اختارت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح دعم الدكتور محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية .. أما حزب النور الذي يعد أبرز أحزاب التيار السلفي فقد اختار الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ليكون مرشحه الرسمي في الانتخابات الرئاسية.. وقد أعلن قرار الجهتين بعد لقاءات مع المرشحين وممثليهم وبعد تصويت ديمقراطي كشف عن عدد المؤيدين والمعارضين. وهذه سابقة ديمقراطية علنية تستحق الاشادة بها.. فلم تعد هناك أسرار في نظام جديد يتشكل علي أساس الحرية والديمقراطية والانفتاح والشفافية.. وقد جاءت الممارسة الديمقراطية في الهيئة الشرعية وحزب النور لتؤكد سقوط فكر التنظيم المغلق.. فكر السمع والطاعة.. فكر الخلايا التنظيمية العنقودية التي لا يعرف بعضها بعضا.. ليس في حزب سياسي وانما في أكثر الهيئات تحفظا داخل التيار الإسلامي السياسي. وجاء قرار الدعوة السلفية وحزب النور باختيار الدكتور أبوالفتوح مرشحا ليعطي رسالة واضحة للمجتمع المصري بأنه قرار سياسي يقوم علي إدراك الممكن في متطلبات اللحظة التاريخية وليس قراراً دينياً يقوم علي مبدأ الفرز بين من هو أقرب إليهم دينيا من الآخرين. ومعروف أن الدكتور أبوالفتوح لم يكن الأقرب إلي التيار السلفي.. وللسلفيين عليه ملاحظات عديدة فيما يتعلق بالفكر والخطاب السياسي.. لكنهم في لحظة الاختيار أرادوا أن يبعثوا إلينا برسالة تقول انهم مستعدون للاقتراب من التيارات الوطنية الأخري المنافسة كالليبراليين وشباب الثورة الذين يتداخل معهم فكريا وسياسيا د. أبوالفتوح. وتحمل رسالة التيار السلفي مغزي آخر بأنهم قادرون علي السير في طريق مستقل عن طريق الإخوان وحزب الحرية والعدالة.. وأنهم ليسوا تابعين ولا حلفاء دائمين.. وربما يقودنا ذلك إلي تفكيك حالة الاستقطاب القائمة مستقبلاً.. فينظر الجميع إلي الممارسة السياسية علي أرضية وطنية وليس علي أرض دينية تقسم الشعب إلي إسلاميين وغير إسلاميين. يريد السلفيون أن يقولوا في هذه اللحظة إن أبوالفتوح هو الأنسب.. وهو الأقدر علي مد جسور التواصل مع التيارات والأحزاب الأخري غير الإسلامية.. وتلك رؤية تنزل بصاحبها من علياء المطلق الأحادي القاطع إلي واقعية النسبي.. التقديري.. الذي يري أنه علي صواب يحتمل الخطأ وغيره علي خطأ يحتمل الصواب.. ومن ثم فإنه يسعي إلي التوافق والحل الوسط لأنه لا يمتلك الحقيقة.. ولا يمتلك اليقين الكامل. وهذه النقلة السلفية جديرة بالاحترام والتقدير.. وجديرة أن نقف عندها ونشجعها.. حتي تتعمق في أذهان كل اللاعبين علي المسرح السياسي فضيلة التواضع والاقتناع بأهمية التعددية والعمل معا في إطار التوافق وليس في إطار الإقصاء بمنطق من ليس معنا فهو ضدنا. وبصرف النظر عما إذا كنا نؤيد قرار السلفيين أو نعارضه إلا أن الرسالة التي حملها الينا تقول وبكل وضوح إن التيار السلفي يتحرك سياسيا حسبما تفرضه رؤيته المنفردة.. وأن تباينه أو تمايزه عن الإخوان يضيف مرونة أكثر علي المشهد السياسي الإسلامي.. وينزع عن المسرح السياسي ثنائيته التقليدية بين إسلاميين وليبراليين. سئل الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان عن قرار السلفيين باختيار أبوالفتوح فقال: هذا حق مكفول لهم ويجعل المنافسة ثرية ويخرجنا من نفق التقسيم علي أساس ديني.. بل يجعل المنافسة علي برامج أساسها المواطنة ويعطي صورة للعالم عن وجود صورة حقيقية للتنافس الديمقراطي. وكتب الزميل محمد مصطفي في صحيفة "الحرية والعدالة" أمس: سعدت بقرار حزب النور لأنه يعبر عن ممارسة سياسية لحزب بحث عن مصلحته الخاصة من وجهة نظره دون التقيد بأية التزامات أو صور ذهنية مسبقة بحيث يكون معيار المصلحة واضحاً في أية ممارسات سياسية مقبلة دون أن يلزمنا أحد بشئ أو يحدد لنا مغنما سابق التجهيز.. وسعدت أكثر حتي تخرس الألسنة وتنفجر الفقاعة التي تقول إن الإخوان والسلفيين يفصلون البلد علي مقاسهم لوحدهم.. وهو ما تأكد عمليا كذبه.. فكل أحاديث الصفقات ثبت فشلها.. سواء مع العسكري أو مع النور أو مع غيرهما.. والآن علي مروجي تلك الشائعات ومحترفي اختلاق الصفقات أن ينظروا إلي المرآة بازدراء. الآن.. أنا متفائل بشدة فلا أصوات مضمونة ولا كتل تساق إلي الصناديق مكبلة بالوعود.. إنما مؤسسات متعددة من كل التيارات تتعرف علي المشروع وتقتنع بأهدافه وتؤمن بقدراته وتؤيد وسائله وتثق في خططه وتدعم مرشحه. وكتب الصديق جمال سلطان رئيس تحرير صحيفة "المصريون" القريبة من التيار السلفي: قرار حزب النور بدعم أبوالفتوح يبعث برسائل مهمة للحركة الوطنية بأنه لا يتخذ مواقفه وفق عواطف دينية محضة. ولا حسابات أيديولوجية ضيقة الأفق. ولا وفق صفقات انتهازية علي حساب الوطن. وانما يجعل ميزانه المصلحة الوطنية. ويجعل من هدفه الأول إنجاح مسار الثورة المصرية. وتعبيد الطريق أمامها لتحقيق أهدافها المأمولة بأمان ويسر حتي وان أغضب ذلك قطاعاً مهماً من التيار الإسلامي مثل الإخوان المسلمين. وعلي هذا النحو تتحرك الكثبان السياسية بسرعة في ظل الرياح العاتية التي تتعرض لها البلاد حالياً.. والتي أفقدت الكثيرين توازنهم بسبب حداثة عهدنا بالديمقراطية وتقلباتها.. والتي تفرض علينا دائما ان نكون مستعدين لمزيد من المفاجآت ومزيد من الرسائل.