كانت طريقة تدشين الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل لحملته الانتخابية علي الفيس بوك طريفة. فالداعي السلفي، المعروف بموقفه من ممارسة النساء للسياسة، هو نفسه الذي بدأ حملته بخريطة طريق «للأخوات المسلمات» حدد فيها خطة تواجدهن علي ساحة السياسة. كانت حملة لغسل صورة السلفيين في الشارع، تماما مثلما كان دخول حزب الإخوان المسلمين الجديد في تحالف مع 18 حزبا ليبراليا ويساريا، محاولة لتعويض فيضان استقالات شباب الجماعة مؤخرا اعتراضا علي «ديكتاتورية» مجلس شوري الجماعة. «ديكتاتورية» الإخوان، هي التي هدمت مبدأ السمع والطاعة داخل الجماعة. بينما الرأي الواحد داخل جماعات السلفية، كان سببا في أنهم لم يستطيعوا حتي الآن التوصل إلي حسم قضية مازالت تنخر في عمودهم الفقري: الأحزاب أولا، أم دعم مرشح إسلامي معين لانتخابات الرئاسة. الديمقراطية تمزق الإخوان، وتذبح السلفيين، بينما الحريات السياسية تهدد حزب الوسط، في وقت طرح فيه تعدد الآراء بالجماعة الإسلامية والجهاد علي الهامش.. بحيلة قليلة، ونظريات سياسية لم يتبين لها أحد معني حتي الآن! رغم ظهور الإسلاميين في المشهد السياسي يسلمون عصا التتابع من لاعب لآخر فيما بعد يناير. إلا أن ما يبدو ليس عادة هو ما يبدو. فبأس الإسلاميين بينهم كان شديدا. الإخوان الذين قالوا إنهم عانوا الإقصاء ووأد الرأي في عصر مبارك، هم أنفسهم الذين مارسوا الإقصاء، ووأد الرأي فيما بينهم في عصر ما بعد مبارك. والسلفيون شرحه، بينما تبين أن أعضاء الجماعة الإسلامية، قد خرجوا من سجون الدولة إلي ساحة السياسة من خلف أسوار الدوجماتيكية، واحتكار الحقيقة في عالم التعددية السياسية. قسمت الديمقراطية الإسلاميين بعد يناير، مثلما قسمت باقي قوي السياسة. فقد ارتدي التيار الإسلامي نفس الثوب الذي ارتداه باقي الأحزاب، صحيح زادت ثقوب الليبراليين، بحيث بدي لهم الإسلاميون بعبعا، ظهر فجأة، كما في قصص الأطفال وحكايات ما قبل النوم، إلا أن ثوب الإسلاميين في الوقت نفسه لم يكن خاليا من «الرقع». • ديكتاتورية الجماعة حتي نهاية الأسبوع الماضي، كان ما يزيد علي 7 آلاف من الشباب قد انفصلوا عن جماعة الإخوان، اعتراضا علي ما أسموه «ديمقراطية الرأي الواحد» داخل الجماعة. فغير أن زلزال انفصال هذا العدد بعد قرار الجماعة فصل عبدالمنعم أبوالفتوح إثر ترشحه لرئاسة الجمهورية، كان عنيفا، فقد كشفت الأزمة التي تهز أقوي كيان سياسي في مصر عدة ملاحظات. أولا أن قرار «شوري» الإخوان بعدم التقدم بمرشح للانتخابات الرئاسية كان أحاديا، من جانب مجلس شوري الجماعة وحده، ولم يأخذ في اعتباره آراء جيل الشباب. ثانيا، وهو الأهم، أن مبدأ الولاء لكيان الجماعة، أو ما يعرف بمبدأ السمع والطاعة، قد تداعي بسرعة، وفجأة، والدليل، انحياز شباب الجماعة لدعم أبوالفتوح، ضد رغبة مرشد الإخوان، الذي فصل أبوالفتوح، في وقت قال فيه أبوالفتوح أنه يضمن تصويت المرشد له في الانتخابات. قصد أبوالفتوح فعلا ما قال عن انتظاره تصويت المرشد، فالذي يبدو أن فصل أبوالفتوح من الجماعة، كان انعكاسا لضغط عام، وشديد، بين تيارين داخل الجماعة، أحدهما محيط بالمرشد، بينما الثاني أكثر إحاطة بالشارع. رأي التيار الأخير أنه مع الانفتاح السياسي بعد يناير، فقد آن الأوان لأن يخلع الإخوان ستار السرية، فتلعب الجماعة أمام الأعين، وأن عليها أن تنافس في انتخابات الرئاسة، لا أن تعمل علي التحكم في الرئيس القادم، من خلال مجلس الشعب المقبل. لذلك ، ربما هي المرة الأولي التي يستخدم فيها أحد شاب الإخوان الداعمين لأبوالفتوح عبارة: «الإخوان ليسوا هم وحدهم المسلمين ومن يخرج من جماعتهم لن يدخل النار»، في الوقت الذي أكد فيه شباب إخوانيون آخرون، انفصلوا عن جماعة محمد بديع، أنهم لن ينسوا مبادئ حسن البنا، التي لا يمكن أن تحتكرها الجماعة الأم. المعني، أن حزب «التيار المصري» الذي ضم الخارجين من الشباب عن جماعة الإخوان، سوف يكون بالضرورة حزبا مناقضا في مبادئه لحزب جماعة الإخوان «الحرية والعدالة» فحزب المنشقين من شباب الإخوان، سوف يكون أكثر ليبرالية، يعمل علي فصل الدين عن السياسة، وحماية الحريات، مع حفظ حقوق الاختلاف داخل الحزب نفسه. وفي الوقت الذي قال فيه محمود عزت نائب مرشد الإخوان أن مشروع جماعته: «تكليف من الله»، جاءت حملة الانقسامات داخل الإخوان للتأكيد علي إن مشروع الجماعة ليس إلا تكليف من مجلس شوري الإخوان، لمجلس شوري الإخوان. لأن الشباب الذين بدأوا في موجة انفصال متوقع لها أن تستمر، باتوا يهددون الجماعة بالانصهار. ما يعني أن جماعة الله، في الطريق لأن تكون جماعة مجلس شوراها، لصاحبها المرشد محمد بديع، بلا ديمقراطية، ولا تعددية. • الحل في التحالفات رغم أن التحالفات مع باقي قوي السياسة، سياسة معهودة، عادة ما كان يلجأ لها الإخوان، بوصفها قنطرة الهروب من التضييق خلال الثلاثين عاما الماضية، إلا أن الجماعة لم تجد بعد فيضان انسحاب الشباب إلا اللجوء للسياسة نفسها بتحالفها مع باقي الأحزاب، في حيلة لجأت إليها أيضا أحزاب السلفية. تحالف الإخوان الأخير مع بعض الأحزاب الليبرالية واليسارية، لم يكن الهدف منه فقط طمأنة التخوفات من هيمنتهم علي مجلس الشعب المقبل، بقدر ما كانت مناورة لجبر صورة الإخوان بعد انفصال الشباب. قصم الترشح لمنصب رئيس الجمهورية ظهر الإخوان، مثلما قصم ترشيح سليم العوا، وحازم أبوإسماعيل المحسوب علي التيار السلفي ظهر أحزاب السلفية، والجماعة الإسلامية والجهاد. الجديد، كان انضمام حزب النور السلفي، للتحالف الأخير بين جماعة الإخوان الأم، والأحزاب، وهو الانضمام الكافي كمؤشر للبرهنة علي الانقسامات الحادة بين التيارات السلفية. فالسلفيون مازالوا «مستجدين» سياسة، بوصفهم حتي الآن منابر، لم ترق لمستوي الأحزاب. وعليه انحصر الصراع بين فرقائهم علي عدة نقاط، أولها القيادة، ومواصفاتها، وسط تناقضات ظهرت في تحريم مشايخهم لإنشاء الأحزاب والعمل بالسياسة قبل يناير، إلي اتجاه المشايخ أنفسهم للإعلان عن تأسيس الأحزاب بعد يناير، ما أحدث داخل جماعاتهم تفاصيل شديدة الشبه بما حدث داخل الإخوان من انقسامات. تياران داخل أحزاب السلف، الأول يري أن «الأحزاب أولا» قبل التوافق علي مرشح الرئاسة، بينما الثاني، مختلف علي مرشح الرئاسة، قبل التوافق علي شكل الأحزاب. حزب النور كان الأكثر حركة، وكان الأكثر ضجيجا بلا طحين، فهو الوحيد الذي دخل ائتلاف ال 18 في حين مازالت جماعات السلفية منقسمة بين تأييد محمد سليم العوا أو التحيز لحازم أبوإسماعيل المرشحين لرئاسة الجمهورية. لحازم أبوإسماعيل مكانة بين جماعات السلف، لكن هذا لا ينفي أن للعوا هو الآخر مكاناً لا يستهان به بين فصيل كبير منهم. ولو أن إسماعيل كان الأكثر تأييدا، إلا أن مكانة العوا لن تحسم المعركة لصالح أبوإسماعيل بسهولة، حتي علي مستوي التكهنات، وقبل المعركة الانتخابية، إذا واجه الاثنان بالفعل الناخبين أمام صناديق الانتخابات. ضبابية الأمور بين السلفيين، قابلتها حالة من البيات الشتوي لدي الجماعة الإسلامية، وجماعة الجهاد، مع أن هذا الصيف كان ساخناً سياسياً جداً. كلام قادة الجماعة الإسلامية حتي الآن لم يخرج عن أنهم يؤيدون مرشح الرئاسة صاحب «التوافق»، مع تأكيدهم المستمر علي أن موقفهم متوقف علي أفضل برامج المرشحين المطروحين. حالة البيات الشتوي للجماعة الإسلامية هي التي أعمت أعينهم عن أنه لا برامج واضحة للمرشحين حتي الآن، وبالتالي، لا يمكن، بحال من الأحوال أن يتم ما يتكلم عنه قادة الجماعة من «توافق». وعلي خلاف ما يدور في أروقة «حزب النور»، أعلن تكتل ما يسمي بالجبهة السلفية دعمه للشيخ حازم أبوإسماعيل، في الوقت الذي أعلن فيه سلفية الإسكندرية رفضهم مبدئيا تأييد سليم العوا أو عبدالمنعم أبوالفتوح. بينما وضح ميل جماعة الجهاد إلي دعم عبدالمنعم أبوالفتوح. التباين بين قوي الإسلاميين في التوافق علي دعم واحد من مرشحي الرئاسة ليست ببساطة كتابتها علي الورق. فالاختلافات تعصف بتكتلاتهم، حتي وإن لم يكن هذا ظاهرا بوضوح. فعلي سبيل المثال، أحدث إعلان عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط «المنشق عن الإخوان» دعمه للدكتور العوا كمرشح للرئاسة زلزالا شديدا بين أروقة الحزب، أدي إلي سجال إعلامي بين مؤسسيه، انتهي بنفي محمد طحاوي أحد قياديي الوسط لكلام عصام سلطان بعد أقل من 24 ساعة من نشر تصريحاته، فوصف الطحاوي سلطان بالمتسرع، الذي لا يملك خبرة سياسية، مشيرا إلي أن الحزب لا يؤيد العوا، رغم أن سلطان قال إن تكتلاً ليس بالقليل من أعضائه يميلون إلي دعمه! •• ما الذي يعنيه التطاحن داخل تيارات الإسلاميين السياسية؟ المعني، أن الإسلاميين، المطالبين بالديمقراطية، لا يتعاطون الديمقراطية. فلا مكان بينهم للرأي الآخر، حتي وإن كان الآخر منهم. المعني الثاني، أن الانفتاح السياسي بعد يناير، دفع الإسلاميين إلي خطأ تاريخي فادح، بدفع كل مجموعة بمرشح للرئاسة، في الوقت الذي لم تكن فيه أحزاب و جماعات أدمنت العمل السري، عشرات الأعوام، جاهزة لأن تري النور، أو تنزل الساحة في ضوء النهار.. فأعماها، علي ما يبدو، ضوء النهار!