السلطة لها مذاقها وبريقها وجاذبيتها..وكل ذلك له اغراؤه وتأثيره وهيمنته وسيطرته علي النفس البشرية..السلطة قوة وجاه وسلطان..ومن منا لا يستعذب ذلك، أو يقع في هوي ذلك؟!..السلطة تمثل لصاحبها حياته ومستقبله، شرفه وعرضه وكرامته، لذا من الصعب علي من يتبوأ مقعدها - الإ من رحم ربي - ان ينفك عنها..يظل يستبسل في الدفاع عنها، مستخدما في ذلك كل الوسائل والأساليب، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة..وتكون الطامة الكبري حين يحدث نوع من التوحد بين من يعتلي كرسي السلطة والسلطة ذاتها..في بعض من الاحيان، تجعل السلطة صاحبها يغفل عن اشياء كثيرة، خاصة اذا كانت البطانة فاسدة او متواطئة او عاجزة او ليست علي المستوي..في هذه الحالة، يصعب علي صاحب السلطة ادراك حقائق الاوضاع علي الارض. في أنظمة الحكم الديمقراطية، تلعب المعارضة دورا فاعلا في ضبط إيقاع حركة السلطة الحاكمة..إذ كلما كانت المعارضة قوية، كلما كانت هذه السلطة أكثر التزاما بالممارسة الديمقراطية، وبالطبع أكثر بعدا عن الوقوع في مستنقع الاستبداد والفساد..كذلك يمثل وجود سلطة قضائية مستقلة احد اهم مرتكزات الممارسة الديمقراطية الحقيقية..وتعتبر الصحافة والاعلام القوي ضرورة لازمة وحتمية لهذه الممارسة..ولاشك ان الوعي المجتمعي العام بحقوقه وواجباته، ورقابته الدائمة لما يصدر عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، كل ذلك كفيل باستقامة الممارسة الديمقراطية. في الايام القليلة الماضية، شهدت مصر تظاهرات سلمية، وعنفا، وتخريبا، وسقوط شهداء وجرحي..للأسف، لم تكن السلطة الحاكمة ولا المعارضة علي مستوي التحدي..حصيلة الشهداء خلال يومي الجمعة والسبت الماضيين بلغت حوالي 40 شهيدا، بينما الجرحي بالمئات..الشرطة تعهدت بالمحافظة علي المؤسسات، ونسيت أو تناست ان المحافظة علي المواطن المصري اهم واعظم..ومهما قيل ان الشرطة كانت تواجه بلطجية او مخربين (!) الإ أن مسئولية وزير الداخلية، ومن وراءه، في التورط في الدم لابد ان تكون مجالا للتحقيق..واضح ان الوزير الجديد جاء ليستعيد تطبيق السياسة القديمة وهي "السلطة في خدمة النظام"..الأمور تزداد تأزما وتعقيدا، ويجب ان يدرك رئيس الدولة أن سياسة القمع لن تفيد، بل علي العكس سوف تؤدي الي اوضاع كارثية..البيان الصادر عن مجلس الدفاع الوطني لا يسمن ولا يغني من جوع، فضلا عن انه ملئ بالألغام..حالة الارتباك التي يعانيها نظام الحكم ظاهرة لكل ذي عينين..كان مطلوبا من الدكتور مرسي قرارات واضحة ومحددة لإزالة مشاعر الغضب التي تجتاح الشارع المصري الآن..مطلوب إقالة حكومة د. هشام قنديل، وتشكيل حكومة وحدة وطنية لإدارة شئون البلاد..مطلوب أيضاً تعليق العمل بالدستور الذي قاطع الاستفتاء عليه 53 مليون مواطن مصري، اي ما نسبته 86% ممن له حق التصويت..مطلوب كذلك إلغاء حقيقي للإعلان الدستوري المعيب الذي اصدره الدكتور مرسي في 12 نوفمبر مع الغاء أثاره، حتي يعود الاحترام للسلطة القضائية..مطلوب بعد ذلك حوار وطني شامل حول جميع القضايا، يشارك فيه كل الفرقاء..السرعة في اتخاذ هذه الخطوات ضرورة وحتمية قبل فوات الأوان. تبقي كلمة وهي أن مؤسسات الدولة تكتسب مشروعيتها وثباتها وصدقيتها من احترامها لسيادة القانون..ويوم أن تعتدي هذه المؤسسات علي سيادة القانون، فهذا معناه إغراء المواطنين العاديين علي انتهاك هذه السيادة..معناه انه لا توجد دولة.