اتاحت ظروف عمل المفكر والكاتب الكبير عبده مباشر في بلاط صاحبة الجلالة لأكثر من نصف قرن فرصا للاقتراب من رؤساء مصر الثلاثة ناصر والسادات ومبارك.. وعن الظروف والاسباب يكتب مجموعة من المقالات يكشف فيها الكثير من الاسرار والخفايا التي كانت تجري في الشارع الخلفي بعيدا عن الأضواء.. وعلي هذه الصفحة تنشر "المساء الأسبوعية" مقالات الكاتب الكبير. جاء اللقاء المصري الليبي هذه المرة عاصفاً منذ اللحظة التي التقي فيها الوفدان. الأول برئاسة الفريق أول محمد صادق نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية والإنتاج الحربي القائد العام للقوات المسلحة. والثاني برئاسة العقيد معمر القذافي. كانت المباحثات قد بدأت بقاعة اجتماعات بمطار بنغازي عقب وصول الطائرة الخاصة الليبية التي أقلت الوفد المصري من القاهرة.. وقبل الحديث عما جري. يجدر بنا أن نتحدث ولو قليلاً عن المعلومات المرتبطة به وقادت إليه.. كانت مصر تستعد لمعركة هجومية لتحرير أرضها المحتلة في سيناء في ظل تفوق إسرائيلي عسكري كمي وكيفي. ومماطلة سوفيتية. تستهدف الضغط علي صانع القرار للحصول علي المزيد من القواعد العسكرية البرية والبحرية والجوية. ومن الامتيازات والتنازلات التي تنال من سيادة مصر. وفي خريف عام 1971. بدأت القيادة المصرية تتطلع للحصول علي بعض احتياجاتها العسكرية من خارج المعسكر الشيوعي. وكان هناك من هو علي استعداد لتوفير هذه الاحتياجات إذا ما توفر التمويل. وبعد مباحثات سرية. تمكنت القيادة المصرية من عقد صفقة صغيرة نسبياً. ولكنها تلبي احتياجاً مهماً للقوات المسلحة. وبدأ الرئيس أنور السادات مساعيه لتوفير التمويل المطلوب من خلال الاتصال بعدد من الحكام العرب.. وقد اتفق خلال هذه المساعي مع العقيد القذافي علي المساهمة بمبلغ 20 مليون جنيه استرليني. وأمام ضغوط الاقتراب من شهر رمضان. والحاجة لتوفير سلع ومواد تموينية تسد نقصاً في السوق. أرسل السادات والدكتور عزيز صدقي رئيس مجلس الوزراء إلي ليبيا للحصول علي مساهمة مالية تكفي لتوفير هذه الاحتياجات التموينية. وفعلاً سافر عزيز صدقي وعاد بعد أن أنجز مهمته بنجاح. وبما أن للفريق أول صادق علاقات طيبة بالقيادة الليبية. فقد تصور السادات أن إرساله إلي ليبيا قد يساعد مصر في الحصول علي المبلغ المتفق عليه من أجل صفقة السلاح. بالرغم من أن ليبيا قد زودت عزيز صدقي بمبلغ مساو للمبلغ المطلوب للسلاح. أي أن السادات تصور أن في إمكانه الحصول علي تمويل لصفقة السلاح بعد أن حصل فعلاً علي تمويل يكفي لشراء احتياجات مصر التموينية. وسافر الفريق أول صادق علي رأس وفد محدود العدد إلي ليبيا دون أن يعلم شيئاً عن مهمة عزيز صدقي في ليبيا والتي بدأت وانتهت قبل سفره بأيام. وبعد مراسم الاستقبال وترحيب العقيد وعدد من القادة الليبيين بالفريق صادق. بدأت المباحثات بأن أوضح رئيس الوفد المصري الهدف من الزيارة. وبعد أن استمع القذافي لما قاله صادق. قال بانفعال واضح: "إني لا أستطيع أن أطعم مصر. وأشتري لها السلاح في نفس الوقت. لقد جاء عزيز صدقي منذ أيام وأخذ 20 مليون جنيه استرليني كنت قد اتفقت مع السادات علي دفعها من أجل صفقة سلاح. ولكن رئيس الوزراء أخبرني أن مصر في حاجة إلي هذا المبلغ لتوفير احتياجات رمضان.. والآن تطالبني مصر بدفع المبلغ مرة أخري لشراء سلاح.. هذا غير معقول". وقبل أن يستكمل القذافي حديثه. وقف الفريق أول صادق. وطلب من مدير مكتبه العقيد جمال حسن إعداد الطائرة للعودة إلي القاهرة. وقبل أن يهم بالانصراف خاطب القذافي قائلاً: "لاحظ يا معمر أنك تتحدث عن مصر. والشعب المصري. وأنك تخاطب رئيس وفد مصري. وكل ما قلته لا يمكن قبوله بأي صورة من الصور.. ثم كيف تتصور أن 20 مليون جنيه استرليني تعطيك الحق لكي تقول ما قلت؟!.. ما قلته يا معمر مرفوض جملة وتفصيلاً". وعندما حاول القذافي الاعتذار هو وكل أعضاء الوفد. قال صادق إنه يرفض الاعتذار. وخرج من القاعة باتجاه الطائرة. وحاول الوفد الليبي منعه من مواصلة السير. ونجحوا في ذلك بعد أن تحلقوا من حوله. ولم يتوقفوا عن إبداء الأسف. وعبَّروا جميعاً عن مشاعرهم الأخوية. بل والأبوية له. فهم يرونه قدوة عظيمة لهم. وأستاذاً ومعلماً يستشيرونه. أما تقديرهم الكبير لمصر فهم يؤكدونه ويكررونه. فهي وطنهم ومظلتهم التي يحتمون بها. .. وأمام طوفان المشاعر والاستغراق في الاعتذار. عاد الفريق أول صادق إلي قاعة الاجتماعات وطلب من الجميع عدم الحديث في المهمة التي جاء من أجلها. ورأي أبوبكر يونس وزير الدفاع. والخويلدي الحميدي. الموافقة علي الاقتراح. ثم توجهوا بالرجاء لرئيس الوفد المصري لقبول دعوتهم لتناول طعام الغذاء معهم. ووافق الرجل. وأثناء تناول الطعام. طلبوا منه أن يحدثهم عن الموقف الحالي لخطوات الاستعداد للحرب. واقترحوا عليه أن يقضي الليلة في ليبيا. كما كان مخططاً ليتمكنوا من استشارته في بعض القضايا. وانتقلوا للإشادة بكفاءته في إدارة أزمة الانقلاب الشيوعي في السودان.. ولم يبد اعتراضاً عندما فتح العقيد القذافي فمه لأول مرة بعد الأزمة التي أثارها. ليكرر اعتذاره ويشكر صادق علي موافقته علي البقاء للتشاور معهم. وتوجه الجميع إلي الفندق. وصعد الفريق أول صادق إلي غرفته علي أن يعود للقائهم بعد ساعة. وعندما هممت بالصعود إلي غرفتي أمسك القذافي بذراعي. وسألني وهو يبتسم: إلي أين؟!.. وأجاب أبوبكر يونس بالنيابة عني قائلاً: "إنه يريد أن يبعث بخبر الاجتماع. وما جري فيه ل"الأهرام".. ورأيت أن عدم التعليق علي ما قال هو الأمر الأنسب.. وأمام صمتي. قال القذافي: إننا سننتظر هنا إلي أن يحل موعد نزول الفريق صادق. ثم سألني: هل تبقي معنا؟!.. وعلي الفور قلت: إنه شرف لي أن تدعوني للبقاء معكم. وانتقلنا جميعاً إلي كافيتريا بالدور العلوي بالفندق بعد إخلائها من الموجودين وتأمينها.. ومباشرة سألني عما إذا كنت مقتنعاً أن الرئيس السادات يستعد فعلاً للحرب.. أم أن الأمر مجرد مناورة لاستهلاك الوقت؟!.. فأجبته قائلاً: إن أحداً في مصر لا يملك الإجابة عن هذا السؤال إلا الرئيس السادات.. وواصلت قائلاً: لقد طلب الرئيس في أول اجتماع له بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة من القادة المجتمعين. تحرير ولو عدة سنتيمترات شرق القناة. وكان ذلك في أكتوبر 1970. ولكن إعداد الخطط لم يبدأ بشكل جدي إلا بعد أحداث مايو 1971. وهناك علي اتساع رقعة مصر تجري عمليات تدريب جادة ومكثفة لكل المستويات من كبار القادة حتي الجنود.. فقال: إنني أتابع ذلك. ولكنني لا أعرف مدي جدية السادات. وربما لو كان عبدالناصر موجوداً لاقتنعت بجديته. وأعتقد أنه كان يستعد للحرب. وأن الخطط كان الفريق أول محمد فوزي قد انتهي من وضعها. وصدق عليها الرئيس. وانتظرت أن يواصل الحديث. ولكنه أراد أن يسمع تعليقاً أو تعقيباً. فقلت له: إنني سمعت نفس الكلام من الفريق أول فوزي. وأمسك بطرف خيط آخر. وقال: كان فوزي مقتنعاً أن عبدالناصر زعيم وقامة كبيرة. وكثيراً ما قال: إن الميثاق وكتاب فلسفة الثورة نظرية كاملة. وإن خطبه مدرسة سياسية. فقلت له: حسناً يا سيادة العقيد. طالما أن الميثاق وكتاب فلسفة الثورة نظرية سياسية. فهل يمكن مقارنة ذلك بنظرية ماركس مثلاً؟!.. فقال: لو طال العمر بالرجل. لتحول الميثاق إلي نظرية تنهل من منهل الاشتراكية العلمية. ثم انتقل للحديث عن أسطورة العنف التي أحاطت بالفريق فوزي. وقال إنه سمع كثيراً أن الرجل كان عنيفاً وقاسياً في عقوباته. فأوضحت له أنني مقتنع أن فوزي كان هو القائد الذي لملم القوات المصرية المسلحة التي عادت مبعثرة من سيناء عقب الهزيمة في يونيه ..1967 وبدون الشدة التي تميز بها وذاكرته القوية التي ساعدته علي تذكر أسماء الأغلبية العظمي للضباط الذين تخرجوا في الكلية الحربية طوال سنوات عمله الطويلة مديراً لها. وقدرته الهائلة علي المتابعة. ما كان يمكن النجاح في هذه الخطوة الضرورية لإعادة بناء القوات المسلحة. فقال القذافي: إن الخطأ لا يقوم إلا بالعنف. وهذه هي الوسيلة الوحيدة لتعليم الناس الصواب!! وواصل الحديث وكأنه أراد أن يوضح أفكاره بصورة أفضل حول هذه النقطة. فقال: لو لم يسلك عبدالناصر هذا الطريق. لما استطاع أن يحكم مصر. وكان حكيماً عندما قرر إعدام كل من خميس والبقري. في بداية الثورة. وكان أكثر حكمة عندما ضرب الإخوان المسلمين. وسألته: هل تأكدت سيادتك أن العنف كان هو طريق عبدالناصر؟!.. وأدرك الرجل أن الإجابة محاطة بالمحاذير. فلو أجاب بالإيجاب. فقد تحمل الإجابة إدانة لمعبوده. ولو قال بعكس ذلك. فكأنه ينكر كل ما قاله عن العلاقة بين العنف وتصويب أخطاء الناس. فانتقل ليسأل عن الوحدة العربية. ولكنه لم ينتظر الإجابة. وبدأ هو في الإجابة عن سؤاله. فقال: إن الوحدة هي الحلم العربي. وإن طريق الوحدة الوحيد يبدأ بالوحدة بين مصر وليبيا. وإن الخطوة الأساسية كما يراها هي إعداد الشعب عسكرياً لكي يبدأ الزحف لإزاحة الحكام. وإقامة الوحدة بين الشعوب العربية. وقال: إنه سيلجأ لهذا الطريق إذا لم تتحقق الوحدة مع مصر عن طريق الاتفاق بين البلدين!! 1⁄4 ملحوظة: لقد حاول القذافي تنفيذ هذه الخطة. واقتحمت قوافل من السيارات الليبية الحدود المصرية. وتمكنت السلطات من وقف تقدمها بالقرب من مرسي مطروح. وانطلق معمر في الحديث. وهدد الحكام العرب. واتهمهم إما بالتخاذل. أو بالانهزامية. أو بالخيانة. ولم يستثن أحداً. وبعد أن انتهي من سب الحكام. انتقل ليسب الصحفيين فقال إنهم أدوات الرجعية العربية. واتهم عدداً كبيراً منهم بتقاضي أموال من الحكام العرب. وأنهم في ليبيا قد أعلنوا أسماء الذين كانوا يتقاضون أموالاً من نظام السنوسي. ولم أتركه ليواصل هجومه الظالم لعدد كبير من الصحفيين. وأكدت له أنه يصب غضبه علي مَن لا يعرفهم. ولو اقترب من الصحفيين لتبين أن الأغلبية تعرف معني احترام الكلمة والقلم. الذي أقسم به المولي في كتابه الكريم. وتحولت للهجوم. وقل له: إن نظامه فتح خزائن ليبيا من جديد أمام هؤلاء الذين تعاونوا مع نظام الملك السنوسي بعد فترة من التعالي علي هذا النهج.. وبصراحة يحسد عليها قال معترفاً: نعم بدأنا ندفع لعدد كبير من جديد. ليس في مصر فقط. بل وفي دول عربية كثيرة. وذلك بعد أن اكتشفنا أننا في حاجة لأقلامهم. وصحفهم. للدعاية لأفكارنا وثورتنا.. وتوقف ليقول: سأفشي لك سراً. سنشتري صحفاً وسننشئ قنوات تليفزيونية وإذاعات ودوراً للنشر. نصدر صحفاً ومجلات في أي مكان نستطيع أن نصل إليه للدعاية لما نؤمن به!!.. وسألته: وأين موقع مصر من هذا التوجه؟!.. فقال ستكون هي الهدف الرئيسي. فمن يكسب الرأي العام المصري. يقطع أكثر من نصف الطريق نحو أهدافه!! وأقول له: لقد سبق أن تحاورنا. أبوبكر يونس وأنا حول هذه القضية منذ عدة شهور في أعقاب انتهاء المناورة الكبري أثناء عشاء بفندق البحر المتوسط بطرابلس في سبتمبر ..1971 فسأله: ولماذا لم تخبرني يا بكر بهذا الحوار؟!.. فرد أبوبكر قائلاً: لقد عرضت عليه قائمة بأسماء الصحفيين المصريين والعرب الذين تقاضوا أموالاً من نظام الملك السنوسي. فتركها علي المائدة دون أن يتصفحها. مما أصابني بدهشة شديدة. فكيف لا يدفعه الفضول إلي معرفة هذه الأسماء. وأذكر أنه قال: إن ثورة يوليو 1952 نشرت قائمة مماثلة خلال الأشهر الأولي لها للذين تقاضوا أموالاً من القصر الملكي ووزارة الداخلية. وحكي عن الأسماء التي أزاح عنها صلاح نصر مدير المخابرات العامة في مصر أثناء محاكمته عام 1967. والتي تضمنت العشرات من الصحفيين اللبنانيين والعرب وعدداً من الصحف والمجلات العربية. ثم قال إن النظام الذي سبق أن فضح الصحفيين الذين كانوا يتقاضون أموالاً هو نفس النظام الذي قدم أموالاً للآخرين. كما ذكر أن الأموال التي دفعها نظام عبدالناصر كانت أكثر بكثير مما دفعه النظام الملكي. وفي النهاية قال: إنكم تكررون ما فعلته مصر من قبل. تفضحون الصحفيين الآن. ثم تلجأون لنفس الأساليب فيما بعد. عندما تتبينون حاجتكم لمن يدافع عنكم. وينشر مبادئكم. فعقب القذافي قائلاً: لقد صدقت توقعاته. أليس كذلك يا بكر؟! ويتوقف الحوار مع وصول الفريق أول صادق بعد أن قضي ساعة في غرفته. وعرفت فيما بعد أنه اتصل بالسادات. وأحاطه علماً بما قاله معمر بعد أن عاتبه علي عدم إبلاغه بزيارة عزيز صدقي لليبيا التي كانت سبباً في تلك الأزمة. واستقبله الوفد الليبي بفرحة حقيقية. وأخبروه أنهم لم يغادروا الفندق. وجلسوا في انتظاره. وتوجه بالحديث إلي معمر: هل أجريت مع عبده حديثاً للنشر؟!.. فأجاب: سأجلس معه لنتحدث قبل نهاية هذه الزيارة. وأثناء استعدادهم للتوجه إلي خيمة القذافي خارج بنغازي. استأذنت في عدم الانضمام لهم. إلا أن الوفد الليبي أصر علي أن أرافقهم. وهناك في الخيمة. طرح العقيد قضيته التي فاجأت الوفد المصري. وإن لم تفاجئ صادق. لأنه سبق أن عاصر القذافي وهو يطرحها علي الرئيس جمال عبدالناصر من قبل. وها هو يعود لطرحها من جديد علي أمل الفوز بموافقة كل من وزير الحربية. ورئيس الجمهورية. لقد طلب قوة بحرية لحماية الشواطئ الليبية. وأن تكون تحت إمرته. وحاول إقناع الفريق صادق بالأمر بحجة أن هذه القوة ضرورية لتدريب القوات البحرية الليبية الوليدة التي يجري بناؤها بالتعاون مع السوفييت.. وأوضح له وزير الحربية أن القوات البحرية المصرية كلها تجري تدريباتها الآن استعداداً لمعركة مقبلة. ولا يمكن للقيادة أن تفكر في الاستغناء عن أي قطعة منها. فقال معمر: إذن سأتحدث أنا في الأمر مع الرئيس السادات. لأن حاجة ليبيا شديدة لمثل هذا التعاون. ويمكن للقيادة المصرية استدعاء هذه القطع قبيل بدء الحرب. ويعود الوفد المصري إلي القاهرة صباح اليوم التالي. وكانت مفاجأة أن أتلقي مكالمة تليفونية عقب وصولي من مكتب الرئيس السادات. ليخبرني أن الرئيس يطلب حضوري إليه. وأن سيارة في الطريق إلي منزلي الآن. فقلت لمن يحدثني: سأكون مستعداً خلال دقائق. وفي البداية سألني عما إذا كنت قد استمتعت بالزيارة. فأجبته بالإيجاب. فاستفسر عما جري. فأخبرته بما سمعته وشاهدته. فقال: إن معمر قد تجاوز. وموقف صادق. هو الموقف الذي يجب أن يقفه أي مصري. وتوقعت أنه يريد أن يعرف النتيجة التي انتهت إليها الزيارة. حتي ولو كان صادق قد أبلغه بكل التفاصيل.. وهذا ما حدث. فقد أبلغته بكل شيء وبالتفصيل.. وقد استجابوا لطلبه. وحكيت له. كيف حاولوا التعبير عن أسفهم لما جري.. وبدأ الرئيس السادات يتحدث عن الفريق أول صادق. وعن وطنيته وصلابته في الحق. ورجولته.. وبدأ يعدد مزايا الرجل وسجاياه. فقلت لنفسي هذه رسالة طمأنة لصادق. تأتي في وقت شعر فيه بالخشية من أن يكون قد أغضبه وتسبب في هذا الموقف المحرج الذي تعرض له علي يدي القذافي خلال هذه الزيارة. وكان السادات خاصة بعد أحداث مايو 1971. وموقف صادق الحاسم ومساندته له في صراعه الحاسم مع مراكز القوي التي أدت إلي حماية الشرعية. وحالت دون نجاح الآخرين في عزله. لا يشعر بالراحة. ويخشي أن يستثمر صادق سيطرته الواضحة علي القوات المسلحة لحسابه. أو علي الأقل لممارسة الضغط عليه. إذن هو القلق والانزعاج من غضب وزير الحربية الذي استدعي هذا اللقاء. وبالتالي. فإن رسالة الطمأنة هي الهدف. ولم أجد بأساً في أن أروي للرئيس محاولة القذافي إقناع صادق بضرورة إرسال عدد من القطع البحرية المصرية لحراسة الشواطئ الليبية. والاشتراك في تدريب القوات البحرية الليبية التي يجري إنشاؤها بالتعاون مع السوفييت. كما طلب منه محاولة إقناع سيادتك بالأمر. وواصلت قائلاً: إنها المحاولة الثانية. فقال: إني أعرف ألاعيب معمر جيداً!!!