كشفت نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، عن أن من يسمون أنفسهم بالنخبة السياسية.. الذين يثرثرون كثيرًا كل مساء على القنوات الفضائية ويتشدقون بالديمقراطية.. ليسوا فى الواقع ديمقراطيين.. ولا يعرفون الديمقراطية الحقيقية التى يتحدثون عنها.. وإنما يعرفون فقط الديمقراطية التى تأتى على هواهم.. فإن جاءت على هواهم رضوا وإن خالفتهم غضبوا وسخطوا وملأوا الدنيا ضجيجًا وصياحًا. إنهم من دخلهم يريدون ديمقراطية انتقائية.. ديمقراطية على مقاسهم وطبقًا لتصوراتهم هم ولما يتخيلون أنه الأفضل والأصلح.. فإذا قال الناخبون كلمة غير كلمتهم.. وانحازوا لغير اختيارهم.. فهذه ليست ديمقراطية.. وليست انتخابات صحيحة. وقد ثبتت من خلال ممارسات الأسبوع الماضى أن هذه النخبة غارقة فى الديكتاتورية والاستبداد إلى أذنيها.. وأنها لم تتخلص بعد من ميراث عصر مبارك ونظامه.. فمازالت تتصور أنها الوصية على الشعب القاصر الأمى.. وهى الوصية على الثورة على المستقبل الذى لا يصح أن تكتب فيه كلمة غير كلمتها. الحاكم المستبد لا يعترف بأحد غيره.. ولا يعطى شرعية إلا لنفسه.. فهو الوطنى وهو الشعب.. ونخبتنا مستبدة وغاشمة تسير على النهج ذاته.. فهو الوطن وهو الشعب وهى الصواب المطلق.. وإذا خرج الشعب عن دائرتها فسوف يخرج إلى الهلاك والضياع. وقد شهدنا فى الأيام القليلة الماضية مفارقة عجيبة.. ففى حين أشاء العالم الخارجى بالانتخابات المصرية، واعتبر إقبال الناخبين على التصويت تحولًا استراتيجيًا كانت أصوات النخبة إياها تندب وتولول على سقوط الوطن.. وتثير الرعب والفزع من سيطرة تيار معين «اللى ما يتسماش» على الانتخابات. وفى حين خرجت التصريحات الرسمية من أمريكا ودول الغرب تؤكد أن المصريين يقررون مصيرهم بأنفسهم لأول مرة.. ويمارسون حقهم فى اختيار من يحكمهم.. وقد أثبتوا جدارة فى ذلك يستحق الاحترام والتقدير.. وأعربت هذه الدول عن استعدادها للتعامل والتعاون مع السلطة التى ستأتى بها الإدارة المصرية من أى حزب أو أى تيار كانت النخبة السياسية على الطرف الآخر تحذرنا من أن العالم لن يسكت على اختيار الشعب لتيار معين «مايتسماش» .. وأن مصر مهددة بالعزلة الدولية. وكان رجل المال والأعمال نجيب ساويرس هو الأكثر فجورًا فى هذا الاتجاه، حيث طالب الغرب عامة وأمريكا خاصة إلى التدخل لحماية الأقلية المسيحية ودعم التيارات الليبرالية والعلمانية لمواجهة تفوق الإسلاميين فى الانتخابات.. مؤكدًا أنه لن يسكت فى حال فوز التيارات الإسلامية بالأغلبية. مفارقة أخرى عجيبة يجرى الترويج لها بروح غير ديمقراطية تمامًا.. تقول إن تيارات معينة انقضت على الانتخابات، وتهدد بسرقة الثورة وأن هذه التيارات منظمة ولديها قدرة على الوصول إلى المواطن وتعمل على حشد الناخبين إلى اللجان الانتخابية. وفى المنظور الديمقراطى غير الانتقائى لا يمكن الاعتداد بهذا الكلام غير المسئول وغير السياسى.. لأن كل الأحزاب والتيارات التى تعمل بالسياسة مطلوب منها أن تكون منظمة ومنضبطة ولديها القدرة على حشد الناخبين.. وإذا لم تفعل ذلك فماذا تفعل؟! لو فاز «الوفد» مثلًا فى الانتخابات فسوف يقيم كل يوم حفلًا ولا تثريب عليه فى ذلك.. ولو فعلها «التجمع» الله يرحمه فسوف يستدعى رموزه.. الأحياء منهم والأموات ليقيم لهم المهرجانات والاحتفالات ولا تثريب عليه.. ولكن حيث يفوز التيار المعين اللى "مايتسماش" يخرج د. السيد البدوى محذرًا من أن العالم لن يقبل بما يحدث فى مصر وستحدث عزلة لمصر.. ويخرج د. رفعت السعيد وبطانته ليولولوا على الدولة المدنية التى سقطت. وإذا نجح عمرو حمزاوى فى الانتخابات تقول "روزاليوسف" إنه قهر الإخوان.. ولكن عندما ينجح أكرم الشاعر فى مواجهة جورج إسحاق تقشح النخبة بالسواد وتتساءل فى دهشة المستبد.. كيف يسقط جورج اسحاق أصلا؟!. وتتصاعد الاتهامات حتى تصل إلى أن الناخبين قد ضرعوا وتعرضوا للكذب والدعاية الدينية وجرت عليهم لعبة للتنويم المغناطيسى التى تجعل الناخب يدلى بصورة تحت تأثير مخدر.. وبالتالى كما يقول د. ممدوح حمزة فإن نتائج الجولة الأولى لا تعكس المزاج العام. كأن النخب المستبدة هى وحدها التى تضم أصحاب البلد.. وأصحاب الثورة وصناعها أما أبناء التيار المعين فهم غرباء قادمون من المريخ.. أو مواطنون من الدرجة الثانية وإذا نجحوا فى الانتخابات فلابد أنهم قد انقضوا على الثورة وعلى البلد ليخطفوها ويسرقوها من أصحابها والأوصياء عليها.. ولذلك يجب التصدى لهم ومنهم من ذلك. وبالتوازى مع هذه الروح المعادية المتر بصمة يتم بشكل منتظم تحريض الإخوة المسيحيين وتخويفهم.. والترويج لاتجاه معظهم إلى الهجرة وترك البلد بعد فوز التيار المعين.. وذلك على الرغم من أن هناك أصواتًا مسيحية محترمة ترفض هذا النهج من منطلق احترامها للديمقراطية أولًا... ثم من منطلق عدم الخوف من المرجعية الإسلامية والهوية الإسلامية التى يستند إليها هذا التيار المعين الذى يجرى شيطنته. فى هذا الاتجاه قال أحد مسئولى الكنيسة فى تصريح شهر إن هؤلاء الإسلاميين لن يكونوا أسوأ من نظام مبارك. وهذا التصريح رغم فجاجته إلا أنه يعطى المعزى الذى يتم تسويقه الآن لخلق فتنة فى مصر يكون المسيحيون مخلب القط فيها. ولا يذكر فى هذا المقام أن أول مسيحى دخل البرلمان بالانتخاب الحر المباشر والنزيه كان على قائمة التحالف الديمقراطى مع الإخوان وهو أمين اسكندر مرشح حزب الكرامة. ولو أن لدى النخبة السياسية أدنى درجة من الإيمان بالديمقراطية لتمسكت بالتقاليد والأعراف التى تقتضيها هذه الديمقراطية.. والتى تملئ على المهزوم أن يعترف بهزيمته وأخطائه ويتقدم لتهنئة الطرف الفائز.. الذى عليه هو الآخر أن يمد يده بكل تواضع إلى الطرف الخاسر طلبا للتعاون والنصيحة. أما هذه الديمقراطية الانتقائية التى نشاهدها فهى تدكرنا بأننا مازلنا نقف عند نقطة البداية.. وأن الشعب متقدم جدًا عن نخبته المستبدة التى تتحدث عن الديمقراطية ولا تطبقها.