هاتفني الأخ محمد حسين أحد قادة شباب الثورة من وسط المظاهرة الكبيرة أمام وزارة الداخلية فجر الجمعة الماضية نافيا تماما أية رغبة أو مخطط لدي المتظاهرين لاقتحام مبني وزارة الداخلية ومؤكدا ان المتظاهرين لن يسمحوا بأية اشتباكات مع قوات الأمن.. وسيكتفون بالهتافات السياسية. قلت: انكم لن تقدروا علي ضبط ايقاع الحشود التي تتوالي إلي شارع محمد محمود وشارع منصور والمنطقة المحيطة بمبني وزارة الداخلية. ثم عاود الاتصال بي مؤكدا ان المتظاهرين السياسيين أدوا دورهم وانسحبوا من خطوط المواجهة.. والمجموعات الموجودة بعد ذلك معظمهم من الألتراس الثائر لسقوط ضحايا ستاد بورسعيد وأسر الضحايا والمصابين.. وهؤلاء دخلوا في مناوشات مع رجال الأمن بعد أن ألقوا عليهم الحجارة وكان الرد بالغازات المسيلة للدموع. قلت: أخشي أن نكون مقبلين علي معركة جديدة وضحايا جدد.. والوضع بهذا الشكل خرج عن السيطرة. بعد ساعات قليلة قيل ان مجموعات من البلطجية - وبعضهم قال الثوار - اقتحموا مبني الضرائب العقارية وألقوا قطع الأثاث علي الشرطة والمتظاهرين.. والمواجهة اشتعلت أكثر وأكثر بعد أن سقط المزيد من الضحايا والمصابين. ولم يكد ينتهي يوم الجمعة حتي اشتعلت النيران في مبني الضرائب العقارية ووصل عدد المصابين إلي أكثر من ألفي شخص.. وأخذت سيارات الاسعاف تدوي في الشوارع جيئة وذهابا.. والناس أمام شاشات التليفزيون مفجوعة القلب.. تبكي علي الضحايا من شبابنا.. وعلي ما وصلت إليه الأحوال. من الذي يفعل بمصر هذا؟!.. وماذا يراد لنا؟! البعض يقول: هناك متآمرون يقبضون من أذناب مبارك ومتآمرون يقبضون من الخارج ومن المنظمات التي تدين بالولاء لأمريكا والغرب عموما. والبعض الآخر يقول: هناك في المجلس العسكري ووزارة الداخلية من يريد أن تظل الفوضي سائدة حتي يركع الشعب ويقول لهم نقبل أياديكم وأرجلكم.. لا تتركونا. وهكذا.. فاننا نعيش الصورة ونقيضها.. وكل شك مطروح له ما يبرره.. والنتيجة ان الحقيقة ضاعت بيننا عمدا.. وصرنا كعميان في حجرة مظلمة.. يتخبط بعضنا في بعض. يزاد علي ذلك أن دق الطبول المثيرة للأعصاب في برامج التوك شو علي 10 قنوات فضائية كل ليلة يجعلنا دائما في توتر وغير قادرين علي استبصار الطريق الصحيح للخروج مما نحن فيه.. وقد خبرت هذه القنوات انها كلما بالغت في التحريض والاثارة وقلب الحقائق حققت مزيدا من النجومية وحصلت علي مزيد من أموال الاعلانات. السؤال الآن: ماذا نفعل لكي يتوقف مسلسل العنف وسقوط الضحايا والمصابين.. ولكي نفرج الكرب والحزن الذي يسيطر علي البيوت؟! للأسف.. لا أحد في مصر يمتلك الحل.. وإذا وجد من يمتلكه فلن يستطيع ان يفرضه.. لأننا تفرقنا شيعا وأحزابا يكيد بعضنا لبعض.. وكل طرف أصبح مقتنعا انه الصواب المطلق وان الآخرين جميعا علي خطأ.. وبالتالي فلن يقتنع أحد بغير رأيه. في مثل هذه الحالات.. ماذا تفعل الأمم الراقية؟! لا مخرج إلا بتطبيق القانون.. فالقانون هو الحل.. والقانون لا يعرف هذا أو ذاك.. وإنما يطبق علي الجميع دون أي استثناء.. وعلي مجلس الشعب أن يصارح الشعب بذلك.. وعلي الشعب أن يتقبله ويباركه ويدعمه.. ويكون سندا لرجال الداخلية وللنيابة وللقضاة وهم يطبقون القانون. القانون وحده هو الذي سيعيد هيبة الدولة.. وسيردع المغامرين والمتآمرين والمحرضين والبلطجية والفلول.. والقانون هو الذي سيحفظ للشارع الأمن وسيعيد للوطن الاستقرار. القانون يفرق جيدا بين المظاهرات السياسية المشروعة وبين الاعتداء علي الممتلكات العامة واشعال الحرائق في المباني العامة.. وأي خروج علي القانون من جانب المتظاهرين أو من جانب الشرطة لابد أن يواجه بكل حزم. المشكلة في اننا ليس لدينا القوة الكافية لفرض القانون دون مزايدات.. لكنني أتصور ان مجلس الشعب هو الجهة الوحيدة المنتخبة التي تمتلك الشرعية للقيام بهذه المهمة.. فهل يتحرك؟