في رواية "روميو وجولييت" للعبقري الانجليزي ويليام شكسبير يموت العاشقان الخالدان انتحارا دون أن يستمتعا بالحياة الزوجية الهانئة لأن صراع عائلتيهما وقف حائلاً دون أن يكتمل مشروع الزواج ويجتمع شملهما تحت سقف واحد.. كأن شكسبير أراد أن ينبهنا إلي ضرورة ألا تتحول خلافاتنا إلي صراعات فنخرب حياتنا وحياة أبنائنا وأصدقائنا وأحبائنا لأسباب لا تستحق أن تصل إلي أن تكون صراعا. والمصريون الآن يعيشون أصعب مراحل الاستقطاب السياسي المستحكم.. فقد انقسموا إلي معسكرين متناحرين متنابزين: أنصار مرسي وأنصار شفيق.. في كل المواقع والمنتديات والمواصلات.. في كل المقاهي والمؤتمرات واللقاءات.. هناك حوار يتطور بسرعة إلي شجار بين من يميل إلي هذا المرشح الرئاسي ومن يميل إلي ذاك.. وهو شجار دائم يستهلك الوقت والجهد ولايترك في النفوس غير الضغائن. في الدول المتقدمة ديمقراطيا المستقرة سياسيا يختلف الناس حول المرشحين في أية انتخابات حسب ميولهم وأمزجتهم وحسب ثقافتهم وانتماءاتهم الفكرية.. وأحيانا حسب جذورهم العرقية والدينية.. لكنهم يعبرون عن اختلافهم بطرق وأساليب محترمة وسلمية.. لا تجرح أحدا ولاتنتقص من كرامة أحد.. ويعرفون كيف يعيشون ويتعايشون معا مهما كان الخلاف والاختلاف. وبهذه الروح الواعية المنفتحة والعقلية المتسامحة يظل الخلاف السياسي محصورا في دائرته السياسية ولاينعكس علي مجمل حياتهم فيحولها الي جحيم وصراعات لاتنتهي في نهارهم وليلهم. أما نحن فقد تحول الانحياز السياسي لمرشح ما إلي ماهو أكبر من العقيدة الدينية تعصباً وتشددا.. وصار الحوار مع الاخر المنحاز الي المرشح المنافس معركة حقيقية.. نلاحظ ذلك بين الزملاء في مواقع العمل.. وبين الجيران والأقارب والأصدقاء.. بل بين أفراد الاسرة الواحدة. وهذا الشكل من الصراع السياسي المحتدم دليل تخلف ثقافي وتدهور حضاري كنا نتصور أننا برئنا منه بثورة 25 يناير المجيدة.. لكن الواضح ان الديمقراطية فاجأت كثيرين فأنستهم قيم التسامح والتعدد وقبول الآخر وحل محلها التعصب والتشدد والتوتر.. وهو ما سيأخذنا الي المهالك. لقد تحولت الممارسة السياسية الي معول يخرب حياة الناس.. ويقطع أواصر المحبة والصداقة ووشائج القربي.. والسبب في ذلك أننا لم نتعلم ونحن نعيش الديمقراطية كيف نختلف.. وكيف يحترم كل فريق حق الاخر في الاختيار.. ولم نتدرب علي التعايش مع التنوع والتعدد.. ونحفظ ألستنا عن البذائة واستباحة المختلفين والمعارضين والمنافسين. كيف ستستمر الحياة السياسية والديمقراطية علي هذا النحو؟! الواضح من التجربة الحالية أننا نستريح جدا للرأي الواحد والشخص الواحد والتوجه الواحد والمرشح الواحد.. بل إننا للأسف نستريح أكثرلمن يفرض علينا رأيه ولايدع لنا فرصة أن نختار بحرية وديمقراطية.. وهذه محنتنا الحقيقية بكل صراحة. عندما كان يفرض علينا رئيس واحد كنا أقل حدة وعدوانية مما نحن عليه الان.. وعندما كنا ننام ليلنا ونصحو في الصباح نجد الرئيس قد جلس علي الكرسي والدستور قد وضع نيابة عنا والقوانين قد اعدت كنا نسخر من أنفسنا ونتحسر علي وضعنا ثم نذهب الي اعمالنا نقتل فيها الهم والوقت.. الان الصورة تغيرت تماما.. انغمسنا في الجدل السياسي حتي سيطر علي حياتنا بالكامل.. ثم حولنا هذا الجدل الي حرب وصراع وخراب بيوت.. وأخشي ما أخشاه مع تصاعد الحروب أن يكره الناس الديمقراطية ويعودوا الي الانعزال عن الممارسة السياسية. لاشك ان الديكتاتورية مريحة ولاتحمل المواطنين تبعات ومسئوليات.. فالديكتاتور المستبد يحمل المسئولية عنهم بالكامل.. يختار نيابة عنهم ويقرر نيابة عنهم.. والديمقراطية هي الاصعب لانها تضع الناس أمام مسئولياتهم واختياراتهم.. لذلك نحن في حاجة إلي أن نتعلم ونتدرب رويدا رويدا كيف نتعايش ويقبل بعضنا بعضا رغم كل الاختلافات.. ونحن في حاجة الي ان نخطئ ونصيب دون ان نتعارك ونخرب حياتنا وعلاقاتنا الانسانية. نعم الناس حائرون.. والإعلام ينشر حولهم مايدفعهم إلي التهييج والإثارة.. الإعلام .. للأسف .. يلعب دورا هداما في نشر الأكاذيب وترويج الشائعات والبحث عن كل مايفزع الناس ويرهبهم.. لكننا في كل الأحوال يجب ان نصبر حتي تمر المرحلة الحالية بأقل الخسائر.