القانون قانون.. والسياسية سياسة.. وأحد أسباب فساد النظام السابق كان نتيجة لاختلاط القانون بالسياسة.. وتسخير الأول لخدمة الثاني.. ومصر تنتظر اليوم الحكم علي الرئيس السابق حسني مبارك.. والتكهنات كثيرة حول منطوق الحكم ومدلوله.. وكل من يقرأ هذا المقال سيكون قد عرف الحكم.. لكننا نريد أن نلقي الضوء علي ما يعتمل في نفوس الناس. السياسيون ومعهم عامة الشعب أو غالبيته يطالبون بحكم سياسي رادع يتواءم مع ما خلفه هذا النظام من كم هائل من الفساد علي مدي 30 عاما.. لا يهم إذا كان هذا الحكم يتوافق مع نصوص القانون أو لا يتوافق.. المهم أن يكون الحكم رادعا يشفي غليل كل من أضير من هذا النظام. وكان الله في عون القاضي أحمد رفعت وأي قاض آخر إذا تحولت القضية الجنائية إلي قضية رأي عام.. لا شك ان القاضي بشر يشعر بشعور الآخرين. ويتعرض لضغوط نفسية وعصبية في مثل هذه الحالات. في نفس الوقت فإن ضمير القاضي يقاوم هذه الضغوط.. انه ينظر في قضية محددة.. وجهت فيها اتهامات محددة للرئيس السابق ومن معه من المشاركين فيها.. والقاضي لا يعترف إلا بالوقائع الثابتة من خلال الأوراق والمستندات التي تضمنتها القضية.. وهو قد استمع إلي النيابة العامة وما قدمته من أدلة علي الجرم الذي ارتكبه المتهمون.. واستمع في الوقت نفسه إلي المحامين عن المدعين بالحق المدني.. والمحامين المدافعين عن المتهمين.. وهو يريد أن يخرج من دائرة السياسة التي أحاطت القضية من كل جوانبها إلي دائرة القانون دون امتزاج هذا بذاك. ولا شك ان مجموعة المستشارين أعضاء المحكمة يخففون عن رئيسها كثيرا من هذا العبء فلا يتحمله هو منفردا بل يتحملونه معا كهيئة قضائية من واجبها أن تحكم بالعدل طبقا للوقائع ونصوص القانون.. لا إرضاء لرأي عام أو لهوي في نفوس البعض. لقد أدلي كثير من السياسيين والشخصيات العامة بآرائهم في الحكم قبل أن يصدر.. وانتقدوه.. فقالت جماعة الإخوان المسلمين علي لسان الدكتور محمود حسين الأمين العام للجماعة انه سيكون حكما سياسيا هزليا.. وبرر ذلك بأن حجم الفساد والجرائم التي ارتكبها مبارك وأعوانه كبير جدا في حين أن الأوراق والأدلة التي يتضمنها ملف القضية ضعيفة جدا وغير كافية لإدانته إدانة قوية. وأري أن الدكتور محمود حسين يناقض نفسه بنفسه.. ففي حين يعترف بأن الأوراق والأدلة ضعيفة وغير كافية لإدانة قوية.. يقول في الوقت نفسه ان الحكم سيكون حكما سياسيا هزليا.. فكيف يكون حكما سياسيا والأدلة ضعيفة.. المفروض أنه إذا كانت الأدلة قوية وكافية لإدانة قوية وجاء الحكم مخففا فإنه في هذه الحالة يكون حكما سياسيا هزليا. حزب المصريين الأحرار تخوف من صدور حكم مخفف لأن الوضع ملتهب وسيكون له تداعيات خطيرة وردود أفعال غير متوقعة.. أما إذا صدر حكم يرضي الثوار فسيخفف كثيرا من حدة الأوضاع التي تشهدها العملية الانتخابية. المرشح الإخواني للرئاسة الدكتور محمد مرسي ضرب بالحكم القضائي عرض الحائط أيا كان منطوقه. واتخذ موقفا خاصا به بعيدا عن هذا الحكم عندما تعهد بإبقاء الرئيس السابق حسني مبارك في السجن إلي الأبد أيا كان الحكم الذي سيصدر في القضية. بهذا الرأي أري ان الدكتور مرسي وضع نفسه في موقف حرج.. صحيح ان الشعب كله حانق وكاره لمبارك ونظام حكمه. ومن حجم الفساد والظلم والتخلف الذي عاناه.. وصحيح أن أحدا لا يتصور أن تفرج المحكمة عن مبارك كمال قال الدكتور مرسي.. ولكني كنت أود أن يعبر الرجل عن احترامه لحكم القضاء. خصوصا أنه سوف يقسم في حالة فوزه بالرئاسة أنه سيحترم الدستور والقانون. لا نريد من رجل يتهيأ لحكم مصر أن يتخذ قرارا منفردا وشخصيا بإبقاء مبارك في السجن إلي الأبد حتي ولو كان يستحق الإعدام.. إنما نريده أن يقيم دولة العدل والقانون.. فالفساد انطلق أول ما انطلق من حكم الديكتاتور ولا نريد أن نستبدل ديكتاتورا بديكتاتور. وعلي الرجل السياسي أن يزن كلامه قبل أن ينطبق به.