إذا كانت دعوة المدرسة الحديثة في الاتجاه إلي المثل الأوروبي. بهدف "تدمير الفاسد والرجعي. وإقامة المفيد والضروري". فإن الرفض المطلق للتراث العربي قد عكس تأثيراته السلبية القاسية فيما بعد. من حيث التبعية للاتجاهات الأوروبية. وفقدان الشخصية الفنية المتميزة. بل والنظر إلي أعمالنا مهما تفوقت باعتبارها الأدني بالقياس إلي الأعمال الفنية في الغرب. نشأ رأي بأنه "ليس للرواية العربية تراث. وعلي كل كاتب روائي عربي أن يختار لنفسه وسيلة للتعبير. دون أن يأنس إلي من يرشده في ذلك. ولابد والحال كذلك من أن يعتور عمله النقص. ويشوبه الخطأ". لذلك. فإن الدعوة إلي الارتباط بالتراث. إلي إحيائه. وتحقيق التواصل معه في أعمالنا الفنية المعاصرة. هي دعوة صحيحة وإيجابية. لأنها تمثل خطوة مؤكدة في سبيل استرداد الذات. وإعادة اكتشافها. فالأديب المصري ليس مجرد مقلد للأعمال الأدبية الغربية مع بدهية الإفادة المحسوبة من فنياتها. وأذكرك في المقابل بإفادة الأدب الغربي من فنيات ألف ليلة وليلة لكنه يجد إرهاصات أعماله. وبداياته الفعلية. في تراث العرب. وفي تراث المصريين القدامي كذلك ومن هنا تأتي إعادة النظر في التراث الأدبي المصري والعربي حتي ذلك التراث الذي تصورناه خاليا من الفنون الأدبية المعاصرة. كالمسرحية والرواية والقصة القصيرة. أما المحاولات التي شغلت بالتأكيد علي وجود تلك الأجناس في أدبنا القديم. فإننا يجب أن نوليها ما تستحقه بالفعل من اهتمام وتقدير. وبالتأكيد. فإن استلهام التراث هو إعادة اكتشاف للطاقات الفاعلة فيه. العودة إلي التراث لاتعني الانكفاء علي الماضي. ولا اعتباره النموذج الأمثل الذي يصلح لكل زمان ومكان. لكنها تعني تمثل هذا التراث. الاعتزاز به كثقافة قومية أصيلة. بهدف الانطلاق إلي المستقبل. إن عقدة النقص إزاء كل ما يبدعه الأجنبي هي ما يجب أن نتخلص منه. والاجتهادات الأجنبية ليست مسلمات. ولا هي صحيحة في إطلاقها وإذا كان إطلاق الخيال مطلوبا في الأعمال الأدبية. فإن الإيمان بالركيزة الثقافية. بالتراث. بالتواصل. بالبدايات التي تجد استمرارا لها بصورة وبأخري في أعمالنا الحالية. ذلك الإيمان هو ما ينبغي أن نحرص عليه. ونؤكده. في كل اجتهاداتنا. سواء علي مستوي النقد. أو علي مستوي الدراسات الأكاديمية بالجامعات. وكما يقول ابن خلدون. فإن الماضي والحاضر والمستقبل "كل متصل متفاعل. يقود بعضه إلي بعض" بل إن القول بالعودة إلي التراث قول خاطيء تماما. التراث ليس الماضي فقط. لكنه الماضي والحاضر والمستقبل. وهو ليس مقتصراً علي النصوص المكتوبة وحدها. لكنه يمتد فيشمل التاريخ والعمارة والعادات والمعتقدات والقيم والتقاليد. من الصعب أن نفهم التراث في غيبة الواقع. وفي غيبة استشراف المستقبل.