جولة كونداليزرايس الاخيرة للمنطقة من 2 - 6 اكتوبر الحالي - هي الجولة الثانية لها خلال شهرين، الأولي قامت بها في 29 يوليو الماضي خلال حرب اسرائيل علي لبنان وكانت وجهتها دعم اسرائيل في مهمة تصفية حزب الله، ومن ثم كانت أمريكا حريصة علي اطالة فترة الحرب حتي تمنح اسرائيل الفرصة الكاملة لاتمام العملية. كانت أمريكا تعول علي تصفية حزب الله والذي تعتبره واجهة متقدمة لطهران حيث ان هزيمة حزب الله - اذا ما حدثت - كانت ستشكل ضربة اجهاضية لايران لاسيما وهي تتشبث بملفها النووي وتسعي إلي تطويره، وعندما بدأت المحاولة الأمريكية بالفشل في أعقاب النصر الذي حققه حزب الله علي اسرائيل علي مدي 33 يوماً كان لابد لادارة بوش من اعادة تقييم للمواقف والبناء عليها، ومن ثم جاءت رايس هذه المرة بمنطق مغاير، فلم ترفع شعار شرق أوسط جديد يولد من رحم الأحداث وانما رفعت شعار شرق أوسط أكثر استقراراً، ومن أجل هذا الشعار روجت لنظرية تقسيم العالم العربي إلي محورين.. محور الاعتدال ومحور الأعداء أو الشر أو التطرف الذي يضم أطرافاً تؤمن بالمقاومة والممانعة وهي ايران وسوريا وحزب الله وحماس. مقارعة التطرف أرادت رايس من محور الاعتدال مقارعة قوي التطرف من خلال دعمه للتحركات الامريكية في المنطقة والتي تهدف إلي القضاء علي جبهة الممانعة كلية حتي يتسني بناء شرق أوسط أكثر استقراراً واعتدالا!! جاءت رايس وأرادت حشد هذه الدول بل وشحذها ضد ايران تحت دعاوي الحظر الذي تشكله علي الدول الثماني التي صنفتها أمريكا كدول معتدلة والتي تضم مصر والأردن بالاضافة إلي دول الخليج الست. أرادت رايس استخدام هذه الدول لتقليص النفوذ الايراني الذي بدأ يستشري في المنطقة وغاب عنها ان سياسة ادارة بوش الامبريالية واجتياحها للمنطقة بغزو افغانستان ثم العراق هو الذي أدي إلي تقوية ايران وزيادة نفوذها في المنطقة. أمريكا وترسيخ الممانعة أما المفارقة فتمثلت في أن أمريكا هي التي تبنت نهج الممانعة منذ البداية، فهي التي اعتمدت الممانعة كسياسة مع ايران "خاتمي" عندما رفضت الحوار الذي عرضه عليها، وفعلت بالمثل مع بشار الأسد الذي تطلع إلي الحوار معها ولكن دون جدوي وتماديا في الخطأ تبنت سياسة التحرش بسوريا ومبدأ فرض الاملاءات، فعلت الشيء نفسه مع عرفات من قبل فدعمت عزله من قبل اسرائيل وادارت ظهرها له، وهذا الأداء وتلك السياسة هي التي جاءت بحزب الله إلي الواجهة وجاءت بحماس في فلسطين وبأحمدي نجاد في ايران. تدمير محور الممانعة واليوم يظل مطلوبا من دولة الاعتدال دعم ادارة بوش في أي تحرك تتخذ ضد ايران حتي لوكان عملا عسكريا، فهدف أمريكا عمليا تدمير محور الممانعة ومحاصرة ايران للحيلولة دونها ودون التحول إلي قطب اقليمي يدعم اطراف الممانعة الاخري في اعادة التوازن للمنطقة، وبالتالي يظل مطلوبا من دول الاعتدال دعم أمريكا في سياسة التجويع التي تمارسها ضد حكومة حماس لاحكام القبضة عليها وحملها علي الرحيل من الملعب السياسي وفي المقابل عليها تعزيز موقف عباس سياسيا وماليا وعسكريا حتي يتمكن من تطويق حماس. امريكا لا تري الحقيقة جولة رايس في المنطقة مؤخراً تشي بأن ادارة بوش لا تري الحقيقة أو تتغاضي عمداً عن رؤيتها، لقد اعتقدت بأنها قادرة علي تطويع المنطقة لتصبح حليفة لها ضد التكتلات الاقتصادية العلنية وفاتها أن الأحلام الأمريكية لم تكن متطابقة مع الواقع الأليم الذي يجري علي الأرض اليوم، فهناك مستنقع العراق الذي أخل بهذا المخطط وهناك ما حدث في لبنان بدءا من المؤامرة التي نسجت لاخراج سوريا منه بدعوي القرارات الدولية وانتهاء بمحاولات تجريد حزب الله والفصائل الفلسطينية من السلاح وهي المهمة التي اسندت لحكومة السنيورة وعندما فشل في تنفيذها تم تكليف اسرائيل بها من خلال حملة عسكرية عمدت أمريكا إلي اطالة أمدها ورغم ذلك باءت بالفشل، ولاشك ان ما حدث في لبنان كان هزيمة للسياسة الامريكية وهو ما دفع ادارة بوش للانتقال من لبنان إلي الأراضي الفلسطينية، وهنا مازالت أمريكا تراهن علي أن يقوم عباس بحل المجلس التشريعي واسقاط حماس. ان رسالة رايس لمحور الاعتدال تقول بأن الصراع العربي الاسرائيلي يمكن ا نهاؤه علي اساس ان هذا ليس صراعا انما مجرد نزاع يمكن لامريكا حله، أما الصراع الحق فسيكون مع ايران وعلي الجميع التكاتف من اجل جز رقبتها! واذا كانت رايس قد نجحت في تشكيل محور الاعتدال الا انها لم تنجح في تحقيق اي تقدم علي مسار العملية السلمية التي استخدمتها كوسيلة جذب ليس إلا.