د. صلاح عرفة: يجب الاتجاه إلى استخدام الطاقة البديلة فهى جزء من الحل الشريف: يجب الاستفادة من تجارب أمريكا وكوريا السبكى: سوء التخطيط فى ال15 عامًا الماضية أوصلنا لما نحن فيه فى ظل عجز الميزانية المستمر، أصبح واضحا للكل أن مصر لم تعد قادرة على تحمل الدعم المحلى للطاقة. وهنا نطرح سؤالا ملحّا: هل ستغرق مصر فى الظلام فى الصيف المقبل؟ وهل يمكن لدولة فى حجم مصر أن تنزلق إلى هذا المنحدر بحيث تعجز عن توفير الطاقة لسكانها البالغ تعدادهم 90 مليون نسمة تقريبا؟ وهل تعجز كل موارد الطاقة الموجودة فى مصر، بداية بكهرباء السد العالى، مرورا بالمحطات الفرعية والطاقة البديلة، وصولا إلى المستورد من الغاز والسولار؟! نقول: هل يمكن أن تصاب مصر بظلام تام فى الصيف القادم رغم كل ما ذكرنا من موارد للطاقة؟! «الشعب» استطلعت آراء بعض الخبراء فى ذلك. وبداية، يقول الدكتور صلاح عرفة أستاذ الفيزياء بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ويبادر بالسؤال: «هل لدينا أزمة طاقة؟ أم هو غياب قدرات الحكومة لتقييم وضع الطاقة فى مصر؟»، ويكمل أن «المشكلة موجودة فى أماكن كثيرة، وتبدأ بعدم مصارحة الشعب بحجم الإنتاج والاستهلاك. وهذا ضرورى لتوعية الناس بحجم ما نملك ونستهلك؛ للحد من الإسراف فى استهلاك الطاقة. والواقع يقول إننا نعتمد على الغاز والزيت، وهما ليسا كافيين لتغطية توليد الكهرباء اللازمة لمصر، كما أن على الحكومة توزيع الدعم بالعدل، ولمن يستحق فقط، وعلى أغنياء هذا البلد أن يساهموا ويتحمّلوا النصيب الأكبر؛ إذ إن ثرواتهم جاءت من هذه الدولة، وعليهم الآن المساهمة لنتجاوز هذه الأزمة». ويقول هشام الشريف العضو المنتدب إلى إحدى شركات إعادة تدوير المخلفات: «نعم، هناك مشكلة وعجز. يجب الاعتراف بذلك، لكن هذه المشكلة ليست مسئولية جهة واحدة، بل يجب أن نسأل عنها وزارة الكهرباء والطاقة، ووزارة البترول، ووزارة البيئة. وتكمن فى أن احتياجات الدولة واستهلاك الشعب من الطاقة أكثر من المتاح، وتغطية هذه الاحتياجات سيكون مشكلة فى الصيف القادم، خاصة أن شهر رمضان سيحل خلال الصيف القادم. ونحن نعلم مدى الزيادة فى استهلاك الكهرباء خلال هذا الشهر الكريم، ونحن ندرك أن قطاع السكان من أكثر القطاعات المستهلكة للطاقة؛ إذ يستهلك 1/5 (خمس) حجم الاستهلاك الكلى من الكهرباء فى مصر. ويجب على مصر أن تستفيد من تجارب الدول الأخرى، كأمريكا وكوريا اللتين تضعان برامج لاستهلاك الطاقة للمصانع والمنازل للحد من الإسراف والخروج عن النمط الاستفزازى وغير الضرورى لإهدار موارد الدولة من الطاقة والمستورد منها؛ إذ يكلفها مئات الملايين من الدولارات التى يمكن توفيرها لسداد أبواب أخرى من الإنفاق الضرورى، كشراء مواد غذائية للشعب مثلا. ويمكن إشراك الدول المانحة أيضا فى التخطيط وتنفيذ هذه البرامج فتستفيد ونستفيد». إذن أين تكمن المشكلة؟ يقول محمد السبكى مدير مركز بحوث الطاقة: «إن مشكلة الطاقة لها أسباب كثيرة، تبدأ بسوء التخطيط خلال ال15 عاما الماضية؛ من عدم تنمية حقول الغاز والبترول وعدم التخطيط للاستفادة من الطاقات المتجددة وعدم الربط بدول حوض النيل وبدول المتوسط. وتكمن مشكلتنا فى مصر فى مركزية إنتاج وتوفير الطاقة؛ إذ تحتكره الدولة وهى المسئولة دائما عن ذلك، فلم تسمح للقطاع الخاص بدخول السوق والمساهمة فى رفع العبء عن الدولة ولو جزئيا. وكانت مبررات الدولة دائما فى ذلك أن المسئولية الاجتماعية تفرض على الحكومة عدم ترك المواطن فريسة للشركات الخاصة للتحكم فى أسعار الكهرباء والغاز؛ ذلك لتدنى الدخول ومستوى المعيشة ولرفع المعاناة عن الشعب، لكن ماذا عن استهلاك الفنادق والمنتجعات السياحية ومصانع الصلب والأسمنت... إلخ؟! أليس من وسيلة لمعاملتها بالأسعار العالمية؟! فلا يعقل أن يماثل سعر المحاسبة على استهلاك الكهرباء للمواطن البسيط، تلك الكيانات الكبيرة». ولكن هل يمكن للعالم الاستغناء عن موارد الطاقة الحالية؟ «جزئيا.. نعم؛ فهناك مناجم الفحم. والعلماء فى العالم يعملون بجدية للاستغناء عن الموارد المتاحة للطاقة، لكن لم يتوصلوا حتى الآن إلى موارد بديلة تكون ذات جدوى اقتصادية عالية على المدى البعيد، لكن نحن الآن بصدد الاستفادة القصوى مما لدينا من غاز وبترول ل100 عام قادمة على الأقل، لكن المشكلة فى التسعير والتكنولوجى؛ إذ إن استخدام التكنولوجيا القديمة تستهلك طاقة أكثر، وتحديثها سيوفر كثيرا من الطاقة. وعلى الحكومة أن تصارح الشعب بأسباب المشكلة؛ لكى تشركه فى حلها ويساهم ولو جزئيا فى الحل، ولو بالترشيد؛ لذا نرى أن الشفافية مطلوبة. ودليلنا فى ذلك أن تنامى درجة الوعى لدى الشارع أصبحت تساعدنا على الوصول إلى عقل المواطن بسهولة لنضمن تعاونه مع الحكومة فى توفير الطاقة، كما أن على وزارة الكهرباء إجراء عمليات الصيانة الدائمة لمحطات الكهرباء وتحديثها لضمان استمرارها فى إمدادنا بالطاقة دون انقطاع، وتفادى غضب الناس. وبالصيانة الدائمة يمكننا أن نوفر قرابة 30% من هدر الطاقة». ويضيف السبكى: «يجب نعمل على التنسيق بين الوزارات؛ فليس من المقبول ولا المعقول، أن تستهلك صناعة الأسمنت وحدها نصف استهلاك مصانع مصر من الغاز الطبيعى؛ فهى تستهلك وحدها قرابة 12 مليار متر مكعب من الغاز، كما أن الله وهبنا الطاقة الشمسية ولا نستخدمها ولو فى تسخين المياه بالمنازل. وللعلم، فإن بعض الدول تمنع تسخين المياه بالغاز، وهناك من المصريين من يريد استخدام السخانات الشمسية بالمنزل ولا يجد من يدله على ذلك. إذن، فهناك قصور حتى فى الوصول إلى الناس. وإن نجحنا فى التخطيط لاستخدام هذه الهبة الإلهية سنوفر كثيرا من الغاز والبترول ونوجهه إلى أغراض أخرى؛ لذا على الدولة الاهتمام بإنشاء كثير من المصانع لإنتاج سخانات الطاقة الشمسية؛ حتى نعمم هذا الاستخدام. ويمكن الاستعانة برءوس الأموال الأجنبية والشركات الخاصة لإنتاج هذه السخانات، فلا يجب أن تتحمل الحكومة كل العمل والجهد». ولكن هل سيُحرّر سعر الكهرباء وفقا لذلك؟ يجيب مجدى صالح المدير التنفيذى لشركة طاقة لإنتاج الكهرباء: «يجب أن يتعاون القطاع الخاص مع الحكومة لإنتاج الكهرباء. ويمكن أن يساهم فى حل المشكلة بتوفير نحو 5000 ميجاوات سنويا، وهى لازمة للصناعات الثقيلة، وبذلك يخفف العبء عن الحكومة جزئيا. وعلى الحكومة أن تتوسع فى إسناد إنشاء محطات توليد الطاقة للشركات الخاصة؛ فذلك سيساهم كثيرا فى حل المشكلة، على أن يُرفع الدعم جزئيا، ومراعاة البعد الاجتماعى. وهذا يتطلب دراسة متعمقة يشارك فيها كل الخبراء؛ لعدم حدوث مشكلات مستقبلية مع فقراء البلد، وعلى أن يكون هناك رؤية وتخطيط. وقد بدأنا بتنفيذ رفع الدعم عن المصانع و50% للمنازل وهذا من شأنه ترشيد الطاقة بفاعلية، كما يجب على الدولة فتح سوق استيراد الغاز للشركات الخاصة وتحديد سعره للمصانع بما يتناسب مع الأسعار العالمية. ولنا فى تجربة الأردن فى الإصلاح مثال جيد وقد أصلحت هيكل الدعم، ويمكن دراستها والاستفادة منها إن أمكن، فلا يمكن تحقيق الحلول تلقائيا، لكن نحتاج إلى تخطيط جيد من كافة الوزارات المعنية على أرض الواقع. ومن واقع دراستى للتجربة الأردنية، أرى أنها قابلة للتطبيق فى مصر». ويضيف مجدى: «يجب أن نشرك الجمعيات الأهلية التى يبلغ عددها 35 ألف جمعية فى نشر ثقافة توفير الطاقة لدى الناس؛ إذ يثق بها كثير من المصريين؛ لسابق التواصل بها وتقديم الخدمات الاجتماعية لهم فى مجالات عدة. وحيث إن الدولة ليس لديها النية فى رفع الدعم تماما فى مجال الطاقة؛ لارتفاع نسبة البطالة والفقر فى البلد حاليا، فترشيد الاستهلاك هو الحل الأمثل فى الوقت الحاضر، كما على الحكومة إحكام الرقابة على قطاع البترول؛ فذلك سيوفر كثيرا من الطاقة المهدرة سواء فى الغاز أو البترول. ويمكن فى هذا المجال إنشاء جهاز تنظيم صارم فاعل بوزارة البترول للخروج من هذه الأزمة، ثم لماذا لم تستكمل الدولة مشروع استغلال الطاقة الشمسية بالكريمات؟! ومن وراء ذلك؟! وللعلم فإن هولندا تعتمد على طاقة الرياح لاستخراج 30% من إجمالى الطاقة التى تحتاجها الدولة. وهذه كلها دروس يجب الاستفادة منها ومن كل تجارب الدول التى سبقتنا فى هذا المجال. وبغير ذلك ستتعمق المشكلة وسنغرق فى الظلام لسوء إدارتنا الأزمات. وبقليل من الإخلاص يمكننا حل هذه المشكلة؛ فليس مقبولا أن مصر بحجمها وعظمتها تقف عاجزة أمام مشكلة بسيطة كهذه ويهددها الظلام».