فضائية تحتاج إلي الضبط. وهم يتحكمون في 499 منها. فإذا كانت القناة الواحدة التي سلوا عليها سيوفهم العنترية قادرة علي فضحهم فهل ستنقذهم انتفاضتهم غير الميمونة علي الإعلام شبه الحر؟ وهل هناك حاجة لقناة أو صحيفة لفضح المفضوح أصلاً؟ (8) تحول كبار المنبطحين إلي منازلين أشاوس يتوعدون فقراء العرب بتكسير سيقانهم، ويهددون الصحافة بلجام من نار، بل ويخجلون المصادمين بتحرشهم بالدول والشعوب ودعوتهم العالمين إلي المبارزة في ميدان القتال يجعلنا نتساءل: إذا كانوا بكل هذا الإقدام والبسالة، فلماذا كانوا يبشرون بالانبطاح ولا يغدرون بذمة أو يظلمون الناس حبة خردل؟ أم الأمر لم يكن حباً للسلم والموادعة منهم، وإنما تولهاً بالمعسكر الآخر؟ (9) تزول الحيرة إذا تذكرنا أن من توعد الفلسطينيين بالويل الثبور لم يكن وزير الداخلية أو غيره من المكلفين بتكسير الأرجل وصعق الناس بالكهرباء، وإنما كبير الدبلوماسية في أكبر بلدان الانبطاح. وعندها نعلم أن هذا الوعيد هو في حقيقته رسالة غرام إلي من يتمني تكسير سيقان كل العرب حتي يكون انبطاحهم دائماً. وهنا تعود الطمأنينة إلي قلوبنا، ولا نحتاج لأن نتساءل مع عادل إمام: الله، هم حيحاربوا؟ ويزول بالتالي التوجس من أن القوم سيتوجهون لا سمح الله إلي الجانب الآخر من الحدود بعد أن يفرغوا من تكسير سيقان الفلسطينيين وسحق سورية وإيران ومحو حزب الله من الوجود. فلا داعي للقلق إذن.