لولا الرصيد الأخلاقي والايماني والإنساني الذي برز خلال ال 18 يوما الأولي في ثورة 25 يناير، ما تمكن الشعب المصري من القيام بثورته التي أذهلت العالم وأثارت إعجاب الزعماء والقادة في كل أرجاء الدنيا..وقد تجلي هذا الرصيد في منظومة من القيم الجميلة والرائعة، يأتي في مقدمتها، الشهامة والمروءة والرجولة والشجاعة والبسالة والإيجابية والبذل والعطاء والتضحية والتعاون والتكافل والايثار..الخ. لقد ظهر الشعب المصري انذاك كسبيكة واحدة صلبة، متماسكة، ثابتة، وقادرة علي مواجهة قوي القمع والبطش، والتي تهاوت وانهارت أمام الموجات المتدفقة والمستمرة للمتظاهرين. وللاسف لم تثبت هذه المنظومة طويلا، بل بدأت في التراجع سريعا حينما استشعر أخوة الكفاح والنضال انهم حققوا شيئا من الانتصار..لقد سقط رأس النظام، لكن بقي النظام نفسه بكل سياساته ومؤسساته وجذوره واوتاده..انهزمت المنظومة أمام النظرة الحزبية الضيقة والانتهازية البغيضة، حين بدا ان كل فريق يريد حظه ونصيبه من الغنيمة..ظهر اذن ما كان مخفيا؛ بالرغم من ان الثمرة لم تسقط في ايديهم..دخلنا في دوامات التخوين والاتهام بالعمالة والاستقطاب الحاد، ثم السقوط في دائرة العنف والاحتراب، وما ترتب علي ذلك من ضحايا وجرحي ومصابين وتارات بين الفرقاء..غاب العقل واختفت الحكمة وضاع الرشد، وحل محله العناد والتربص وروح الانتقام..نحن أمام غضب جامح يوشك ان يعصف بكل شئ..السخائم والشتائم والتردي والتدهور الأخلاقي غير المسبوق في حياتنا الآن هو تعبير عن مدي الانهيار الذي وصلنا اليه، والذي ينتظرنا في مستقبل الايام. لن يكون هناك حل سوي العمل الجاد والمبدع والخلاق لعودة منظومة القيم الأخلاقية والايمانية والإنسانية.. عودة روح الايام الأولي للثورة..بغير ذلك، سوف يكون اي جهد مبذول هو حرث في بحر وقبض لريح..ومن العجيب والغريب ان نلاحظ هذه الايام انقساما للأحزاب الإسلامية وإنشاء أخري علي أطلالها، رغم ان الأهداف واحدة والوسائل والأدوات واحدة، لا فرق بين هذا الحزب وذاك، سواء في الكليات اوالجزئيات..المطلوب الآن ليس التوسع في انشاء احزاب متشابهة، لكن في إنشاء جمعيات طوعية، تابعة لوزارة التضامن، ذات برامج واضحة ومحددة ووسائل غير نمطية أو تقليدية، تستهدف الارتقاء بالمجتمع، أخلاقيا وإنسانيا..ولا بأس من ان تتواصل هذه الجمعيات مع بعضها للتنسيق والتعاون، فضلا عن ضرورة التنسيق مع المؤسسات الثقافية والتعليمية والرياضية والإعلامية للدولة..اعتقد أن هذه الجمعيات، إن هي اخلصت عملها لله ولصالح الوطن، يمكن ان تعيد للمجتمع توازنه وتألقه وتوهجه، وبالتالي دوره المأمول في النهوض الحضاري، ليس علي مستوي مصر فقط، لكن علي مستوي العالمين العربي والإسلامي.