كان من البديهي والمنطقي بعد تنحية مبارك مباشرة أن تخلص الثورة إلي مجلس رئاسي يعمل علي انتخاب جمعية تأسيسية لكتابة الدستور الدائم للبلاد الذي يحدد هوية الدولة، المقومات الأساسية للمجتمع، الحقوق والحريات والواجبات العامة، وشكل وطبيعة نظام الحكم، وهكذا..لكن الذي حدث أن الثوار تصوروا أنه بتنحية مبارك قد انتهت مهمتهم وأن المجلس العسكري الذي آلت إليه السلطة من المخلوع سوف يدير شئون البلاد بما يحقق الأهداف التي قامت من أجلها الثورة وهي عيش حرية عدالة اجتماعية أو حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية..وبدلا من أن يقوم المجلس العسكري بإعداد المناخ العام لاختيار الجمعية التأسيسية، إذا به يشكل لجنة لكتابة تعديلات دستورية من 9 مواد تم الاستفتاء عليها في 19مارس 2011، ثم أعقبه بإصدار إعلان دستوري من 63 مادة متضمنة المواد ال 9 في 30مارس 2011..هذا الإعلان لم يتم الاستفتاء عليه، وعده أساتذة القانون الدستوري انقلابا علي التعديلات الدستورية، وكان الاثنان سببا في حالة الإرباك والارتباك التي عاشتها مصر ولازالت تعيشها حتي الآن، ولا نعلم متي تنتهي.وقد قام أول مجلس شعب منتخب بعد الثورة بتشكيل لجنة تأسيسية لكتابة الدستور طبقا للمادة 60 من الإعلان الدستوري، إلا أن هذا التشكيل تم الطعن عليه أمام القضاء الإداري الذي حكم ببطلانه، لكي نعود من جديد للدوران في حلقة مفرغة من التخبط والزهق والملل وضياع الوقت والجهد والمال، وفي النهاية تم تشكيل لجنة ثانية تم الطعن عليها هي الأخري أمام القضاء الإداري لاحتوائها علي نفس عوار اللجنة الأولي، وإن كان بدرجة أخف، وقد تم تأجيل النطق بالحكم إلي 4 سبتمبر القادم.بعد تشكيل اللجنة الثانية مباشرة، أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها في 14 يونيو 2012 بعدم دستورية قانون الانتخاب الذي تأسس عليه مجلس الشعب، بل وحل المجلس..ثم جرت جولة الإعادة لانتخابات الرئيس في 16 و17 يونيو وإعلان فوز الدكتور محمد مرسي بمنصب الرئيس بعدها بأسبوع، أي في 24 يونيو 2012، لكي يكون لدينا رئيس، لكن في عدم وجود دستور ومجلس شعب، وهي حالة فريدة لايوجد لها نظير، مما أضفي علي المشهد المصري غرابة وعجبا! المهم أن اللجنة الثانية لكتابة الدستور بدأت تمارس عملها بهمة ونشاط شديدين، ويقال إنها سوف تنتهي من الصياغة قبل النطق بالحكم لها أو عليها في 4 سبتمبر، ونسأل الله لها التوفيق والسداد.في تصوري أن الأبواب الأربعة الأولي من الدستور لن يكون فيها مشكلات ذات بال، اللهم إلا نص المادة الثانية التي يدور حولها جدل هذه الأيام، وإنما المشكلة كلها سوف تكون في الباب المتعلق في الأساس بنظام الحكم وهل سيكون رئاسيا أم برلمانيا أم مختلطا؟ وكيف يتم تحقيق توازن بين السلطات؟ وبناء عليه سوف تتحدد صلاحيات رئيس الدولة وعلاقاته بالمؤسسات الأخري، والحكومة ومن الذي له الحق في تشكيلها، هل هو رئيس الدولة أم ستكون من حق الأغلبية في مجلس الشعب..وهكذا، وهو مايتطلب وقتا وجهدا؟..أهم من ذلك كله إتاحة الفرصة الكاملة للمشاركة المجتمعية في المناقشة والحوار من خلال الأحزاب وكافة وسائل الإعلام، حتي يذهب المواطن المصري إلي الاستفتاء وهو واع تماما بما سيتم الاستفتاء عليه، ولا يتكرر ما حدث في التعديلات الدستورية.فيما يتعلق بنص المادة الثانية من الدستور، أري أنه لافارق يذكر بين أن تتضمن المادة مباديء الشريعة، أو أحكام الشريعة، أو الشريعة..فالمقاصد العامة للشريعة الإسلامية وكذلك كلياتها وقواعدها تسري في كافة المجالات والأبواب التشريعية. فمثلا: نفي الحرج، هو مقصد من مقاصد الشريعة، وقاعدة كبري في قواعدها التشريعية، وهذا الأصل والمقصد يمتد سريانه إلي كافة أبواب الشريعة وكافة فروعها ومختلف أحكامها وآدابها العامة والخاصة، بل يمتد حتي إلي المجال العقيدي، فنجد مثلا ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان. النحل: 106) حيث يجوز دفع الضرر الفادح عن النفس بالخروج الظاهري عن مقتضي الإيمان. فهذا جزء من قاعدة نفي الحرج ( الدكتور أحمد الريسوني في كتابه القيم: الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية).