إذن.. تتجه مصر الآن إلي إجراء أول انتخابات رئاسية ديمقراطية في تاريخها دون خوف من الطعن عليها دستوريا بعد أن أوقفت المحكمة الإدارية العليا الحكم الذي صدر بإلغائها من المحكمة الإدارية بمحافظة القليوبية. كانت محكمة القليوبية قد استندت في حكمها إلي أن دعوة الناخبين للانتخابات هي من اختصاص رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة وليست من اختصاص اللجنة العليا للانتخابات التي وجهت هذه الدعوة بالفعل. وفي حكمها الذي صدر بالأمس قالت الإدارية العليا برئاسة المستشار مجدي العجاتي وعضوية خمسة من كبار المستشارين إن قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية قد خوَّل لجنة الانتخابات الرئاسية سلطة دعوة الناخبين لانتخاب رئيس الجمهورية. وأنها لم تخرج عن اختصاصها في هذا الشأن.. كما أن قراراتها محصنة من الطعن عليها. ولذلك يمتنع علي محكمة القضاء الإداري تفويض رقابتها القضائية علي هذه القرارات. بهذا الحكم القاطع يجد الشعب المصري نفسه أنه أمام قرار تاريخي يملكه هو وحده بانتخاب الرئيس يوم 23 مايو الحالي أي بعد عشرة أيام الذي يحقق له طموحاته وينفذ اهداف ومبادئ الثورة علي أرض الواقع في شكل قرارات وإجراءات متتابعة وسريعة تستهدف حل المشكلات العاجلة وأولها مشكلة الأمن والانطلاق من خلال خطة محكمة بترتيب زمني دقيق ومعلن أمام الشعب لحل باقي المشاكل. وحتي يأتي اليوم الثالث والعشرون من هذا الشهر حيث يتوجه الناخبون لصناديق الاقتراع سوف تشهد مصر تناطحا شديدا في الحملات الانتخابية للمرشحين. وسوف يشتد أوارها وتتلظي أكثر وأكثر كلما اقتربنا من يوم الحسم.. وسوف تتباري الفضائيات والصحف وكل وسائل الاعلام حتي المواقع الالكترونية في عرض هذه الحملات. والمفروض ان تلتزم هذه الوسائل بالحيادية التامة بين المرشحين فيما عدا ما يخص الاعلانات المدفوعة لكل مرشح وبما يتفق مع امكاناته. والوسائل التي يري أنها تقربه من الجماهير. ولقد كانت البادرة التي سبقت بها قناتا دريم وأون تي في ومعهما صحيفتا الشروق والمصري اليوم باجراء أول مناظرة سياسية في تاريخ مصر بين السيد عمرو موسي والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ضربة معلم وعملا إعلاميا مميزا بصرف النظر عن بعض ما وجه إليها من انتقادات.. والدليل الصدي الواسع الذي احدثته في مصر والعالم العربي والدول الغربية ووسائل اعلامها.. ويكفي أن الشعوب العربية تسمرت لمدة اربع ساعات أمام شاشات التليفزيون لمتابعة المناظرة خلت خلالها الشوارع من المارة وهبطت حركة المرور إلي أدني مستوي لها. ونرجو أن تكون هناك مناظرات أخري بين المرشحين حتي نستوعبهم جميعا بصرف النظر عن مدي تمتعهم بالجماهيرية أم لا. لأن من حقهم أن يوصلوا صوتهم وفكرهم للجماهير التي من حقها أيضا أن تعرف إلي أي مدي يمكن أن تحقق هذه الأفكار طموحاتها. وإذا كنت قد ناديت أن تلتزم وسائل الاعلام بالحيادية التامة بين المرشحين فإن أول من يجب أن تلتزم بهذا المبدأ هي الصحف القومية.. لأنني آخذ علي صحيفة "الأهرام" ذات التاريخ العريق أنها قد انحازت للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ضد السيد عمرو موسي عندما عرضت علي صفحاتها بالأمس ملخصا للمناظرة بين الرجلين وكلاهما يستحق الاحترام والتقدير. فقد ظهر من الملخص الذي عرضته الأهرام أن السيد عمرو موسي كان في محل المدافع عن نفسه أمام الهجمات المتلاحقة لمناظره وكأنه كان مزنوقا في خانة "اليك" كما يقول لاعبو الطاولة.. ولعل المحرر الذي صاغ هذا الملخص سوف يلحظ ذلك بوضوح إذا أعاد قراءة ما كتبه. لكن يكفي أن كل الكتاب في الصحف القومية والمستقلة قد أعطوا تقييما موضوعيا للمناظرة.. وهذا يكفي.