في شهر ديسمبر سنة 1953 عقد مجلس قيادة ثورة 23 يوليو اجتماعاً في استراحة وزارة التربية والتعليم بالهرم دون أن يحضره الرئيس محمد نجيب .. وكان جدول الاجتماع مكوناً علي ما يقول خالد محيي الدين أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة في كتابه والآن أتكلم عن موضوعين .. الخلاف مع الرئيس محمد نجيب والخلاف مع الإخوان المسلمين .. وطرح في الاجتماع معلومات عن تحرك الإخوان في صفوف الجيش والبوليس واستعدادهم للعمل ضد الثورة .. واقترح جمال عبدالناصر أحد حلين الأول حل الجماعة والثاني تركها مع تركيز الجهود علي تعميق الخلافات داخلها .. واتفق أعضاء المجلس علي أن حل الجماعة سوف يزيد من تعاطف الناس معها واستقر الرأي مؤقتاً علي تعميق الخلافات داخلها خصوصاً ان المعلومات المقدمة تشير إلي أن الخلافات بينهم عميقة للغاية وانهم يشعرون بالغيرة من بعضهم البعض .. أما فيما يتعلق بالرئيس نجيب فقد طرح في الاجتماع انه بدأ يتحرك لاستقطاب الوزراء. ولكن في 15 يناير صدر قرار بحل جماعة الإخوان وقد وافق علي هذا القرار جميع أعضاء المجلس بما فيهم الرئيس محمد نجيب وكان السبب المباشر لحل الإخوان هو وقوع تصادم في الجامعة بين طلبة من الإخوان وغيرهم من الطلاب وأحرق الإخوان سيارة وقاموا بأعمال عنف وتخريب وفي الوقت نفسه تم اعتقال 150 شخصاً من الإخوان. ولتعميق الخلافات بين أعضاء الجماعة قرر مجلس قيادة الثورة المشاركة في الاحتفال بذكري وفاة حسن البنا في 12 فبراير .. علي أساس ان الثورة ليست ضد دعوة الجماعة ولكنها ضد الجماعة التي تقوده وحضر عبدالناصر الاحتفال وخطب في الناس ولكنه منع نجيب من حضوره. وبدأ صراع السلطة يتجاوز المعقول بين عبدالناصر ومحمد نجيب .. كان الشعب مع نجيب خصوصاً بعد تقديم استقالته وحتي يتجنب عبدالناصر غضب الشعب .. فقد استقر الرأي علي عودة نجيب ورفض الاستقالة وأصدر المجلس قرارات في 5 مارس 1954 والتي تقضي بعودة الحياة النيابية وعودة الأحزاب وعودة الضباط إلي صفوف الجيش وغير ذلك من القرارات التي تعيد الديمقراطية. كانت المفاجأة ان الإخوان تحولوا إلي صف عبدالناصر ولم يؤيدوا عودة الحياة النيابية .. وكذلك كبار الكتاب في الأهرام والأخبار والجمهورية بمن فيهم مصطفي وعلي أمين كلهم انحازوا إلي صف عبدالناصر وراحوا يروجون لفكرة إما الثورة وإما الديمقراطية في حين طالب مجلس نقابة الصحفيين والمحامون وأعضاء هيئة تدريس جامعة الإسكندرية بإلغاء الأحكام العرفية وجميع الإجراءات الاستثنائية وحل مجلس قيادة الثورة وتركيز السلطة في يد وزارة مدنية تتحمل المسئولية أمام الشعب وعقد طلبة جامعة القاهرة علي ما يقول المهندس سيد مرعي في مذكراته عقدوا مؤتمراً وطنياً وأعلنوا فيه تأليف جبهة الاتحاد الوطني التي تضم الطلبة الوفديين والاشتراكيين والشيوعيين والإخوان. المهم ان جمال عبدالناصر قرر التحرك .. فقام يوم 26 مارس بالإفراج عن كل المعتقلين من الإخوان وأجري اتصالات سرية لتحريك عمال النقل المشترك لكي يقوموا بإضرابات ومظاهرات ضد اللواء نجيب وبالفعل وتم الاتفاق علي قيام عمال النقل بإضراب شامل وتوقفت جميع المواصلات ولم يذهب الناس إلي أعمالهم وكانت المظاهرات تهتف: تسقط الديمقراطية .. وفي هذا قال جمال عبدالناصر لخالد محيي الدين قال إن إضراب عمال النقل في 28 مارس وتوقف المواصلات تماماً لم يكلفه إلا أربعة آلاف جنيه تم دفعها لرئيس الاتحاد. وفي نفس الوقت تم اعتقال أعداد كبيرة من الإخوان المسلمين حيث أنهي الهدنة التي كانت معهم وهكذا كانت بداية ثورة 23 يوليو 1952 .. ولم يكن من الممكن ان يعود عبدالناصر ويسيطر علي الحكم بدلاً من الرئيس محمد نجيب لولا أنه استطاع ان يكلف رئيس اتحاد عمال النقل المشترك بالإضراب عن العمل وتوقف المواصلات والهتاف ضد محمد نجيب وضد الديمقراطية وفي جميع الأحوال تلعب إضرابات المواصلات دوراً بارزاً في تحقيق أي هدف مطلوب .. وخلال الأيام الماضية حدث ان أضرب عمال النقل العام عن العمل وتوقفت المواصلات وطالب المضربون بعدة طلبات خاصة.. وهذا هو الفرق بين الإضراب المأجور في عهد عبدالناصر .. والإضراب الفئوي لعمال النقل. وهنا دفع المجلس العسكري بأتوبيسات لنقل المواطنين والتخفيف عنهم.