من المؤكد أن اسرائيل تراقب عن كثب تطورات الأزمة الداخلية في لبنان وتدرس بامعان مدي قدرة التنظيمات المسيحية والسنية في هذا البلد علي التصدي لحزب الله وإضعافه. ولذلك فلم يكن مستغربا أن تخرج اولي التقارير الخاصة بامكانية قيام المحكمة الدولية لقتلة رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق. بتوجيه مايسمي بالاتهام الظني للحزب من اسرائيل. بل إنها لم تتوان عن تسريب اسم الشخص الذي يعتقد انه صاحب قرار تصفية رئيس الوزراء السني الراحل وهو مصطفي بدر الدين الرجل الثاني في القيادة العسكرية لحزب الله وصهر القائد العسكري الراحل عماد مغنية. والهدف من كل ماتفعله اسرائيل واضح ويتمثل ببساطة في رغبة القيادة العسكرية الاسرائيلية في تحديد موعد شن ما يعتقد انه هجوم عسكري كاسح علي حزب الله للقضاء علي التهديد الذي بات يمثله لإسرائيل وأن لم يكن تهديدا وجوديا كما يشيع بعض قادة الحزب وفي مقدمتهم التصريحات النارية لزعيمه حسن نصر الله, خاصة أن استمرار الحزب بترسانته الصاروخية الحالية يشكل عائقا فعليا لأي خطط مستقبلية لمهاجمة ايران لأنه في حالة قيام اسرائيل بمثل هذا الهجوم السهل نسبيا من وجهة نظر خبرائها فإنه لايوجد مايضمن عدم دخول حزب الله الحرب لصالح طهران وإمطار المدن الاسرائيلية بصواريخه التي لايمكن منع الكثير منها من السقوط علي العديد من القري والبلدات والمدن الاسرائيلية بسبب قرب المسافة بين مناطق الاطلاق من الجنوب اللبناني الذي يسيطر عليه الحزب والأراضي الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية خاصة في الجليل الأعلي. وأي متابع جاد للشأن الاسرائيلي يمكنه أن يلحظ بسهولة مدي الجدية التي توليها إسرائيل للتهديد الذي يمثله حزب الله عليها, ولذلك فأنها لم تدخر جهدا منذ نهاية حربها ضد لبنان في يوليو2008 لعلاج الثغرات التي ظهرت عندها في تلك الحرب, ومكنت مقاتلي الحزب من توجيه ضربات مؤلمة ولكنها ليست قاصمة لجيشها وجبهتها الداخلية ومن تلك الدروس التغيير الذي أدخلته علي هيكيلية اتخاذ القرار في وحداتها العسكرية وتوفير كل مايحتاجه جيشها من وسائل لوجيستية معاونة للعمل العسكري. أما علي المستوي العسكري فقد أنتهت اسرائيل مؤخرا من زيادة تدريع دباباتها من طراز ميركفاه لتغطية نقاط الضعف التي ظهرت في تلك الحرب, ولذلك كشفت مؤخرا عن ادخال, الدبابة المعدلة ميركفاه4 سيمان الخدمة لتكون قادرة علي مواجهة الصواريخ المحمولة علي الكتف, كما أنهت بنجاح كماتقول نشر منظومة القبة الحديدية المفترض أن تكون قادرة علي التصدي للصواريخ قصيرة المدي مثل صواريخ الكاتيوشا التي يمتلك حزب الله الآلاف منها, وكذلك قامت بنشر المزيد من بطاريات باتريوت للتصدي للصواريخ ذات المدي الأكبر وقامت بالعديد من المناورات للوقوف علي مدي جاهزية جيشها لمواجهة الحزب, ولكن وقبل كل شيء زادت من نشاطها الاستخباري في لبنان وسوريا علي حد سواء حتي تتمكن من التوصل لتقديرات صحيحة لقوة الحزب حتي لايفاجئها كما جأها في الحرب السابقة ولقنها درسا قاسيا في أهمية أن تكون التقارير الاستخبارية صحيحة, وعلاوة علي ذلك فأنها لم تتوقف عن تهيئة الجبهة الداخلية لحرب مقبلة قد لا تكون ضد جهة واحدة ولكن جهتين او ثلاث في ان واحد. وفي الأسبوع الماضي فقط تداولت وسائل الاعلام اللبنانية تقاريراخبارية تؤكد أن هناك معلومات مستقاة من تقارير أوروبية ودولية عن إمكان قيام إسرائيل بعدوان عسكري علي لبنان, بعد أن استكملت الدولة العبرية جاهزيتها العسكرية واللوجيستية لهذا العدوان الذي قد يعيد خلط الأوراق في المنطقة ويبدل في الأولويات.. ومن الواضح أن حزب الله يأخذ هذه التقارير بجدية, لذلك قال النائب في كتلة الحزب كامل الرفاعي, إن التهديدات الإسرائيلية للبنان جدية وقد أبلغ مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية, جيفري فيلتمان, ووزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير, ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس الأمريكي السيناتور الديمقراطي جون كيري المسئولين اللبنانيين بها خلال زياراتهم للبنان وأوضح أن المعلومات تشير إلي أن الإدارة الأمريكية أعطت الإسرائيليين ضوءا أخضر ليعملوا ما يشاءون في لبنان, وهذه الرسالة وصلت إلي القيادة السورية بواسطة كيري. وفي محاولة استبافية لتهيئة العالم لاحتمالات شن عدوان مفاجيء علي لبنان حذر رئيس اركان الجيش الإسرائيلي المنتهية ولايته جابي اشكنازي من احتمال سيطرة حزب الله علي لبنان وتغير الواقع الامني في المنطقة عقب نشر نتائج التحقيق الذي اجرته المحكمة الدولية الخاصة في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق. وقال اشكنازي خلال زيارته الأخيرة لكندا ان زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد للبنان انما تدل علي ازدياد مظاهر التطرف في المنطقة, مشيرا الي تأثير تركيا وايران الكبير علي جدول الاعمال في الشرق الاوسط خلال السنوات الاخيرة. ووفي تقديرنا فأنه في حالة قيام اسرائيل بشن حرب جديدة ضد لبنان فأن خسائر تلك الحرب ستكون أكبر بكثير من خسائر حرب عام2006 التي أودت بحياة1200 لبناني غالبيتهم من المدنيين و160 اسرائيليا غالبيتهم من الجنود وذلك لأن اسرائيل ستعمد إلي استخدام أقصي قدر من القوة العسكرية حتي تضمن تحقيق نصر حاسم حتي تحقق هدفين أولهما كسر حزب الله وثانيهما تجنب تكرار الجدل الذي ثار عقب الحرب السابقة عن الطرف المنتصر. وبعيدا عن العناصر العاطفية التي نستخدمها في تقييم معاركنا سواء العسكرية أو السياسية فأن المنطق يقول إنه بامكان اسرائيل تحقيق مثل هذا التفوق بسبب فارق التسليح الهائل لمصلحتها وحصولها علي أنواع جديدة من القنابل الخارقة للتحصينات, علاوة علي أن أي حرب مقبلة ستكون حركتها فيها أقل تقييدا من الحرب السابقة عندما كانت مترددة في الدخول البري في بداية القتال حتي لاتتسبب في إسقاط حكومة فؤاد السنيورة المدعومة من الغرب, وبالتالي استفاد حزب الله من هذا التردد في تدعيم قدراته الدفاعية ومواجهة محاولات الاختراق البري, والشيء المؤكد أيضا هو أن اسرائيل ستتكبد خسائر كبيرة أيضا.