في حياة الشعوب لحظات فارقة تحدث نقلة قد تحقق أملاً كان يجيش في صدور كثيرين لكنهم لا يستطيعون الإفصاح عنه لكن شباب مصر النقي الطاهر استطاع أن يجعل هذا الأمل حقيقة علي أرض الواقع حيث فجر ثورة 25 يناير التي قطعت عاماً من عمرها بالأمس القريب. وأذهلت العالم بتضحيات أبناء في عمر الزهور وإصابات أرهقت قطاعاً من شبابنا ولاتزال آثار هذه الثورة تتردد أصداؤها في أنحاء العالم. وهاهم طوائف شعب أم الدنيا قد أحيوا ذكري هذه الثورة بمظاهرات حاشدة في الميادين المختلفة بالمحافظات بالإضافة إلي الحشود التي ضاق بها ميدان التحرير في قلب القاهرة. ووسط تباين الآراء واختلاف وجهات النظر كما يجري في أعقاب الثورات الشعبية. البعض يري أنه رغم مرور عام علي انطلاق الثورة إلا أنه لم يتحقق شيء - علي حد قوله - وآخرون يرون أن هناك انجازات قد تحققت وقطعنا شوطاً لا بأس به علي طريق الحرية والديمقراطية. ثم تنظيم انتخابات مجلس الشعب شهد بنزاهتها المراقبون المحليون والعالميون وتمت تحت إشراف قضائي وجاءت النتائج تؤكد نزاهة أول بناء ديمقراطي بعد الإطاحة بالنظام الفاسد بصورة لم تشهدها مصر من قبل منذ فترات طويلة ليس هذا فحسب وإنما كانت هناك محاكمات لرموز النظام السابق في إطار نظام قضائي يستهدف تحقيق محاكمات عادلة لكل متهم منعاً لأي تشكيك. والمجلس العسكري يقف يقظاً وحارساً لمسيرة الثورة ويستجيب لكل رأي يحقق الصالح العام وتكون المجلس الاستشاري حيث يضم كفاءات وخبرات من أبناء مصر الأوفياء. وتم تشكيل حكومة انقاذ وطني برئاسة رجل يتمتع بالهدوء وحقق خطوات ملموسة في خدمة الشعب ويري بصفة خاصة أسر الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم وتوفير العلاج المناسب للمصابين. ولاتزال الخطوات مستمرة من أجل انعاش الاقتصاد وازدهار التنمية. هاهو مجلس الشعب قد عقد أولي جلساته وسط أجواء من الحرية وتم اختيار رئيس للمجلس بالانتخاب الحر المباشر وكذلك لوكيلي المجلس وجرت حوارات ومناقشات تحت قبة البرلمان يسودها الرأي والرأي الآخر ولا يشوب هذه الأجواء من نبرات بدت فيها حدة الخلاف وارتفعت الأصوات لكن في إطار ديمقراطي مما يوحي بأننا ماضون في الطريق الصحيح. في إطار البرنامج الذي اتفقنا عليه منذ بداية الثورة. ويتعين أن يكون الصبر وسعة الصدر هما أفضل الأساليب لكي تنتقل السلطة من المجلس العسكري للمدنيين في الموعد المحدد آخر يونيو القادم. ولتتريث الدعوات التي تطالب المجلس العسكري بتسليم السلطة فوراً لمجلس مدني إذ لا داعي للعجلة مطلقاً. حقيقة إن المهمة شاقة والطريق طويل والإصلاح في المجالات المتعددة يحتاج إلي جهود متواصلة في ظل اقتصاد يعاني من أزمات متعددة ويكفي أن نلقي نظرة علي أرض الواقع فالمشاكل متراكمة والمطالب الفئوية بلا حساب. المواطن البسيط معاناته تثير الشفقة وتحرك المشاعر. الهموم تحاصرنا من كل جانب والعالم من حولنا في مقعد المتفرجين. حتي العرب رغم امتلاك ثروات طائلة لكن لم يتخذوا موقفاً يساندنا حالياً! ازاء هذه الخطوات وتلك الظروف التي يمر بها الوطن لا بديل عن اتخاذ الإجراءات السريعة لعودة العمل للمصانع والشركات المتوقفة ودوران عجلة الإنتاج وقيام العمال في كل القطاعات بدورهم في العمل ووقف التظاهر من أجل الأجور أو الحوافز أو المكافآت ومنح الحكومة فرصة لإجراء الدراسات لرفع الأجور في إطار من البرامج التي توفر التمويل اللازم. التراكمات متعددة والإصلاح المالي والإداري يحتاج إلي وقت مناسب حتي تستطيع الحكومة الاستجابة للمطالب وفقاً للإمكانيات المتاحة وفي إطار الأسلوب العلمي لتحقيق الرخاء لكل المصريين بلا استثناء. الأمر يتطلب النظر للمستقبل في إطار اقتصادي يعرف طريق النماء والازدهار. نحتاج عملاً شاقاً والاستفادة من الخبرات في كل المجالات لاستغلال الإمكانيات التي نمتلكها ووضع تصور شامل لكي تمضي حركة العمل بلا عوائق وفي إطار توفير فرص عمل للطاقات المتعطلة والبحث بكل جهد يستهدف تحقيق التنمية والتعمير. ولتكن عيوننا مفتوحة علي تلك البقعة المباركة في سيناء وغيرها من المواقع عبر الصحراء الشرقية والغربية وإتاحة الفرص لجذب الأموال والاستثمار لإقامة المشروعات الصناعية والسياحية فطور سيناء تتمتع بتربة طيبة وتستوعب زراعة الكثير من المحاصيل الزراعية وناهيك عن المناطق التعدينية وغيرها من الخبرات وفي الغرب هناك صحراء أخري استغلالها يتطلب عملاً وجهوداً ولنتأكد أنه لن يبني مصر إلا سواعد ابنائها. ولاشك أن النهضة البرلمانية والاقتصادية والاجتماعية تتطلب أن تكون لدينا رؤية توافقية فالمستقبل يبشرنا بالخير في كل الاتجاهات وليتنا ندرك أن استكمال مسيرة الثورة يحتاج إلي صبر وعمل والتخلي عن تشتت الآراء. التحديات خطيرة وتحقيق الأهداف يتطلب تضافر الجهود واستثمار امكانياتنا بأفضل الأساليب ويتعين أن نستلهم خطوات الشعوب التي استطاعت القفز بثوراتها خطوات إلي المستقبل بالعرق والعمل والإنتاج وعدم البكاء علي الماضي. فهاهي الصين قد تخطت بجهود أبنائها كل الخطوط وانتاجها يغزو أسواق العالم فقد سبقتنا بثورتها وتحركت خبراتها لاستغلال طاقات هذا الشعب الذي تجاوز عدده المليار ونصف المليار نسمة. وهاهي اليابان استطاعت الوقوف في وجه التحديات بعد ما تعرضت له من حروب وكوارث وهناك النمور الآسيوية وغيرها من البلدان التي تخطت عقبات البناء والتعمير. أعتقد أننا لسنا أقل من هذه الشعوب. لدينا الكفاءات والعلماء في كل التخصصات. وكل ما نحتاجه الصبر والتخلي عن نغمة تحقيق المطالب فوراً. فليكن العمل أولاً ثم البحث عن الحقوق والأجور. ليتنا نثق في أنفسنا وتتوحد رؤيتنا للبناء البرلماني والاقتصادي. وهو الطريق الوحيد لتحقيق الطموحات علي قواعد راسخة تعيد إلينا حريتنا وبناء اقتصاد يلبي رغبات كل المصريين. دعونا نتحرك بثقة وثبات من أجل مستقبل أفضل.