محطات الكهرباء مهددة بالتوقف.. مصانع الأسمنت والأسمدة والسيراميك تعمل بأقل من طاقتها التشغيلية بسبب نقص الغاز والمازوت.. طوابير العذاب أمام محطات البنزين ومستودعات البوتاجاز لو أن هناك مسابقة لأكثر القطاعات الحكومية ارتباكا, وتخبطا, وتعرضا للأزمات لحصل عليها قطاع البترول عن جدارة واستحقاق, وبلا منافس, إما بسبب فساد النظام السابق أو لسوء التخطيط في عهد الوزير الأسبق سامح فهمي!!.. النتيجة واحدة في الحالتين.. فنحن أمام أزمات لا تنتهي في الوقود.. طوابير أمام محطات تموين السيارات.. سوق سوداء لبيع بنزين80 والسولار المدعم.. مافيا لتهريب المواد البترولية للخارج.. أزمات لا تنتهي في توفير اسطوانات البوتاجاز للمواطنين.. عقود مجحفة لتصدير الغاز بأثمان زهيدة, واستيراد بأعلي الأسعار.. عجز في تدبير الموارد المالية اللازمة لشراء البنزين والسولار.. أزمة خانقة في الغاز والسولار تكاد تؤدي إلي توقف محطات الكهرباء عن العمل كما حدث في مجمع كهرباء الكريمات.. مصانع لا تعمل بنفس طاقتها التشغيلية لنقص إمدادات الوقود, وبعضها يغلق أبوابه.. فجوة كبيرة بين ما تعلنه الوزارة عن الاحتياطي الرسمي من الغاز وبين تقديرات الخبراء.. وفي النهاية تعكس أزمات الطاقة الحالية في مصر حصاد سنوات طويلة من الفشل, وسوء التخطيط, والإدارة!! إحدي مشاكل الغاز- كما يقول الدكتور إبراهيم زهران خبير الطاقة الدولي- هو وجود عجز في ضغط الغاز وكمياته, وبالتالي يتم تشغيلها جزئيا لأن المحطة لا تجد الضغط المناسب لتشغيلها بالكامل. أما عقود تصديرالغاز التي أبرمتها مصرفحدث ولا حرج, ذلك أن عائدات التصدير التي تحصل عليها الدولة تتراوح بين48% و52% وهي نسبة قليلة لوجود الحقول في الأراضي المصرية, ومن ثم فإنه يجب إعادة النظر في كل اتفاقيات تصدير الغاز التي تمت في عهد وزير البترول الأسبق سامح فهمي! تلك كانت أسباب أزمة الغاز.. أما المازوت الذي أدي إلي حدوث الكثير من الأزمات في محطات الكهرباء والمصانع وغيرها فله أسبابه, التي ترتبط بشكل مباشر بانخفاض إنتاجنا من البترول من950 الف برميل في اليوم إلي530 الف برميل يوميا, مما أدي إلي انخفاض المنتجات البترولية الأخري, فنلجأ إلي استيراد مواد الطاقة الأخري كالبوتاجاز, والبنزين, والسولار, والمازوت, وكان من الممكن استخدام الغاز بدلا عن المازوت في محطات الكهرباء, ولا شك أن تلك الازمة التي نعانيها حاليا في مجال الطاقة ستؤدي إلي أحد طريقين: إما أن تتوقف الماكينات, وإما أن نقبل بشروط الدول التي نستورد منها! سألناه: وما الحل؟ د. زهران: لابد من عملية إعادة هيكلة شاملة لمنظومة البترول والكهرباء, ولابد من المكاشفة والمصارحة والمحاسبة وتلك إجراءات تشجع المستثمرالأجنبي الجاد للاستثمار في مصر, ومع بدء إعادة الهيكلة سوف يتغير المناخ والرؤية, كما أنه قد اصبح من الضروري إجراء الصيانة اللازمة لمعامل التكرير, ولابد من شراء3 أجهزةreformer وقيمتها120 مليون دولار ويمكن أن تكون جاهزة للتشغيل خلال3 أشهر فقط, بحيث يتم توزيع الاجهزة الثلاثة علي محافظات اسيوط, والسويس, والاسكندرية,, بهدف تحويل النفطة إلي بنزين, فنحن نصدر مليوني طن نفطة سنويا, ونستورد1.5 مليون طن بنزين سنويا, ومن ثم فإن شراء الاجهزة الثلاثة سيؤدي إلي وقف تصدير النفطه, ووقف استيراد البنزين, ثم نوفر نصف مليون طن بنزين أخري, كما أنه اصبح من الضروري توصيل الغاز للمصانع لتوفير مليوني طن سولار, كما أن تطوير منظومة النقل النهري, والتوسع في استخدامه في نقل البضائع يمكن أن يوفر مليوني طن أخري من السولار. ولعلكم تتعجبون إذا علمتم أننا كنا دائما نصدر60 شحنة مازوت سنويا(الشحنة الواحدة تقدر بنحو30 الف طن) أي أننا كنا نصدر كميات تصل إلي مليون و800 ألف طن من المازوت سنويا, وفجأة تبدلت الأوضاع.. وهنا نسال الدكتور أيمن جاهين المدير العام وخبير اقتصاديات البترول في الشركة القابضة للغازات الطبيعية.. لماذا أصبحنا نواجه أزمة في المازوت مع أننا كنا نصدره؟.. الإجابة كما يقول د. جاهين- أن استهلاك الطاقة يزيد باستمرار بسبب النمو السكاني وزيادة الاستهلاك في الصناعة, دون أن يقابل ذلك خطة جيدة تراعي الزيادة التي طرأت علي معدلات الاستهلاك!! بينما كان من الممكن استخدام مصادر بديلة للطاقة في محطات الكهرباء, مثل الطاقة الشمسية, أوطاقة الرياح, أوالفحم, وهو مصدر مهم تعتمد عليه دول كثيرة مثل الولاياتالمتحدةالامريكية, وانجلترا, والهند, والصين في إنتاج الكهرباء, ومن ثم كان من الممكن استخدام الفحم الموجود في منجم المغارة بسيناء في تشغيل مصانع الاسمنت, ومحطة كهرباء عيون موسي, والعريش. ومن الحلول المهمة التي طالبت بها منذ سنوات, هي إمكانية عمل مزيج من الطاقة بحيث نستخدم مصادر مختلفة من الطاقة لتشغيل المحطات, إلي جانب استيراد الغاز من الخارج بدلا من استخراجه من المياه العميقة في البحر الأبيض المتوسط بتكاليف مرتفعة, ويمكن استيراد الغاز الصخري, وهو متاح بكميات هائله. تلك الازمات, لابد أن تدفعنا- كما يقول الدكتور أيمن جاهين- للبحث عن حلول من بينها مزيج الطاقة الذي تحدثنا عنه آنفا, كما أنه يمكننا توليد الكهرباء من الطاقة المائية عند منابع النيل بالتفاهم مع هذه الدول, ولابد من تطوير وسائل النقل النهري لتوفير استهلاك المواد البترولية الأخري, وتنمية مصادر الطاقة البديلة حتي لا تتفاقم الازمة في المستقبل, كما يجب تطوير معامل التكرير, وعدم الاعتماد علي الغاز في توليد الكهرباء, يضاف إلي ذلك استبعاد القطاع الخاص من قطاع الطاقة في ظل وجود منظومة الدعم الحالية, بحيث تتولي وزارة التموين تلك المسئولية, ويمكن أن تساعدها في ذلك الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني. وقد ألقت أزمة الغاز والمازوت بظلالها علي بعض أنشطة القطاع الصناعي, فالعديد من المصانع كالحديد والأسمنت والسيراميك- قد أصبحت تحصل علي كميات أقل من الغاز, مما أثر بالسلب علي طاقتها التشغيلية, غير أن المهندس مدحت اسطفانوس نائب الرئيس التنفيذي للقطاع التجاري في مصنع تيتان للأسمنت ببني سويف يؤكد لنا أن رئيس الشركة القابضة للغاز عقد اجتماعا مؤخرا مع جميع الشركات المستهلكة للغاز في كل القطاعات, وطرح أسباب الأزمة بوضوح, وأكد لنا أن السبب في الازمة الحالية هو ارتفاع معدل استهلاك الكهرباء خلال موسم الصيف, مشيرا إلي أن أزمة محطات الكهرباء تكمن في انخفاض كفاءة محطات الكهرباء نتيجة لعدم إجراء الصيانة المطلوبة, فضلا عن ترحيل عمليات الصيانة لشبكات الغاز, التي تراكمت بسبب زيادة استهلاك الغاز في فترات الذروة, ومن ثم طلب رئيس الشركة القابضة للغاز من المصانع تخفيض معدلات استهلاك الغاز لمدة10 ايام بدأت يوم الجمعة قبل الماضي, وتستمر حتي يوم22 أكتوبر الحالي للانتهاء من عمليات الصيانة اللازمة لشبكات الغاز, وقد وافقت المصانع علي اقتراح رئيس الشركة القابضة. سألناه: وما حجم استهلاك الغاز في مصانع كثيفة الاستخدام للغاز؟ اسطفانوس: في العادة يستهلك أي مصنع لانتاج الأسمنت كميات تتراوح بين120 و150 مليون متر مكعب غاز, ويختلف معدل استهلاك الغاز حسب كفاءة التشغيل, وحسب كثافة الغاز التي يمكن أن تقل أو تزيد, وإذا كانت الوحدة الانتاجية التي تدار بالغاز تعمل بكفاءة كاملة لا يتأثر الانتاج إلا إذا زاد انخفاض كمية الغاز عن20%, والامر يختلف من مصنع إلي آخر, فمن المصانع ما يستخدم الغاز كوقود كمصانع الأسمنت, والحديد والسيراميك, ومنها ما يستخدمه كمادة خام كمصانع الأسمدة, وفي تقديري فإن الازمة ليست أزمة غاز, بقدر ما هي أزمة صيانة, وتدن في كفاءة تشغيل للوحدات, موضحا أن أزمة الطاقة تم التعامل معها بحرفية قللت من آثارها السلبية إلي الحد الأدني. ومن أسف, أننا قد أصبحنا نواجه مثل هذه الأزمات في الطاقة, مع أن العديد من الخبراء قد بحت أصواتهم وهم يحذرون من كارثة في قطاع الطاقة, ومن بينهم المهندس ممدوح عبد السلام خبير احتياطيات البترول, الذي توقع حدوث أزمة طاحنة منذ عام2007, ويضيف: قضيتي الرئيسية التي تحدثت عنها مرارا ولم يستمع علي أحد أننا كنا نصدر الغاز بأسعار متدنية, كما أننا نمنح مصانع الاسمنت والحديد والسيراميك نحو15% من انتاجنا من الغاز بالسعر المدعم, في حين تحقق هذه المصانع ومعظمها استثمارات أجنبية- أرباحا طائلة في وقت تحصل فيه علي الغاز المدعم!! وفي تقديري- والكلام مازال للمهندس ممدوح عبد السلام- فإن أزمات الطاقة في مصر لن تجد طريقها للحل, وإنما سوف تزداد أوضاع الطاقة سوءا, وما دام الأمر كذلك, فالحل كما يراه هو أننا بحاجة إلي لجنة متخصصة لإعادة مراجعة ارقام الاحتياطي المحلي الفعلي والحقيقي من الغاز, ومعدل الانتاج الحالي, وتقدير حجم الانتاج المستقبلي خلال السنوات الخمس القادمة, ثم نستوردCNG, وهو الغاز المضغوط الذي يمكن ضخه في خط أنابيب, بعكس الغاز المسال الذي تتطلب عملية إعادته إلي الحالة الغازية في حالة استيراده من الخارج- تكاليف مرتفعة, وعلي الجانب الآخر, يجب الاستفادة من الطاقة الشمسية