لولا ثورة 25 يناير ما شاهدنا المناظرة التى جرت الخميس بين المرشحين للرئاسة عمرو موسى وعبدالمنعم أبوالفتوح. هل تخيل أحدكم أن يقف حسنى مبارك ومعه واحد من منافسيه يتعرضان للأسئلة التفصيلية؟ بالطبع سيقول أحدكم: وهل كان هناك منافسون أصلا؟!!.. وربما سيرد آخر: نعم كان هناك منافسون فى آخر انتخابات رئاسية، لكن النكتة أن مبارك هو الذى اختارهم ودفع لهم مصاريف دعاياتهم بل ومصروف جيبهم وبعضهم أعلن تأييده لمبارك رغم أنه مرشح ضده!. على حد علمى لم يحاور أى صحفى أو إعلامى مصرى مبارك حوارا حقيقيا فيه نديه كما فعل مثلا الصحفيون الأجانب، بل والصهاينة، الذين كان يجلس أحدهم أو إحداهن واضعين ساقا فوق ساق. فى اللحظة التى كان فيها يسرى فودة ومنى الشاذلى يوقفان موسى وأبوالفتوح لأن وقتهما انتهى أو لأنهما خرجا عن النص، أدركنا أن شيئا كبيرا قد تغير، وأن فكرة الحاكم الفرعون قد تعرضت لضربة قاصمة وقوف مرشحين وحديثهما عن برنامجيهما وعن حالتهما الصحية وذمتهما المالية يعنى أن هناك سيدا رئيسيا هو الشعب، حتى لو كنا ندرك أن بعض المرشحين يبيعون لنا بضاعة من الأوهام. من الغريب أن تعليقات ما بعد المناظرة على تويتر والفيس بوك تكشف أن جزءا كبيرا منا لا يرى إلا النظرة الأحادية السوداوية، بل إن كثيرين لا يدركون معنى المناظرة. البعض غاضب لأن المتناظرين (قطعا هدوم بعضهما البعض) وهو أمر طبيعى فى المناظرات. إحدى وظائف المناظرة هى أن تقنعك أن تصوت لهذا المرشح وليس للآخر. كثيرون يلومون على وسائل الإعلام أنها مهيجة ولا تركز إلا على السلبيات، ولم يلاحظوا أن مناظرة الخميس وهى الأولى فى تاريخ مصر أدت دورا إيجابيا حينما جعلت جزءا كبيرا من الشعب يعرف عن قرب وبالتفصيل كيف يفكر اثنان من المرشحين الرئيسيين لمنصب رئيس الجمهورية. الشىء المؤكد أن بعض المترددين والذين لم يحسموا أمر تصويتهم بعد توصلوا الى قرار وبعضهم قد ينتظر الاستماع لبقية المرشحين. ومن الشكل إلى المضمون فتقديرى أن عمرو موسى كان أكثر توفيقا فى الرد على الكثير من الأسئلة والأهم فى شرح وتوضيح نفسه وبرنامجه. فى المناظرات لا يكفى أن يكون معك الحق فقط، ولا يكفى أن تكون الأفضل أو صاحب الجماهيرية والمواقف العادلة، بل تحتاج أن تقنع المشاهدين أو المصوتين أنك كذلك بالفعل. هناك مرشحون يستخدمون مهاراتهم الكلامية والاتصالية ولغة جسدهم وقدرتهم على التركيز والتذكر والانتباه والاقتباس وسرعة البديهة فى حصد أصوات كثيرة لم تكن تنوى التصويت لهم. فى مناظرة (ليلة الخميس) كان موسى أفضل نسبيا ولديه إجابات جاهزة لأسئلة تدرب كثيرا للرد عليها بطرق مختلفة باستثناء حكاية أن إيران عربية!!!. وكان أبوالفتوح موفقا فى الرد على بعض الأسئلة خصوصا المتعلقة بكشوف العذرية وأن كل المؤسسات سواء أمام القانون. كان أبوالفتوح مثاليا فى محاولة التركيز على برنامجه فى حين أن موسى لم يترك فرصة كى ينال من أبوالفتوح إلا وانتهزها وتلك وظيفة المناظرة. كان موسى يخاطب الدولة وكان أبوالفتوح يخاطب الثورة. الأمسية الطويلة التى استمرت حتى ما بعد الثانية من فجر الجمعة كانت ممتعة ويستحق القائمون عليها فى «أون تى فى» ودريم والمصرى اليوم والشروق خصوصا الأصدقاء والزملاء منى الشاذلى وريم ماجد ويسرى فودة وحافظ الميرازى وعمرو خفاجى وعمرو الشوبكى كل التحية والتقدير. فى نهاية السهرة وعندما تصافح أبوالفتوح وموسى لاحت بارقة ضوء فى ليل ظنناه سيطول قبل أن ينبلج صبحه. ..................... نقلا عن جريدة الشروق