نجحت الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ سنوات في تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى محاور: الأول محور الاعتدال وتتزعمه كل من مصر والسعودية والأردن والإمارات والسلطة الفلسطينية ، والثاني محور المقاومة والممانعة وتتزعمه إيران وسورية وحزب الله وحماس ، ومحور ثالث على الحياد. المتتبع لخريطة التغيير السياسي في المنطقة يلاحظ أن الخاسر الأكبر هو محور الاعتدال ، حيث شهدت السنوات الأخيرة توسّع في محور الممانعة وأدواته ، وحقق هذا المحور نجاحات كبيرة في إدارة الملفات المعقدة في المنطقة ، ونجح في إلحاق هزائم قاسية بإسرائيل ، وعرقل مشاريع الهيمنة الأمريكية في السيطرة على مقدرات الأمة ، تلك النجاحات دعمت توجه الشباب الثائر لأن تنتفض في وجه أنظمتها المنهزمة والمتواطئة مع المشروع الصهيوأمريكي ، فسقطت كل من تونس ومصر ، والبعض الآخر ينتظر رياح التغيير ، فارتبكت الولاياتالمتحدة في بادئ الأمر ، لأن اللاعب الأبرز في معادلة التغيير هم الإسلاميون ، ولكن بعد ذلك عملت الولاياتالمتحدة للتعاطي مع المتغيرات السياسية ضمن استراتيجيتين: 1- استراتيجية الاحتواء: تحاول الولاياتالمتحدة احتواء الثورات الشعبية ، فبدأت تغازل جماعة الإخوان المسلمين وبعض الأحزاب الأخرى ، وتدعم رياح التغيير ، وتظهر نفسها وكأنها الراعي الحصري للتحولات الديمقراطية في العالم العربي ، ولكن إرادة الشباب العربي الثائر ، وصدق انتمائهم الوطني ، وقوة عزيمتهم ، هي ما أجبر الولاياتالمتحدة لأن تتنازل عن حلفائها من الزعماء العرب ، ولكنها أدركت متأخرة بأن الشعوب العربية هي شعوب واعية مثقفة ووطنية ، ولن تسمح لأحد باحتواء ثورتها ، أو القفز عليها ، وفي المقابل يدها ممدودة للجميع بما يحقق مصالح دولها وشعوبها... 2- استراتيجية الإفشال الايجابي: بعد أن شعرت الولاياتالمتحدةالأمريكية أنه من الصعب احتواء الثورات العربية بشكل كامل ، بدأت تنتهج استراتيجية جديدة تقوم على الإفشال الايجابي للثورات ، والهدف العام لتلك الاستراتيجية هو منع قيام وحدة إسلامية في المنطقة العربية تحت قيادة الإخوان المسلمين ، وتقوم تلك الاستراتيجية على أساس دعم ثورات مضادة في العديد من الدول التي تقع ضمن محور الممانعة والمقاومة ، من أجل تغيير نظام الحكم فيها لنظم أكثر اعتدالاً وانسجاماً مع الرؤية الأمريكية للشرق الأوسط ، بطرق ايجابية تعتمد على التظاهر السلمي ، وتتبنى مطالب عادلة ، ويعبر عنها الشباب ، ويستخدمون العالم الافتراضي في إيصال رسائلهم السياسية. وتقاطعت تلك الاستراتيجية مع رؤية العديد من الآيديولوجيات والفلسفات التي تستقي بعض الأحزاب والحركات العربية رؤيتها ، وبدأت تلك الحركات والأحزاب تدعم حراكاً سياسياً شعبياً ضد تلك الأنظمة ، مستثمرة النزعة الثورية التي يتسم بها الشباب العربي في تلك الأيام. ومن المناطق المرشحة بقوة لحالة حراك وتغيير سياسي تدعمها الولاياتالمتحدة وتنطلق من رحم استراتيجية الإفشال الايجابي هي: سورية ولبنان وإيران والسودان وقطاع غزة. فاستراتيجية الإفشال الايجابي تعيد إلى الذاكرة استراتيجية الفوضى الخلاقة التي نظّرت ودعت إليها كوندوليزا رايس ، ولكنها سقطت في وجه صمود الشعب الفلسطيني ، هذا الشعب حاله كحال العديد من شعوب المنطقة ينتظر لحظة بزوغ فجر الدولة المدنية الإسلامية ، التي تعبر عن الوجه الحضاري للأمة العربية والإسلامية ، والتي تعكس كلاً من تركيا وماليزيا الوجه الحقيقي لها في تاريخنا المعاصر ، ومن هنا نرى كم هو حرص البعض لضرب هذا المد الإسلامي الكبير بكل الوسائل والسبل ، كونه يمثل تهديداً وجودياً لإسرائيل وللمصالح الغربية. [email protected]