مغرمون نحن بالقرارات غير الواقعية.. التي يصدرها أصحابها وهم أول من يعرف انها لن تنفذ.. وانها ستخلق مشاكل لا أول لها ولا آخر.. مغرمون نحن بالجدل والصراعات ولم نتعود بعد علي إنجاز المهام في صمت وهدوء والعمل بروح الفريق والاستجابة لنبض الشارع ورغبات الجمهور.. ويبدو اننا نجد سعادتنا في إحداث الصدمة لدي الآخرين.. وكلما كانت الصدمة أقوي وأشد كانت سعادتنا أكثر وأكثر. فكر معي.. كيف يصدر قرار من اللجنة العليا المشرفة علي الانتخابات الرئاسية بفتح باب الترشيح وإعلان الجدول الزمني بمواعيد الانتخاب المقررة ودعوة الناخبين للاقتراع وضوابط تمويل الدعاية الانتخابية ثم يأتي مع ذلك قرار من اللجنة يحظر علي جميع المرشحين المحتملين ممارسة أي نوع من الدعاية خلال فترة تسليم أوراق الترشيح ابتداء من أمس السبت وحتي بداية فترة الدعاية الانتخابية رسميا في 30 أبريل القادم؟ ولا شك ان اللجنة التي أصدرت هذا القرار تدرك جيدا صعوبة بل استحالة تطبيقه علي أرض الواقع.. خصوصا ان انتخابات الرئاسة ستكون الشغل الشاغل للشعب المصري طوال الفترة الحالية وحتي إعلان النتيجة.. هي قضيته وهمه واهتمامه.. وهي فرصته لممارسة الديمقراطية.. وربما لا يتحدث في شيء غيرها باعتبارها جديدة عليه.. ويريد أن يعرف جيدا من هم هؤلاء المرشحون الذين سيفاضل بينهم.. يريد أن يراهم وهم يتحدثون في البرامج الإذاعية والتليفزيونية وفي المؤتمرات وعلي صفحات الجرائد والمجلات.. يريد أن يري الرئيس القادم يأتي إليه في الشارع والحارة يخطب وده ويطلب صوته.. يريد أن يراه شخصا عاديا من دم ولحم وليس إلهاً ولا فرعوناً. كيف تحرم اللجنة المواطن الناخب من هذا الحق الأصيل.. وهو صاحب كل الحقوق.. وكيف تحرم المرشح من أن يصل إلي الجمهور الذي سوف ينتخبه.. خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار نقطتين مهمتين: * الأولي: أن هناك مجموعة من المرشحين أتيحت لها فرصة جيدة للتواصل مع الجمهور علي مدي الشهور الماضية من خلال المؤتمرات الانتخابية ووسائل الإعلام وحظر الدعاية الآن سيضر بمبدأ تكافؤ الفرص.. وسيأتي علي حساب المرشحين الجدد. * الثانية: ان مدة الفترة المخصصة للدعاية الانتخابية من 30 أبريل حتي 21 مايو المقبل لا يمكن أن تكفي للتعرف علي المرشحين للمنصب الأعلي في مصر والمفاضلة بينهم.. خصوصا ان الانتخابات تأتي بعد حوالي ستين عاما من حكم الفرعون الفرد الواحد الذي لا يسمح لأحد غيره بالظهور والاقتراب من الجماهير ومن يفعل ذلك يتم اغتياله سياسيا وإنسانيا. من أجل ذلك كان طبيعيا أن يقابل قرار اللجنة بحظر الدعاية الانتخابية لمرشحي الرئاسة برفص جماعي من كل من سمع به سواء أكان مرشحا أو ناخبا.. لكن اللجنة الموقرة بدلاً من أن تستمع لآراء هؤلاء الرافضين وتتفاعل معهم وتستجيب لنبضهم باعتبار انها جاءت أساسا لتنفيذ ارادتهم وتنظيم تجربتهم الأولي في إجراء انتخابات رئاسية حقيقية راحت تتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور. قالت اللجنة علي لسان مصادرها الرفيعة إن حظر الدعاية يمتد ليشمل جميع الممارسات التي يمكن تفسيرها كنشاط دعائي مثل الحوارات التليفزيونية والإذاعية والصحفية والإعلانات المدفوعة في وسائل الإعلام وإقامة السرادقات الانتخابية وتعليق البوسترات والبنرات واللافتات الدعائية أو توزيع أوراق التأييد وغيرها من أشكال الدعاية. الأغرب من ذلك ان اللجنة لن تشطب أي مرشح يخرق الحظر الدعائي لعدم وجود نص في قانون انتخابات الرئاسة يعطيها الحق في استبعاد أي مرشح بسبب مخالفته الدعاية أو ارتكابه أي جريمة.. لكنها ستقدمه للمحاكمة طبقاً للمادة 54 من قانون الانتخابات وفي حالة إدانته بحكم نهائي بات يتم استبعاده من سباق الانتخابات. والسؤال الآن للجنة الموقرة: كيف يمكن تطبيق هذه الإجراءات علي أرض الواقع دون إحداث ارتباكات في العملية الانتخابية برمتها؟.. وماذا لو صدر الحكم النهائي البات بعد انتهاء الانتخابات وكان بالصدفة مثلا مثلا ضد المرشح الفائز؟ ربما تجيب اللجنة بأن هذا افتراض بعيد جدا وان الذين يعترضون علي قرار حظر الدعاية الرئاسية لا يفهمون القانون.. وربما يكون معها الحق في ذلك.. ولهذا آثرت أن أستعين بصديق.. والصديق هنا هم كل المرشحين في الانتخابات الرئاسية ومنهم أستاذة أفاضل في القانون.. وقد أجمعوا علي رفض قرار حظر الدعاية الانتخابية وعدم الالتزام به ورفعوا راية التحدي في مواجهته.. ووصفوا عمل اللجنة بالاضطراب والغموض.. كأنها تريد إجراء الانتخابات في السر. ماذا ستفعل اللجنة إذن مع المرشحين جميعا؟ هل ستحيلهم للمحاكمة ثم تجلس علي الحيط؟