جاءت التصريحات الأخيرة للدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء التي أكد فيها علي انقطاع الكهرباء بصورة كبيرة خلال فصل الصيف الذي أصبح علي الأبواب لتيؤكد أن المصريين مقدمين علي صيف حار مظلم لكن رحمة قنديل ستتجلي من خلال قيام الحكومة بإرسال رسائل قصيرة للمواطنين تخبرهم فيها بمواعيد انقطاع التيار الكهربائي لتؤكد جميعها أن هذا الصيف سيكون صيفاً " مظلماً «علي الشعب المصري» . كما أكدت تصريحات قنديل أن الحكومة الإخوانية أصبحت عاجزة ولم تعد قادرة علي تحمل دعم الطاقة. بداية، يقول الدكتور صلاح عرفة أستاذ الفيزياء بالجامعة الأمريكية بالقاهرة أن الأزمة الحقيقية تكمن في عدم شفافية الحكومة و عدم مصارحتها للشعب بحجم أزمة الطاقة وكذلك غياب قدرات الحكومة لتقييم وضع الطاقة في مصر، ويكمل يجب أن نعترف أن المشكلة موجودة في أماكن كثيرة، وتبدأ بعدم مصارحة الشعب بحجم الإنتاج والاستهلاك. وهذا ضروري لتوعية الناس بحجم ما نملك ونستهلك؛ للحد من الإسراف في استهلاك الطاقة. والواقع يقول إننا نعتمد علي الغاز والزيت، وهما ليسا كافيين لتغطية توليد الكهرباء اللازمة لمصر، كما أن علي الحكومة توزيع الدعم بالعدل، ولمن يستحق فقط، وعلي أغنياء هذا البلد أن يساهموا ويتحمّلوا النصيب الأكبر؛ إذ إن ثرواتهم جاءت من هذه الدولة، وعليهم الآن المساهمة لنتجاوز هذه الأزمة. ويقول هشام الشريف العضو المنتدب إلي إحدي شركات إعادة تدوير المخلفات: نعم، هناك مشكلة وعجز. يجب الاعتراف بذلك، لكن هذه المشكلة ليست مسئولية جهة واحدة، بل يجب أن نسأل عنها وزارة الكهرباء والطاقة، ووزارة البترول، ووزارة البيئة. وتكمن في أن احتياجات الدولة واستهلاك الشعب من الطاقة أكثر من المتاح، وتغطية هذه الاحتياجات سيكون مشكلة في الصيف القادم، خاصة أن شهر رمضان سيحل خلال الصيف القادم. ونحن نعلم مدي الزيادة في استهلاك الكهرباء خلال هذا الشهر الكريم، ونحن ندرك أن قطاع السكان من أكثر القطاعات المستهلكة للطاقة؛ إذ يستهلك 1/5 (خمس) حجم الاستهلاك الكلي من الكهرباء في مصر. ويجب علي مصر أن تستفيد من تجارب الدول الأخري، كأمريكا وكوريا اللتين تضعان برامج لاستهلاك الطاقة للمصانع والمنازل للحد من الإسراف والخروج عن النمط الاستفزازي وغير الضروري لإهدار موارد الدولة من الطاقة والمستورد منها؛ إذ يكلفها مئات الملايين من الدولارات التي يمكن توفيرها لسداد أبواب أخري من الإنفاق الضروري، كشراء مواد غذائية للشعب مثلا. ويمكن إشراك الدول المانحة أيضا في التخطيط وتنفيذ هذه البرامج فتستفيد ونستفيد. يقول محمد السبكي مدير مركز بحوث الطاقة: "إن مشكلة الطاقة لها أسباب كثيرة، تبدأ بسوء التخطيط خلال ال15 عاما الماضية؛ من عدم تنمية حقول الغاز والبترول وعدم التخطيط للاستفادة من الطاقات المتجددة وعدم الربط بدول حوض النيل وبدول المتوسط. وتكمن مشكلتنا في مصر في مركزية إنتاج وتوفير الطاقة؛ إذ تحتكره الدولة وهي المسئولة دائما عن ذلك، فلم تسمح للقطاع الخاص بدخول السوق والمساهمة في رفع العبء عن الدولة ولو جزئيا. وكانت مبررات الدولة دائما في ذلك أن المسئولية الاجتماعية تفرض علي الحكومة عدم ترك المواطن فريسة للشركات الخاصة للتحكم في أسعار الكهرباء والغاز؛ ذلك لتدني الدخول ومستوي المعيشة ولرفع المعاناة عن الشعب، لكن ماذا عن استهلاك الفنادق والمنتجعات السياحية ومصانع الصلب والأسمنت... إلخ؟! أليس من وسيلة لمعاملتها بالأسعار العالمية؟! فلا يعقل أن يماثل سعر المحاسبة علي استهلاك الكهرباء للمواطن البسيط، تلك الكيانات الكبيرة . مؤكداً علي ضرورة التفكير في مصادر طاقة بديلة فهناك مناجم الفحم. والعلماء في العالم يعملون بجدية للاستغناء عن الموارد المتاحة للطاقة، لكن لم يتوصلوا حتي الآن إلي موارد بديلة تكون ذات جدوي اقتصادية عالية علي المدي البعيد، لكن نحن الآن بصدد الاستفادة القصوي مما لدينا من غاز وبترول ل100 عام قادمة علي الأقل، لكن المشكلة في التسعير والتكنولوجي؛ إذ إن استخدام التكنولوجيا القديمة تستهلك طاقة أكثر، وتحديثها سيوفر كثيرا من الطاقة. وعلي الحكومة أن تصارح الشعب بأسباب المشكلة؛ لكي تشركه في حلها ويساهم ولو جزئيا في الحل، ولو بالترشيد؛ لذا نري أن الشفافية مطلوبة. ودليلنا في ذلك أن تنامي درجة الوعي لدي الشارع أصبحت تساعدنا علي الوصول إلي عقل المواطن بسهولة لنضمن تعاونه مع الحكومة في توفير الطاقة، كما أن علي وزارة الكهرباء إجراء عمليات الصيانة الدائمة لمحطات الكهرباء وتحديثها لضمان استمرارها في إمدادنا بالطاقة دون انقطاع، وتفادي غضب الناس. وبالصيانة الدائمة يمكننا أن نوفر قرابة 30% من هدر الطاقة. ويضيف السبكي: يجب نعمل علي التنسيق بين الوزارات؛ فليس من المقبول ولا المعقول، أن تستهلك صناعة الأسمنت وحدها نصف استهلاك مصانع مصر من الغاز الطبيعي؛ فهي تستهلك وحدها قرابة 12 مليار متر مكعب من الغاز، كما أن الله وهبنا الطاقة الشمسية ولا نستخدمها ولو في تسخين المياه بالمنازل. وللعلم، فإن بعض الدول تمنع تسخين المياه بالغاز، وهناك من المصريين من يريد استخدام السخانات الشمسية بالمنزل ولا يجد من يدله علي ذلك. إذن، فهناك قصور حتي في الوصول إلي الناس. وإن نجحنا في التخطيط لاستخدام هذه الهبة الإلهية سنوفر كثيرا من الغاز والبترول ونوجهه إلي أغراض أخري؛ لذا علي الدولة الاهتمام بإنشاء كثير من المصانع لإنتاج سخانات الطاقة الشمسية؛ حتي نعمم هذا الاستخدام. ويمكن الاستعانة برءوس الأموال الأجنبية والشركات الخاصة لإنتاج هذه السخانات، فلا يجب أن تتحمل الحكومة كل العمل والجهد". من جانبه يري مجدي صالح المدير التنفيذي لشركة طاقة لإنتاج الكهرباء: ضرورة أن يتعاون القطاع الخاص مع الحكومة لإنتاج الكهرباء. ويمكن أن يساهم في حل المشكلة بتوفير نحو 5000 ميجاوات سنويا، وهي لازمة للصناعات الثقيلة، وبذلك يخفف العبء عن الحكومة جزئيا. وعلي الحكومة أن تتوسع في إسناد إنشاء محطات توليد الطاقة للشركات الخاصة؛ فذلك سيساهم كثيرا في حل المشكلة، علي أن يُرفع الدعم جزئيا، ومراعاة البعد الاجتماعي. وهذا يتطلب دراسة متعمقة يشارك فيها كل الخبراء؛ لعدم حدوث مشكلات مستقبلية مع فقراء البلد، وعلي أن يكون هناك رؤية وتخطيط. وقد بدأنا بتنفيذ رفع الدعم عن المصانع و50% للمنازل وهذا من شأنه ترشيد الطاقة بفاعلية، كما يجب علي الدولة فتح سوق استيراد الغاز للشركات الخاصة وتحديد سعره للمصانع بما يتناسب مع الأسعار العالمية. ويضيف مجدي: "يجب أن نشرك الجمعيات الأهلية التي يبلغ عددها 35 ألف جمعية في نشر ثقافة توفير الطاقة لدي الناس؛ إذ يثق بها كثير من المصريين؛ لسابق التواصل بها وتقديم الخدمات الاجتماعية لهم في مجالات عدة. وحيث إن الدولة ليس لديها النية في رفع الدعم تماما في مجال الطاقة؛ لارتفاع نسبة البطالة والفقر في البلد حاليا، فترشيد الاستهلاك هو الحل الأمثل في الوقت الحاضر، كما علي الحكومة إحكام الرقابة علي قطاع البترول؛ فذلك سيوفر كثيرا من الطاقة المهدرة سواء في الغاز أو البترول. ويمكن في هذا المجال إنشاء جهاز تنظيم صارم فاعل بوزارة البترول للخروج من هذه الأزمة، ثم لماذا لم تستكمل الدولة مشروع استغلال الطاقة الشمسية بالكريمات؟! ومن وراء ذلك؟! وللعلم فإن هولندا تعتمد علي طاقة الرياح لاستخراج 30% من إجمالي الطاقة التي تحتاجها الدولة. وهذه كلها دروس يجب الاستفادة منها ومن كل تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال. وبغير ذلك ستتعمق المشكلة وسنغرق في الظلام لسوء إدارتنا الأزمات. وبقليل من الإخلاص يمكننا حل هذه المشكلة؛ فليس مقبولا أن مصر بحجمها وعظمتها تقف عاجزة أمام مشكلة بسيطة كهذه ويهددها الظلام".