بينما كانت إسرائيل تثبت أقدامها في قلب فلسطين.. قامت في سوريا ثلاثة انقلابات عسكرية. أطاحت بالحكم المدني وعزل شكري القوتلي "رئيس الجمهورية" وخلق جو أبعد ما يكون عن الاستقرار. قام بالانقلاب الأول في 3 أبريل سنة 1949 الزعيم حسني الزعيم وتزعم الكولونيل سامي الحناوي الانقلاب الثاني في 14 أغسطس. أما الانقلاب الثالث فقد قاده أديب الشيشكلي.. أي أنه حدثت ثلاثة انقلابات في عام واحد!! كان الزعيم حسني الزعيم يريد وحدة مع مصر. بل إنه وافق علي المناداة بالملك فاروق ملكاً علي سوريا وذلك في اجتماع عقد مع الملك بقصر زهراء أنشاص.. كما تمت الموافقة خلال هذا الاجتماع أن يكون حسني الزعيم نائباً للملك في دمشق.. واختيار عبدالعزيز بدر بك محافظ القنال وزيراً لمصر في دمشق وأن يعين محسن البرازي وزيراً مفوضاً لسوريا في القاهرة. وبدأ فعلاً التمهيد للاندماج.. ولم يكن رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت إبراهيم عبدالهادي باشا يعلم شيئاً عن هذه الوحدة. وفي 26 يونيه أجري حسني الزعيم استفتاء في سوريا علي رئاسة الدولة وحصل علي أغلبية كبيرة. وعقب فوزه أعلن أنه سوف يعمل علي ضم الأردن إلي سوريا. فهو جزء منها.. هذا ما ذكره حسن يوسف نائب رئيس ديوان الملك في كتاب "القصر".. وفيما ذكر أيضاً أن المشروع مات بالسكتة القلبية بقيام انقلاب سامي الحناوي في 14 أغسطس واستدعاء شكري القوتلي وتم إغلاق مشروع الوحدة حتي جاء عام 1957 عندما حضر وفد من مجلس النواب السوري برئاسة إحسان الجابري وحضر جلسة مجلس الأمة "الشعب الآن". حيث تم التحدث حول مشروع الوحدة. كان السوريون بالفعل يضغطون بشدة علي جمال عبدالناصر من أجل الإسراع بالوحدة معهم. وكان عبدالناصر لا يميل إلي الاستعجال في إتمامها نظراً للفروق الأساسية بين نظامي الحكم في البلدين. ففي مصر لا يتدخل الجيش في السياسة. ولكن في سوريا هناك دائماً دور للجيش في السياسة.. كما ذكر المهندس سيد مرعي وزير الزراعة في عهد عبدالناصر.. في كتابه "مذكرات سياسية".. وكانت مصر تعيش بدون أحزاب. بينما في سوريا في ذلك الوقت أحزاب تتراوح ما بين أقصي اليمين وأقصي اليسار. قال عبدالناصر إنه غير مقتنع بأن تتم وحدة اندماجية فوراً. لأن السوريين لديهم متاعب داخلية كثيرة. وسوف تكون الوحدة عبئاً كبيراً علي الميزانية المصرية. ولهذا فهو يفضل التريث. ولكن جاء إليه وفد سوري وشرح له أن الوحدة أصبحت مطلباً شعبياً وطنياً. وسوف تحدث مذابح هناك إذا لم تتم. وأن الخطر الشيوعي يهدد سوريا إذا لم يبادر جمال عبدالناصر إلي قبول الوحدة الاندماجية فوراً. وهكذا وافق عبدالناصر.. وفي 21 فبراير 1958 تم الاستفتاء في سوريا ومصر علي قيام الوحدة. وجاءت نسبة الموافقة تزيد علي 99% وسافر جمال عبدالناصر إلي سوريا واستقبله الشعب السوري استقبالاً وطنياً حماسياً منقطع النظير. كانت هذه حكاية الوحدة بين مصر وسوريا واستمرت ثلاث سنوات أعلنت سوريا إلغاءها. وكان الانفصال بعد أن أصدر عبدالناصر القرارات الاشتراكية والتي رفض السوريون أن يطبقوها في بلادهم. وفشلت أول وحدة سياسية عربية في التاريخ الحديث. وقال عبدالناصر إنه يطلب من الجامعة العربية أن تشكل لجنة للتحقيق من أن مصر قدمت لسوريا عقب الوحدة مباشرة 13 مليون ليرة سورية لسد العجز المالي. بالإضافة إلي ثلاثة ملايين جنيه سنوياً.. وتحويلات نقدية قيمتها تسعة ملايين جنيه استرليني.. كانت سوريا مشهورة فيما مضي أنها بلد الانقلابات. حتي قيل إن من يستيقظ مبكراً من سلاح الطيران السوري يقوم بالاستيلاء علي الحكم.. ولكن منذ تولي حافظ الأسد زمام الأمور أحكم إمساك الزمام وصار يحكم بالبطش والنار.. وفشل في إقامة وحدة أخري مع مصر.. وسارت الأمور هادئة.. من الجفاء تارة والصداقة تارة أخري. وعندما سلم السلطة إلي ابنه بشار الأسد كان عمره أقل من السن القانونية لتولي الرئاسة فقام مجلس النواب بتغيير الدستور ليتفق مع عمره لكي يتولي الرئاسة.. وخلال عام 2011 قام الشعب بثورة مماثلة لثورة 25 يناير. إلا أن "الأسد الصغير" قمع هذه الثورة بقوة النيران وقتل الآلاف من أبناء سوريا حتي أن معظم الدول قابلت هذه التصرفات باستنكار شديد!! وحدث انفصال آخر بين مصر وسوريا ولكنه انفصال عن العلاقات.. حيث سحبت مصر سفيرها في دمشق وردت سوريا بالمثل. فقامت بسحب سفيرها.. وهكذا ضاعت الوحدة التي تمت منذ 54 عاماً.. وهكذا يضيع الوفاق والصداقة بين سوريا ومصر ودول العالم بسبب العناد!!