«لا للفساد، ولا للمحسوبية، ولا لتضييع الأوقات على الناس.. لدينا حساب بالبنك المركزى يحمل رقم 333 - 333، وعلى من يريد أن يتطهر من الفساد أن يضع الأموال فى هذا الحساب والله يقبل التوبة».كان هذا نص ما ذكره رئيس الجمهورية، الجمعة الماضى، فى خطبته بمؤتمر عقد بجامعة أسيوط. وصرح ممتاز السعيد، وزير المالية، أن هذا الحساب تم فتحه باسم حساب النهضة وهو ضمن حسابات الحكومة بالبنك المركزي، وهو بجانب تخصصه لإيداع الأموال التي سيتم استرجاعها من الداخل والخارج، سوف يتلقى أيضاً تبرعات المواطنين الذين يحرصون على دعم مصر ومساعدتها للخروج من الأزمة الراهنة، وقيل عن هذا الحساب المشبوه أنه حساب سيادي خاص بالبنك المركزي فقط. ومن هنا توجهنا بالسؤال إلى الدكتور طارق فايد وكيل محافظ البنك المركزي لشؤون الرقابة، الذي أكد في تعليقه على رقم الحساب الذي أعلنه الرئيس مرسى باسم حساب «نهضة مصر»، أنه لا يملك تفاصيل حول ميعاد فتح الحساب ولا الجهة التي قامت بفتحه، ولا حتى مَن المفوض بالتوقيع للصرف. لافتا إلى أن نوعية الحسابات التى تطلب الجهات السيادية فتحها يُطلَق عليها «حسابات سيادية»، وتُعَدّ مالا عامًّا ويشرف عليها الجهاز المركزي للمحاسبات. وشدد الدكتور أحمد قورة رئيس البنك الوطني سابقا، على أنه ينبغي أن لا يحول التبرع لهذا الحساب دون استكمال العقوبات المفروضة على هؤلاء الفاسدين، متوقعا أن لا يتلقى الحساب تبرعات تُذكَر، مشيرا إلى أن التبرعات التى جُمعت من خلال أكثر من حساب لدعم الاقتصاد بعد الثورة، وعلى رأسها حساب 25-1-2011 وحساب المليار جنيه الذي بادر به الشيخ محمد حسان، كلها حسابات لم يتم الإفصاح عن حصيلتها ولا أوجه الصرف فيها إلى الآن، مؤكدا أنه يجوز تخصيص حصيلة الحساب لهدف بعينه. وفى سؤال حول ما كانت هذه الحسابات مالا عاما يشرف عليه الجهاز المركزي للمحاسبات؟ قال الأستاذ خالد القط وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب السابق أن هذه الحسابات هي أكبر قضية فساد في مصر ويرجع ذلك إلي عدم وجود رقابة حكومية جيدة عليها ومعظم هذه الحسابات سرية بعيدة عن أعين الرقابة، وتقترب الأموال فيها من نصف الموازنة العامة للدولة الجديدة. وتم إسناد مسئولية الإشراف عليها وإدارتها والصرف منها للقيادات وكبار المسئولين في الدولة من درجة محافظين ووزراء ومن في مستواهم. وباعتبارها أموالاً سائبة سهلة مباحة أغرت الكثير من المسئولين والذين يتم اختيارهم علي أساس الولاء والثقة وليس الكفاءة وبالمجاملة والمحسوبية في الغالب الأعم من المواقع والمراكز القيادية . فتم استنزافها "والغرف" منها واستباحتها لصرف الملايين والمليارات في غير الأغراض المخصصة لها، ولمصالحهم الشخصية. وأضاف الأستاذ خالد القط انه كثيرا ما كانت تقدم تقارير سرية من الجهاز المركزي للمحاسبات في عهد النظام السابق عن هذه الحسابات السرية لعرضها على مجلس الشعب ومحاسبة المسئولين عنها ولكن دائما ما تؤخذ قرارات بعدم التعرض لهذه المخالفات وإسقاطها من جدول المناقشات. في حين شددت الدكتورة فائقة الرفاعى لنائبة السابقة لمحافظ البنك المركزي، على أن الحساب الذي أعلن عنه مرسى مؤخرا باسم «نهضة مصر» لا يعد أمرا رئاسيا، وإنما ترتيب لتعبئة الموارد المحلية من مدخرات المصريين لدعم الاقتصاد، مشيرة إلى ضرورة معرفة أوجه الإنفاق التي سيتم إنفاق حصيلة الحساب بها، وهو الأمر غير الواضح إلى الآن لعدم وجود برنامج النهضة المزعوم. قائلة «عندما أفتح حسابا برقم لدى أي بنك لا بد أن يكون غرض الحساب واضحا ومحددا مسبقا، لذا لا بد أن نعرف ما مشروع النهضة أولا قبل التبرع أو الإيداع حتى نستطيع مراقبة ومتابعة هذه الأموال وتكون للصرف قواعد كذلك، بمعنى هل سيقرض المركزى الحصيلة للبنوك والبنوك تستثمرها أم أنه سيتم وضعها كودائع للبنوك أم توضع فى خزانة الدولة؟». وأضافت أن حصيلة الحسابات التي تم فتحها لدعم الاقتصاد سابقا يُسأل فيها محافظ البنك المركزي حاليا وأن هناك تخوفات كثيرة من تخصيص هذا الحساب للفاسدين، أهمها أن لا يلقى الحساب قبولا للتبرع، لأن معنى هذا أن من يتبرع سوف يبلغ عن نفسه، كما أن تخصيص حساب للفاسدين للتطهر سيحول دون تحقيق الشفافية، لأن البنك المركزي وقتها لن يعلن عن أسماء المتبرعين باستثناء من سيتصالح قضائيا. ووصف الدكتور احمد النجار أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة هذا الحساب بأنه تغييب تام للقانون في قضايا الفساد، مؤكدا أنه لم يتم إلى الآن تنظيم أساليب التعامل مع الحساب، وأن هذا الحساب مجرد تصريحات ارتجالية للرئيس. مشيرا إلى التصريحات التليفزيونية للدكتور محمد محسوب وزير الدولة للشؤون البرلمانية حول الحساب بأنه حساب مفتوح منذ شهر تقريبا، ولكنه خاوٍ ولم يودِع أحد فيه أموالا، متسائلا «لماذا يتم إنشاء حساب خاص للتصالح في الوقت الذي يمكن فيه أن يودع المتصالحون تلك الأموال لدى الخزانة العامة مباشرة؟»، مشددا على غموض الفكرة بالنسبة إلى الرئيس نفسه. تريليون و272 مليار جنيه وأشار شحاتة محمد شحاتة المحامي ومدير المركز العربي للنزاهة والشفافية إلي أن أرصدة الحسابات الخاصة تقدر بحوالي تريليون و272 مليار جنيه وهي لا تخضع للموازنة العامة للدولة وبعيدة عن رقابة مجلس الشعب أو الجهاز المركزي للمحاسبات. ويؤكد الخبير المصرفي احمد ادم هذه الحسابات تودع بالبنك المركزي، أو بالبنوك التجارية، ولكنها غير معروفة وتحيط بها الكثير من علامات الاستفهام. وإن تم كشفها يحظر الإطلاع عليها بحكم سريتها. رغم حق الجهاز المركزى للمحاسبات ورئيسه، والضبطية القضائية التي يتمتع بها بعض قيادات الرقابة المالية بالجهاز علي البنوك، لم يتمكن أي من مراقبي الجهاز من مراجعتها أو التفتيش عليها منذ عقود، والجهات التي تتبعها الحسابات السرية هي رئاسة الجمهورية، وهيئة الرقابة الإدارية، ووزارة الداخلية، ويتردد أنها تضم أيضا حسابات صناديق وزارة الخارجية ومجلس الوزراء. وأضاف أدم ان هذه الحسابات ليست سرية علي رجل الشارع ، أو العاملين فيها فقط بل سرية علي الجهاز الرقابي الأول المكلف قانونا بالرقابة والفحص. وفقط هي معلومة للقائمين عليها. والسبب في بطن الشاعر. وكل ما تمكنا بطرقنا الخاصة معرفته وجود عدد يتراوح بين 4 ، و6 حسابات سرية في رئاسة الجمهورية، و30 حساباً بوزارة الداخلية ، وما خفي في هذين الجهتين كان أعظم. أما باقي الجهات فالعلم عند الله وحده، ومن بيدهم مفتاح الكرار، والقرار. وطالب أدم بتقنين أوضاع هذه الحسابات وتطبيق القانون بكل حزم علي جميع الجهات والأشخاص، وتأكيد الشفافية لتحقيق الهدف النبيل الذي أنشئت من أجله هذه الصناديق، وعفي الله عم سلف قبل الثورة، لأن الموقف بعد الثورة يختلف تماما، وليس هناك أشخاص علي رأسهم ريشة، أو تسندهم سلطة. فقط نشير إلي المخالفات، وإهدار المال العام للتحقيق فيها، ولن نهدأ إلا بعد المحاسبة وإعادة المال الذي اغتصبوه.