فرح الصندوق الزجاجي لفرحنا.. اهتز طربا أمام طوابير المصريين الذين احتشدوا ليضعوا فيه أصواتهم.. كأنه يشاركهم في عُرسهم الأكبر.. ويعاهدهم علي حفظ الأمانة التي ائتمنوه عليها.. ذهبوا إليه هذه المرة دون خوف من سلطة غاشمة أو حزب قمعي مهيمن أو جهاز إرهابي سمي خطأ باسم "أمن الدولة".. فاستقبلهم بالبشر والحبور دون خوف من تزوير أو تزييف. عنوان اللقاء إذن كان الأمن والطمأنينة.. بعد سنوات طويلة من الغضب والقطيعة.. وقد حمل هذا الصندوق العجيب أحزان القهر والاستبداد كما حملنا.. وثقلت عليه جرائم اللصوص والفاسدين والمزورين والجهلاء حتي جاء اليوم الذي تخلص فيه من همومه.. وانفكت فيه عقدة لسانه. ولو تكلم الصندوق في هذه اللحظة المجيدة من تاريخنا لقال كلاما كثيرا.. وأفضي بأسراره التي لا تنتهي.. لكن يكفينا أن نلتقط منه بعض رسائل تنير لنا طريق الأمل في الحياة الجديدة التي نكتب سطورها الآن.. ومن هذه الرسائل: * إلي ميدان التحرير.. ميدان الثورة : كل خطوة تخطوها مصر نحو الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية أنت صاحب الفضل الأول فيها.. وشبابك الرائع الذي خرج يوم 25 يناير ليوقظ البلد وأهله وضحي بمئات الشهداء والمصابين حفر أسماءه في ذاكرة الوطن ولن ينسي.. وهذه الانتخابات الحرة النزيهة هي أول ثمرة لتضحياته.. وهي جائزته الكبري. * إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة! لقد راهنت علي الشعب المصري في أصعب اللحظات وكسبت الرهان.. هنيئا لك.. ظللت مصراً علي إجراء الانتخابات وتمكين الشعب من أن يقول كلمته ويظهر معدنه الأصيل.. رغم الضغوط الهائلة التي تعرضت لها كي تحيد عن هذا الطريق.. وقد أكدت التجارب صدق وطنيتك وقوة عزيمتك وروعة انضباطك والتزامك وايمانك وثقتك في قدراتك.. ولن ينسي لك شعب مصر هذا الموقف المشهود الذي رفع رأسه إلي عنان السماء. * إلي الناخب المصري: خدعوك كثيرا.. وظلموك كثيرا.. وانتقصوا من قدرك.. واتهموك بعدم النضج وعدم القدرة علي التمييز.. وهم يعلمون جيداً انك واع بما فيه الكفاية وناضج بما فيه الكفاية.. لكنهم أرادوا أن يستبعدوك دائما من لعبتهم القذرة.. ومن فسادهم وتزويرهم حتي لا تكشفهم.. أين هم الآن وأين أنت؟!.. العالم كله شهد لك بأنك كائن سياسي متحضر.. تحترم النظام والقانون.. وتختار ممثليك بملء إرادتك.. وما كان بعدك عن الفاسدين إلا استهزاء بهم واحتقارا.. من منطلق "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما". * إلي المثرثرين في الفضائيات: قد رأيتم وشهدتم بأعينكم ما كنتم تستبعدون.. فتواضعوا ولا تستعلوا علي هذا الشعب المعلم.. ولتخرس ألسنة المثرثرين الذين يتحدثون باسم الثورة وباسم الشعب دون تفويض من أحد والذين يفرضون وصايتهم علي المواطن ويتكلمون من أنوفهم بيقين زائف كما لو كانوا يمتلكون الحقيقة وحدهم.. واعطوا الحكمة وحدهم.. بينما هم معزولون تماما عن الواقع وبينهم وبين الناس ستار سميك. * إلي الإخوان والسلفيين: لقد ذقتم السجن والحبس والتنكيل من أمن الدولة ورجالات مبارك علي مدي سنوات طويلة مضت.. والآن وفي هذه اللحظة يجب أن تتذكروا قول الله تعالي "عسي ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون". لا تخذلوا الشعب الذي وثق فيكم وكونوا علي قدر المسئولية.. وعلي قدر الأمانة التي علقت في رقابكم.. وإنا لمنتظرون. * إلي الكتلة المصرية: تذكروا جيدا ان تاريخ الأمم لا يسير بالمعاندة وإنما بالتوافق واحترام إرادة الشعوب.. ولا تنسوا ان الشعب يريد بناء النظام الديمقراطي الجديد علي أسس حضارية عصرية كتلك التي يشاهدها في الأمم المتقدمة.. فساعدوا الشعب علي ذلك ولا تأخذوه إلي صراعات جانبية. * إلي حزب الوفد: لا وقت للأحزان.. عالج أخطاءك.. وتمسك بالقيادة الجماعية حتي لا يتوه الدكتور السيد البدوي في دهاليز الساسة المحترفين الذين أرادوا إسقاطه فأسقطوا الحزب بأكمله.. عموما الغلط مردود. * إلي حزب الوسط: لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.. والمعركة الانتخابية لم تنته.. يا ليت المهندس أبو العلا ماضي يتنبه بسرعة إلي تصحيح الأخطاء التي تسبب فيها بعض من حوله ممن لا يحسنون التعبير عن حزبهم الواعد. * إلي الأحزاب الناصرية: كنا ننتظر منكم أداء أفضل في هذه المرحلة.. وأنتم أحق بوضع يرتفع فوق ما أنتم عليه الآن.. لديكم رصيد هائل لم ينفد عند الشعب.. فقط ركزوا واتحدوا واجعلوا قضيتكم العدالة الاجتماعية.. وستصلون حتما. * إلي حزب التجمع : ستظل معلقا في الهواء كالتي رقصت علي السلم طالما ظلت الفلول تحتل القمة.. يا عالم الدنيا تغيرت إلا انتم.. ان أردتم العودة إلي الحياة فلابد أن تبحثوا لكم عن ميلاد جديد.. ووجوه جديدة. * إلي ائتلافات شباب الثورة: الانتخابات هي الاختراع الوحيد الذي أبدعه عقل الانسان لتطبيق الديمقراطية حتي يحكم الشعب نفسه بنفسه بطريقة منظمة ومقبولة.. فلا تستمعوا لمستشاري السوء.. وأعدوا للانتخابات ما استطعتم من جهد وعمل وفكر ونظام.. وأول الغيث قطر. * المستشار عبدالمعز إبراهيم: لقد أديت الأمانة علي أكمل وجه ومعك القضاة الأفاضل.. وسوف تكشف المرحلتان الثانية والثالثة كما كشفت المرحلة الأولي عن وطنيتكم ونزاهتكم وحكمتكم.. وأكدت للمرة المليون ان في مصر قضاء مستقلا.. ورجالا شرفاء قادرين علي أن يسيروا بسفينة الوطن وسط الأمواج العاتية حتي تصل إلي بر الأمان. هذه شهادة أنتم أحق بها وأهلها.