قل ما شئت في الانتخابات لكنك لاتستطيع أن تنكر أنها حققت حلماً قديماً وكبيراً للمصريين.. حلماً كان عزيز المنال.. وقد دفعوا ثمنه كثيراً كثيراً بأرواح الشهداء ودماء المصابين وحرية المعتقلين والمعذبين وفقر المستضعفين.. وما كان يتصور أحد أن يتحقق الحلم ونراع بأعيننا ونعيشه بوعينا بهذه السرعة. لا تستطيع أن تنكر أن الإشراف القضائي قد تحقق علي أعلي مستوي من الانضباط.. وأن المجلس الأعلي للقوات المسلحة كانت لديه الإرادة والقدرة علي تأمين اللجان.. والسير بالعملية الانتخابية وسط الأنواء والأمواج العاتية حتي ينجز لمصر أملها وطموحها الذي انتظرته طويلاً وهتفت به في ثورتها المجيدة ليكون أحد أهم أهدافها. قد تكون ضد الإخوان أو ضد السلفيين أو ضد الكتلة المصرية ونجيب ساويرس شخصياً.. وقد تكون ضد الناصريين أو الوفديين أو الشيوعيين.. وهذا حقك الذي لك أن تجهر به في زمن الحرية والكرامة.. لكنك لا تستطيع أن تنكر أن الانتخابات كانت نموذجاً في الحرية والنزاهة وأن الشعب قال كلمته في الصندوق لأول مرة.. وعبر عن إرادته الكاملة لأول مرة.. وأن النتيجة المعلنة هي كلمة الشعب دون تزوير أو تزييف. ربما يكون لديك تحفظات أو تخوفات.. وربما لا تكون راضياً عن الأحزاب والأسماء التي فازت.. وهذا حقك.. لكن الأمر المؤكد أن هؤلاء الذين دخلوا البرلمان دخلوه بتفويض الشعب وكلمته واختياره.. كلهم علي اختلاف ألوانهم وتوجهاتهم.. فهم جميعاً إفراز الإناء المصري الذي يعبر عن تنوعه وتعدده.. والديمقراطية لم تأت بهم من كواكب ونجوم مجاورة وإنما جاءت بهم من بين الجماهير العريضة.. من الشارع والحارة والحي والجامعة والنادي. صحيح هناك أخطاء وقعت.. وتجاوزات ارتكبت.. لكن الأخطاء والتجاوزات ليست أبداً بالقدر ولا بالكيفية التي يمكن أن تغير إرادة الناخبين.. وتحولها من زيد إلي عمرو.. ولهذا السبب رأينا العالم كله يشيد بالشعب المصري وتجربته الانتخابية الناجحة.. وقدرته علي أن يخرج إلي صناديق الاقتراع بتصميم واع ليدلي بصوته وهو يدرك جيداً أن هذا الصوت لن يذهب إلا لمن يستحقه. قلة قليلة من النخبة السياسية والثقافية الموجهة والمستبدة التي لا تريد أن تتواضع وتتخلي عن أساطيرها وتهويماتها الفارغة هي التي مازالت تصر وسط هذا العرس الديمقراطي علي أن تتحدث لغة قديمة بلسان قديم.. مازالت تصر علي أن الشعب قد تعرض للخداع وانساق وراء الزيف.. وأن النتيجة التي أعلنت لا تمثل الإرادة الحقيقية للشعب وإنما تمثل هؤلاء الذين خدعوا من تيارات معينة انقضت علي الثورة وسرقتها.. وسوف تنتزع السلطة بالديمقراطية ثم سرعان ما تنقلب علي هذه الديمقراطية ولن تتكرر هذه الانتخابات ثانية. وفي حين كان خرجت التصريحات الرسمية من أمريكا ودول الغرب تؤكد أن المصريين يقررون مصيرهم بأنفسهم لأول مرة.. ويمارسون حقهم في اختيار من يحكمهم.. وقد أثبتوا جدارة في ذلك تستحق الاحترام والتقدير.. وأعربت هذه الدول عن استعدادها للتعامل والتعاون مع السلطة التي ستأتي بها الإرادة المصرية من أي حزب أو أي تيار كانت النخبة السياسية المستبدة علي الجانب الآخر تحذرنا من أن العالم لن يقبل بما يحدث في مصر ولن يسكت علي ذلك.. وسوف يفرض عليها عزلة دولية. وهكذا تتحلل النخبة السياسية من كافة التقاليد والأعراف الديمقراطية التي يتعامل بها العالم الحر من حولنا.. وتتصور أن بإمكانها أن تفرض وصايتها علي كلمة الشعب واختياره.. وتتخيل أن هذا الشعب مازال قاصراً ومازال في حاجة إلي المرشد والوصي والموجه.. وإن خالف الشعب كلمتها ورأيها فهو شعب مغيب ومخدوع.. ورأيه الحقيقي مازال في جيبهم وليس في الصندوق. وليس هناك من إهانة يمكن أن تلحق بشعب أكثر من هذا المنطق الذي تتحدث به النخبة في برامج الثرثرة الفضائية كل مساء.. ومن هذا الصراخ الذي يثير الفزع وسط فرحة الفوز بالديمقراطية التي يعيشها المصريون. ياناس.. احترموا إرادة الشعب.. وتفاعلوا معه وتعلموا منه.. وتواضعوا أمام كلمته حتي لاتشعروا بالغربة وسط شوارعه وأحيائه وحواريه.. لقد تغيرت الدنيا من حولكم.. ولم يعد مقبولاً النظر باستعلاء لاختيارات الشعب بزعم أنه قد غرر به وضحك عليه وسلبه إرادته. إن لم يعجبكم قرار الشعب فلا تهينوه ولا تسخروا منه.. وإنما تحركوا واعملوا وتفاعلوا معه حتي تكسبوا ثقته وتغيروا قناعاته. هذا هو الفهم الوحيد الصحيح المقبول للديمقراطية.