الحفل الذي اقامته دار الأوبرا علي المسرح الكبير بالتعاون مع السفارة الالمانية بالقاهرة احتفالا بمرور 30 عاما علي توحيد ألمانيا وأحياه اوركسترا القاهرة السيمفوني وحظي بإقبال جماهيري كبير يعد من الأحداث الفنية الهامة خلال هذا الموسم لأنه تم فيه تقديم مقطوعة "كارمينا بورانا" والتي لم يتم تقديمها بشكل كامل من خلال السيمفوني المصري منذ سنوات عديدة وكان يكتفي بتقديم الباليه الذي صمم رقصاته د. عبدالمنعم كامل وزوجته ارمينيا علي مختارات منها.. والعمل كان هناك توفيق في اختياره لأنه عمل احتفالي لمؤلف ألماني فيأتي مناسبا للمناسبة الألمانية. أما الجانب المصري فهو احدي علامات الحضارة حيث انه عمل ضخم يحتاج لأوركسترا كثير العدد وكورال كبير ومتنوع ومغنين أوبرا "سوليستات" ومعظم هؤلاء عناصر مصرية كما أن هذا العمل من رصيد فريقنا المصري وقد اداه عام 1966 وحضره المؤلف الذي اعجب بأدائه. هذا العمل يحتاج إلي مايسترو متمكن يتفهم العمل جيدا ويقود كل هذا العدد الكبير علي المسرح ولم يكن هناك اقدر من المايسترو المصري د. عادل شلبي الذي يمثل هنا الطرفين ألمانيا ومصر حيث انه استاذ للايقاع في المعهد العالي للمسرح وللموسيقي بمدينة ميونيخبألمانيا منذ 30 عاماً وسبق أن شارك الباليه المصري في تقديم العمل وتناولنا أداءه علي هذه الصفحة واقترحت ان يقدم لنا العمل من خلال السيمفون. العمل شاركت فيه المانيا بمجموعة الايقاع المكونة من 6 عازفين بالاضافة لعازفتين لآلتي البيانو والسوليست "الباريتون" أما الجانب المصري فكان مجموعتي الوتريات والنفخ من السيمفوني وكورال الأكابيلا ومن السوليستات السبرانو والتينور. "كارمينا بورانا" من مؤلفات المؤلف الألماني كارل أورف "1895 1982" وقدمت لأول مرة في أوبرا فرانكفورت عام 1937 وصارت منذ ذلك التاريخ من اشهر الأعمال الكورالية في القرن العشرين وهي عبارة عن 24 نصا شعريا اختارها "أورف" من 250 نصا جمعت من مخطوطة علمانية قديمة يرجع اصلها إلي القرن الثالث عشر حيث وجدت في دير "البنديكتين الباور" القريب من ميونيخ في اقليم "بافاريا" وتم نشرها باسم "كارمينا بورانا" عام 1847 وكلمة كارمينا باللاتينية تعني الأغاني وبورانا تعني دنيوية وترجمتها "أغان دنيوية" ويؤديها الكورال والسوليست باللغة اللاتينية وبعض الأبيات باللغة الألمانية القديمة والعمل ينقسم إلي ثلاثة اقسام: الأول يدور حول معاني الربيع والشباب والحب والرقص والقسم الثاني يدور حول "الحانة" ويعبر عن تقلبات الحياة بما فيها من متع ولذات أما القسم الأخير يصف الغزل المتبادل بين الرجال والنساء والذي يزداد تدريجيا ليصل إلي نوع من الابتهالات الملحة لآلهة الحب "فينوس" والتي بدلا من أن تظهر تتجلي آلهة الحظ "فورتونا" بعجلتها المصيرية لتتلاعب بأقدار البشر والمقدمة في هذا العمل يتم اعادتها في الختام رمزاً لهذه العجلة الدوارة حيث يشدو الكورال فورتينا انت المتغيرة كمثل القمر. ألحان جذابة والعمل عبارة عن هذه القصائد ملحنة ألحانا جذابة اعتمد فيها علي الايقاع واستثمار الأصوات البشرية طبقا لمعاني الكلمات وميلوديات هذا العمل قوية ورائعة والأشعار التي تختص بالنساء يلقيها الكورال النسائي والخاصة بالرجال يؤديها كورال الرجال والأغنية التي تقولها سيدة تغنيها السبرانو أي الكلمة هنا هامة والموسيقي والأصوات البشرية تعبر عنها وأيضا الموسيقي والآلات كل من علي المسرح يعبر عن الكلمة المكتوبة أي الألحان توازت مع الكلمات وربما تفوقت عليها وهذا ما جعل العمل يتغلغل في نفوس الجماهير ويتذوقه ويستمتع به رغم عدم فهمه لهذه الكلمات ذات اللغات القديمة. العمل يتكون من 25 حركة لكل منها بداية وختام وكلها تضمن الغناء ماعدا الحركة السادسة فهي موسيقي فقط وهناك الحركة التاسعة والتي تعد من الحركات المركبة حيث تنقسم إلي 4 حركات تبدأ بحركة موسيقية فقط بدون غناء هذه السمات التي ذكرتها تحقق منها الكثير في هذا العمل الذي نحن بصدده وجاء الأداء في صورة حية وبدون شك مجموعة الايقاع الألمانية كان لها دور بارز في نجاح العمل حيث يقع عليها عبء كبير وكانت مثالاً جيداً للمهارة وفهم التفاصيل. أيضا عازفتا البيانو "ساندرا خوسيوث فيتش" و"ديوردم سيتنر" وتألق فريق السيمفوني خاصة انه شارك فيه معظم نجومه ولولا ضيق المساحة لذكرت جميع اسماء هذا الفريق الذي جعلنا نشعر بالفخر. أما اكثر العناصر ايجابية فكان كورال الأكابيلا التي احسنت مايا جيفنيريا تدريبه والذي يعد عنصرا جوهريا في هذا العمل الكورالي. أما "السوليستات" فقد كان ذكاءً من المايسترو شلبي الاستعانة بالباريتون "توماس شتيمل" الذي أدي العمل جيدا وخاصة النوت العالية التي نادرا ما تتطرق إليها هذه الطبقة الصوتية وايضا تميز في المقطوعة الثالثة عشرة التي يشدو بها "أنا رئيس الدير" وبها تلوين صوتي وانتقال بين الحاد والغليظ وتعبيرية. أما التينور د. صبحي بدير ادي العمل كما كتبه أورف بالصوت المستعار "فلاستو" الذي نجده صوتاً عالياً ولكنه واهن ايضا مهارة لا يستطيع ان يؤديها إلا د. صبحي ولهذا جاء اختياره جيدا. أما السبرانو داليا فاروق فقد اجادت وغنت في منطقة حادة جدا كما أراد المؤلف ولكن مازال ينقصها التعبير الذي يحتاجه هذا الدور وخاصة في المقطوعة 21 التي يصاحبها الوتريات الغليظة والايقاع والكورنو والتي مطلعها "علي ميزان القلب الحائر" والتي تحتاج تعبيرا من الأنوثة الطاغية والتي كان يجب ان تظهر في الأداء ولكن يشفع لها انها تشدو بهذا العمل لأول مرة. أمنيات بشكل عام العمل كان ممتعا وكما سبق ان ذكرت من أهم عروض السيمفوني لهذا الموسم ولكن هناك امنيات نتمني تحقيقها.. ان يتم الاهتمام بهذا العمل وتدعيمه وعمل اخراج لخشبة المسرح وتوزيع للكورال والسوليست والعازفين علي الخشبة وكذلك مضاعفة عدد الكورال وان يضاف له كورال الأطفال والأهم من كل ذلك ان تكون هناك دعاية جيدة وتسويق ليتم تقديمه من خلال عدة ليال. أما الحلم ان يتم تأليف عمل مصري بلغتنا العربية علي هذا المستوي أو علي الاقل اتاحة الفرصة لمشاهدة الأعمال التي تقترب منه مثل كورالية محمد رسول الله لجمال سلامة والصحوة لجمال عبدالرحيم.