يعتبر الدخيل على المهنة من يدعى أنه إعلامى، السجين السابق محمد فودة، ظاهرة حقيقية فى مصر بعد الثورة لابد من دراستها والتدقيق فى أبعادها وتأثيرها على المجتمع وعلى الإعلام بل وعلى مصداقية الثورة نفسها. وذلك بعد أن بات غولا إعلاميا يصعب إن لم يكن يستحيل السيطرة عليه، فى الوقت الحالى ومن باب أولى فى المستقبل، ففى غفلة من الزمان، أحكم سيطرته على العديد من القنوات الفضائية والصحف الورقية والمواقع الإلكترونية، وكلها أشبه بالشبكة العنكبوتية فى تداخلها وتشابكها وعملها. وكانت عودة فودة الحقيقية بعد اندلاع ثورة 25 يناير وإعلان رجل الأعمال محمد الأمين نيته إنشاء مجموعة قنوات CBC الفضائية وواتت فودة الفرصة الذهبية التى ظل يترقبها منذ خروجه من قضاء عقوبة السجن لمدة خمس سنوات بسبب تورطه فى جرائم فساد، فإذا به يقبض على الفرصة بأنيابه وأسنانه، ليتولى مسئولية العلاقات العامة فى قناة CBC، وبما إن القناة الوليدة مازالت فى مهدها فقد عظم ذلك من الفرصة التى واتته لأنها دأبت على نشر إعلانات لدى جميع الصحف مما جعل منه الحاكم بأمره لدى الصحف لأنه الذى يتحكم فى الإعلانات ويستطيع أن يمنعها عن جريدة ويمنحها لأخرى. الشاهد أن عودته لممارسة عمله واحتكاكه بالإعلاميين كانت أقوى مما يتخيله كثيرون، لأن علاقاته برؤساء تحرير الصحف ومنهم من يقدمون برامج فى قنوات أخرى غير CBC أدى لأن يتزايد نفوذه لدى هذه القنوات بشكل لافت لجميع المتابعين، وقد نجح بمقالاته التى يدبجها فى غرام أو مهاجمة المسئولين أن يسوق نفسه على أنه نافذ لدى أولى الأمر وأن بيده أن يبقى وأن يطيح بمحافظين وبوزراء وأن يشوه مسئولين كبارا فى الدولة، مما أدى لأن ينبطح كثير من المسئولين أمامه خوفا أو تقربا منه، لأنه يجيد تلميع من يرغب وتشويه من يكره. يبدو ذلك من التحركات غير المسبوقة التى يقوم بها فودة منذ إعلانه الترشح لانتخابات مجلس الشعب، فمنذ أعلن ذلك وكل يوم لا يكف عن زيارة الوزراء أو اصطحاب المحافظين أو لقاء مسئولين، وكأن الدولة لا تعمل إلا لدى فودة الفتى المدلل والنافذ فى أوصال مصر ما بعد الثورة.. وتعود قصة فودة فى منتصف التسعينيات إذ حصل على دبلوم صنايع، وعمل سكرتيرا صحفيا لدى وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، وانحصرت كل مهامه فى ترتيب اللقاءات الإعلامية والصحفية مع وزير الثقافة، لكن فجأة أفاقت مصر كلها فى عام 1997 بخبر القبض على محمد فودة ومحافظ الجيزة الأسبق ماهر الجندى وعدد من رجال الأعمال بتهم تسهيل بيع أراضى خاضعة لمصلحة الآثار التابعة لوزارة الثقافة لرجال أعمال مقابل رشاوى مالية كبيرة. وقد نشرت جميع الصحف فى وقتها تفاصيل التحقيقات والمكالمات التى جرت وتسجيلات بالرشاوى التى دفعت وحصل عليها المسئولون، وبعد عدة جلسات من المحاكمة أصدرت محكمة جنايات الجيزة حكمها فى قضية محمد فودة السكرتير الصحفى السابق لوزير الثقافة الاسبق والمتهم بالكسب غير المشروع مستغلا وظيفته فى إنهاء مصالح رجال الأعمال مقابل حصوله منهم على مبالغ مالية دون وجه حق أصدرت حكمها فقضت بمعاقبته بالسجن 5 سنوات وتغريمه 3 ملايين و167 ألف جنيه، وإلزامه وزوجته رانيا طلعت السيد برد مبلغ مماثل إلى خزينة الدولة قالت المحكمة انه استقر فى يقينها ثبوت تهمة الكسب غير المشروع فى حق المتهم، وتحقيقه ثروة طائلة لا تتناسب مع دخله، وذلك من خلال الوساطة لإنهاء مصالح ذوى الشأن مقابل حصوله على مبالغ مالية، كما انه شرع فى الكسب غير المشروع من خلال شيكات بنكية ضبطت بحوزته قبل أن يصرفها مسحوبة على بنوك القاهرة.. خرج محمد فودة من السجن واختفى عن الأضواء، ثم ظهر بعد 25 يناير 2011 بصحبة رئيس تحرير اليوم السابع خالد صلاح، وأصبحت اليوم السابع تتبنى محمد فودة وتنشر أخباره ومقالات له، ثم تزوج فودة من الممثلة غادة عبد الرازق، وبدا للجميع أن الرجل الذى كان يعمل سكرتيرا لوزير الثقافة قد تحول إلى مليونير وأصبح واحدا من أغنياء مصر.. دون أن يعرف احد سر ثروته؟.. أو من أين أتى بها.. وما الذى يدفع وزراء البترول والأوقاف والصحة والزراعة وغيرهم لتلبية مطالب فودة والرضوخ له بهذا الشكل؟! والسؤال الذى يطرح نفسه بقوة هو لماذا يسعى فودة بكل هذه الشراسة لاقتناص فرصة يراها مناسبة للغاية للفوز بحصانة مجلس الشعب؟! والأهم هو ماذا بعد أن يصبح فودة بكل تاريخه المليء بالثقوب ممثلا للشعب فى برلمان الثورة؟ّ كيف سيتصرف ولصالح من سيعمل وهل ستسمح الدولة بوجود حيتان وأباطرة جدد فى العهد المقبل، كما رأينا أباطرة العلاج على نفقة الدولة وحيتان الأراضى وغيرهم؟! كل هذه الأسئلة وغيرها تحتاج مساحة أكبر من الوقت تتسع للإجابة عنه