"السيسي حذر وحذر، ولكن تسجيل الفيديو لإعدام 21 قبطياً في ليبيا قد أيقظ القارة النائمة، والآن عندما أضحى تنظيم داعش على مسافة قريبة من صقلية ربما نجد شخصاً ما يتحرك".. بهذه الكلمات استهل الدكتور يارون فريدمان خبير شئون العالم العربي في موقع "يديعوت أحرونوت" (YNET) مقاله الذي حمل عنوان "الهدف القادم روما.. داعش على أبواب أوروبا". وكتب فيه ما يلي: إن فيديوهات الرعب لتنظيم داعش تزداد وتصبح أكثر رعباً بمرور الوقت. وفي الوقت الذي يشن فيه تحالف الولاياتالمتحدة هجمات في سوريا والعراق يمتد موت داعش إلى ليبيا وهي الفناء الخلفي لمصر. وبعد حرق الطيار الأردني قبل أسبوعين أنتج فرع داعش في ليبيا تسجيل فيديو لا يقل بشاعة وهو يذبح 21 مسيحياً مصرياً على سواحل ليبيا. لقد كان ضحايا داعش في الماضي أمريكيون وشيعة وبعد ذلك أكراد ويزديون ثم قبائل عربية عراقية ومواطنين من شمال سوريا. وبعد ذلك جاء دور الطيار الأردني والآن مواطنين مصريين في ليبيا. فمن سيكون الضحية التالية؟ ومن يقف وراء الإرهاب؟ ماذا يفعل المسيحيون المصريون في ليبيا؟ العمال الأقباط يتواجدون في ليبيا رغم الوضع السياسي الفوضوي بها بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة في وطنهم. ففي ليبيا يمكن العثور على عمل بأجر أفضل منه في مصر، حتى أن تدهور الوضع في ليبيا تقريباً لحد الفوضى لم يردع العمال المصريين الذين كانوا يأملون ألا تمسهم أهوال الحرب. ويمثل الأقباط نحو 15% من سكان مصر التي معظم سكانها من المسلمين السنة. وقد كان الأقباط هم الضحية الأولى للربيع العربي. والرئيس المصري الجديد السيسي يبدي اهتماماً شديداً بالأقلية المسيحية في الدولة، وهو أول رئيس يزور الكنيسة في عيد الميلاد. وقال إنه لا يتعامل مع المسيحيين الذين تم ذبحهم إلا على أنهم أبناء الشعب المصري. ودعا السيسي جميع العمال المصريين في ليبيا إلى مغادرتها والعودة إلى مصر لتفادي حدوث مجزرة أخرى. قد كان الأقباط في مصر دائما (مثل اليهود) هدفاً للاعتداء على يد الإخوان المسلمين وتنظيمات الجهاد التي خرجت من تحت عباءتها.. وقد ادعى ناشطو داعش في الفيديو الذي تم بثه لقتل المسيحيين وإراقة دمائهم في البحر أنهم يفعلون ذلك انتقاماً لمقتل بن لادن وإلقاء جثته في البحر. وقد نشر نشطاء جهاديون في المساء روايات مختلفة ضد المسيحيين في مصر. ومؤخراً هددوا بأن ينتقموا على خلفية قضية احتجاز قساوسة لسيدتين مسيحيتين رغبتا في اعتناق الاسلام داخل الأديرة، وهي قصة مصداقيتها ضعيفة. لقد تنفس الأقباط الصعداء بعد - ما وصفه الكاتب - انقلاب السيسي. حتى أن أحد القساوسة زعم أن المسيح نفسه أرسله من السماء لإنقاذ المسيحيين. وفي أعقاب مجزرة ليبيا يوم الاربعاء الماضي تعهد السيسي ببناء كنيسة تحمل اسم من قتلوا وقام ورئيس الوزراء ووفد مرافق له بزيارة أسرهم لتقديم العزاء. وحسب جريدة "الاهرام" المصرية فقد صدّق السيسي على شن هجوم جوي انتقاماً للقتلى، ليتم تنفيذه في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل حتى لا يسمح للجهاديين بالتغلغل بين السكان المدنيين كما اعتادوا على ذلك. وحلقت الطائرات فوق البحر حتى لا يخبر أحد باقترابها وانقسمت إلى مجموعتين أحدهما الى درنا والثانية إلى طرابلس. وقامت بضرب نشطاء كثيرين ومخازن سلاح مصدرها - حسب جريدة الاهرام – من قطروتركيا. وتم تنسيق الهجوم مع سلاح الجو الليبي. إن قيام مصر بقصف ليبيا كان درباً من المستحيل. فلم يحدث أن شن الطيران المصري غارات على ليبيا منذ 40 عاماً عندما كادت تنشب حرب بين القذافي والسادات عام 1977. ومنذ ذلك الحين لم تكن مصر مهددة من الغرب. غير أن الوضع تغير مؤخراً خاصة بعد - ما وصفه الكاتب- بانقلاب السيسي في صيف 2013. ومنذ ذلك الحين الجيش المصري منشغل بتهديدات تنظيمات اسلامية من سيناء ومن ليبيا. وعلى الناحتين توجد أفرع لتنظيم داعش تسعى لإقامة إمارات إسلامية، ولكن من الوضح أن نشاطهم مدفوع بالرغبة في الانتقام، انتقام الاخوان المسلمين الذين أطاح بهم السيسي من السلطة. منذ تولى السيسي لا تتوقف موجة الارهاب التي تضرب مصر ولا يمكن إبعادها عن محاولة الاخوان المسلمين للعودة إلى السلطة. وقد أعرب مسئولون في الاعلام المصري عن غضبهم الشديد من الشكل الذي اختارت به قطر الرد على مجزرة العمال المصريين الأقباط في ليبيا. حيث نشرت صحيفة "الجزيرة" القطرية صورا لثلاثة أطفال قتلوا جراء قصف سلاح الجو المصري. وكشف مراسلون مصريون أن هذه الصور أخذت من مستشفى "البيضا" وأن الأطفال الذين في الصورة ماتوا بسبب أمراض نجمت عن الوضع الصعب السائد في البلاد. لقد أثار استخدام هذه الصور الملفقة للهجوم المصري في ذلك الوقت الصعب غضباً شديداً. وينظر إلى إمارة قطر في مصر على انها داعم رئيسي – بالتعاون مع تركيا – ليس فقط للإخوان المسلمين وإنما لداعش. حتى أن مذيع كبير في برنامج "القاهرة اليوم" طالب الرئيس بقطع العلاقات فوراً مع قطر التي وصفها بالعدو الرئيسي لمصر. وقال "إن قطر والجزيرة هما كلب يجرى وراء كلب" مضيفاً ان "تميم بن حمد آل ثان أمير قطر لن يجرؤ على أن يطأ بقدمه أرض مصر". الغرب مازال لا يستوعب تحذير السيسي من الارهاب: يدعو الرئيس السيسي الآن لإقامة تحالف ضد قواعد الارهاب في ليبيا، على غرار التحالف ضد داعش سوريا والعراق. والتحالف الثاني العاجل جداً هو لأوروبا حسب قوله لأن قاعدة الارهاب في ليبيا لن تهدد مصر فقط بل أوروبا كلها. حقاً إن أحد القتلة في الفيديو الذي ذبح فيه 21 قبطياً هدد بأن تنظيمه سيحتل روما. وقد حذر الرئيس المصري أمام زعماء الغرب من هذا الخطر قبل شهور كثيرة، ولكن الولاياتالمتحدة وأوروبا تواصلان إهمال القضية الليبية، رغم أنها اقرب إلى أوروبا عن أفغانستان والعراق وسوريا. مازال الغرب لم يستوعب مدى اهمية اقوال السيسي حول مستقبل الشرق الأوسط وأوروبا. وفي مقابلاته الأخيرة دعا للمبادرة بأنشطة دولية منسقة ضد الارهاب الاسلامي لا تقتصر فقط على الصعيد العسكري وإنما على الاصعدة الاجتماعية والدينية والتعليمية. إن الأزهر الشريف (أهم مؤسسة إسلامية في العالم السني) دعت - في عهد السيسي أكثر من أى وقت مضر - المسلمين في جميع انحاء العالم لنبذ ظاهر الارهاب التي يوصم بها الدين الاسلامي. لا شك أن السيسي هو عدو الارهاب رقم واحد في المنطقة. وهو يحارب داعش وجماعة "الإخوان المسلمين" والجهاديين في سيناء، ويغلق أنفاق حماس، ويحمي الأقلية المسيحية ويدعو إلى استئناف مفاوضات السلام في الشرق الأوسط. الرئيس المصري هو مكسب مهم لمستقبل الشرق الأوسط. فهل يقدم لنا زعماء إسرائيل رأيهم في ذلك؟