لا شك أن حالة الانفلات الأمني الغريبة التي تعرضت لها مصر خلال الأيام القليلة الماضية تلقي بعدد من الأسئلة التي لا تجد لها إجابات سوي البحث عن"الفلول" ، فبعد مرور عام علي موقعة الجمل التي راح ضحيتها عدد من الشهداء والمصابين والتي نفذها فلول النظام السابق، بدأ الشارع يتراجع أمنياً مؤخراً وتزايدت حالات السرقة المنظمة والسطو المسلح في كل مكان بالجمهورية دون استثناءات في حلوان والقاهرة والجيزة وسيناء والعريش والصعيد وغيرها دون أية مقدمات. الغريب أنه كانت وزارة الداخلية تحت قيادة اللواء محمد إبراهيم يوسف قد تمكنت خلال فترة وجيزة بعد توليه المسئولية من إعادة الأمن إلي الشارع ، وبدأ المصريون يشعرون بالأمن والأمان الذي عرفت به مصر طيلة تاريخها، خاصة مع توالي الضربات الموجعة التي نفذتها قوات الأمن لمدبري الحوادث ومعتادي الإجرام، إلا أن تزايد حالات السطو علي البنوك والمصارف وسيارات نقل الأموال بدأت تزرع الريبة والشك في نفوس الكثيرين. وكانت الكارثة الكبري التي لم تشهدها مصر علي مر العصور قد وقعت في بورسعيد مدينة الكفاح ضد العدو الصهيوني ، حينما سقط 76 قتيل من شباب "ألتراس" الأهلي عقب انتهاء المباراة التي جمعت بين فريقهم والمصري البورسعيدي علي استاد بورسعيد، في اشتباكات هي الأسوأ في ملاعب كرة القدم في العالم، بعد اشتباكات لفظيه بين جماهير الناديين علي مدار ساعتين وحتى انتهاء المباراة بصافرة الحكم، وما يؤكد أن الكارثة ليست مجرد عصبية من أجل كرة القدم، هو فوز النادي المصري بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد للأهلي، وهو ما ينفي دواعي عصبية جماهير المصري. ويري الكثيرون من المتابعين للأحداث المتوالية في مصر أن هناك مخطط لمنع تحول مصر نحو الديمقراطية التي تنشدها ، حيث إنه سبق وأن تكررت حوادث مختلفة قبل كل حدث مهم من أحداث التحول الديمقراطي للبلاد، لكن في أحداث الانفلات الأخيرة فقد انقسم السياسيون وكذلك شباب الثورة حول المفجر الحقيقي لهذه الأحداث، بين من قال أن فلول الحزب الوطني "ودولة طرة" وراء الأحداث يأتي آخرون ليلقوا بالمسئولية علي المجلس العسكري ويتهموه بالتخطيط لهذه الأحداث عقب ترديد هتافات تطالب بإنهاء الحكم العسكري المؤقت، وهو ما استنكره المجلس في بيان له علي صفحته الرسمية علي موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك". في البداية أكد النائب البدري فرغلي عضو مجلس الشعب البورسعيدي أن أحداث الإنفلات الأمني التي تعرضت لها البلاد مؤخراً مدبرة وليست وليدة الصدفة ، وأن من يقف وراءها هم الطغاة الموجودين داخل سجن طره للقضاء علي الأمن وزرع الفوضي داخل ربوع الوطن لمنع السير نحو الديمقراطية التي ننشدها، خاصة ان هذه الأحداث تظهر كلما يقترب موعد محاكمة أحد منهم، أو عندما يطالب أحد بالمحاكمة الثورية لهم لأنهم وقتها لن يفلتوا من العقاب الذي قد لا يلقونه بالقانون الطبيعي. وأشار فرغلي إلي أن جهاز أمن الدولة المنحل والذي تمت إعادته في شكل الأمن الوطني لا يزال يمارس دوره في القضاء علي الأمن في البلاد، لذا يجب حل هذا الجهاز قبل أن يساهم في تدمير البلاد. وحول الأحداث التي وقعت في لقاء المصري البورسعيدي والأهلي قال عضو مجلس الشعب إن ما حدث كان مخططا له لتنفيذ موقعة جمل ثانية في بورسعيد.. متسائلا: كيف يقيمون لقاءين بهذه الأهمية في يوم واحد وكل لقاء منهما يحتاج إلي قوات هائلة من التأمين "الأهلي – المصري والزمالك – الإسماعيلي" ، وعندما وقعت الأحداث تراخي الأمن واختفي.. مشددا علي ضرورة محاكمة رموز النظام السابق بسرعة حتى ننتهي من الأزمات التي يفتعلونها ونبدأ في البناء. فيما قال المحلل السياسي جمال أسعد إن الأحداث التي شهدتها البلاد خلال الأيام القليلة الماضية استمرار لمسلسل الفوضى الذي بدأ يوم 28 فبراير الماضي "يوم موقعة الجمل" ، وهو مخطط يهدف لإضاعة هيبة الدولة وتفتيت القوي السياسية والوطنية .. وبعد أن وقعت الشرطة وضاعت هيبتها يسعي منفذي ذلك المخطط لجرجرة الجيش للصدام مع الشعب.. مشيراً إلي أن المجلس العسكري فشل في إدارة البلاد حينما حاول إرضاء كافة الأطياف المتصارعة علي السلطة لكنه لم ينجح في إرضاء أي طرف منهم فحدث تفتت للقوي السياسية ، واختلف الثوار وبدأ كل تيار منهم ينتهج نهجاً يختلف عن الآخر. ولفت أسعد إلي أن المجلس العسكري وراء شعور المواطنين بأن هناك ثورة مضادة ، حيث إنه دفع الشعب لفقدان الثقة والاختلاف علي كل شيء ، فرأي المواطنون أن الثورة ليس لها أي حصاد ، مما أدي إلي تقوية وتعزيز الشعور بالثورة المضادة وأذنابها الذين يمارسون كل ما بوسعهم لإثارة الرعب في الشارع. وأكد الناشط والمفكر القبطي أن رموز الحزب الوطني يمولون عمليات تهدف للفوضى وإشعال البلاد، حيث إن قوات الأمن قد كشفت من قبل عن أن رموز من ذلك الحزب المنحل هم من مولوا عملية اقتحام السفارة الإسرائيلية ، وبالرغم من ذلك لم يتم إجراء أي تحقيق معهم.. داعيا القوي الثورة والوطنية إلي التكاتف لمواجهة هؤلاء الأشخاص الذين يسعون لتدمير البلاد والزج بها إلي الفوضى. أما الدكتور محمد شحاتة أستاذ القانون الدولي بجامعة الإسكندرية فقال إن كافة الأحداث التي وقعت خلال العام الماضي وبعد الزج بالرئيس السابق وكبار رموز نظامه في السجون ، تصب في إتجاه واحد يؤكد ضلوع هؤلاء الأشخاص "الفلول" في الوقوف خلف كافة العمليات التي تدفع البلاد نحو الفوضى بمساعدة الداخلية وأمن الدولة حتى لا تتم محاكمتهم كما يريد الشعب المصري.. مشيراً أن ما يؤكد ذلك هو الجلسة الأولي لمجلس الشعب والتي استشعر رواد سجن طره الخطر منها عندما طالب نواب الأمة بمحاكمة ثورية لهؤلاء الأشخاص، والقصاص منهم لأرواح شهداء الثورة.. لذا فإنهم يقايضون الشعب بين محاكمتهم والقصاص منهم والحرية والأمن التي يريدها المصريون. ومن جانبه قال الدكتور محمد أبو حامد عض مجلس الشعب أن المجلس العسكري هو من يقف وراء ما يجري حاليا في مصر حيث إنه منذ أن طالب الثوار بإسقاط الحكم العسكري في الميادين المختلفة بدأ المجلس في عقابنها علي هذا المطلب وكأنه يقول لنا كيف تطالبون بمثل هذا الأمر، وكان الثمن غاليا حيث ندفعه بدماء الشهداء. وأكد أبو حامد أن الإنفلات الأمني مدبر ووراءه أهداف سياسية وليست مجرد أحداث مختلفة ولأسباب عديدة بل هي مرتبة ومعقود النية عليها .. لذا لن نسكت حتى نقيل حكومة الجنزوري ويرحل المجلس العسكري عن الحكم ويتم نقل السلطة لحكومة مدنية ويعود العسكر لثكناتهم. فيما قال الناشط السياسي أحمد عيد عضو ائتلاف شباب الثورة فقال إن سيدة مصر الأولي هي من تحكم مصر حاليا وليس أحد آخر، وهي من ترتب لكل العمليات التي تحدث في مختلف الأرجاء ، حيث إنها تنتقل بحرية تامة بين السجون لتلتقي بأركان النظام السابق وتخطط معهم في كيفية تحقيق أهداف الثورة المضادة والقضاء علي الثورة الشعبية التي قمنا بها في 25 يناير 2011 م . وطالب عيد بضرورة إعادة هيكلة الشرطة من جديد وإبعاد كافة القيادات من تلاميذ حبيب العادلي الذين ما زالوا يدينون بالولاء للعادلي. فيما قال المحامي منتصر الزيات محامي الجماعة الإسلامية إن الشرطة ما زالت أيديها مرتعشة والإنفلات الأمني مستمر منذ نجاح الثورة وليست جديدة بالرغم من بعض اللمسات التي ظهرت مؤخراً إلا أن إلغاء قانون الطوارئ أدي لأزمة في الشارع حيث ظن الجميع أن هناك حرية كاملة في الشارع بعد إلغاء القانون فزادت البلطجة وانتشرت السرقات المسلحة.