لو افترضنا أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة أعلن اليوم أو غداً تخليه عن حكم البلاد والعودة إلي ثكنات الجيش طبقا لما ينادي به بعض المتظاهرين في ميدان التحرير.. فمن سيتقدم المشهد ليعلن نفسه حاكما لمصر؟! هل سيتقدم أحد قادة الإخوان المسلمين أو أحد قادة السلفيين أو أحد قادة حركة 6 إبريل أو أحد قادة الأحزاب العديدة التي تشكلت في الفترة الأخيرة أو أحد قادة ائتلاف الثورة لينصب نفسه رئيساً وحاكما للبلاد؟! ومن سيعطيه الشرعية الدستورية التي بمقتضاها يحكم مصر؟! لو فرضنا أن حكومة الدكتور عصام شرف قدمت استقالتها اليوم أو غداً.. من هو الشخص الذي يرضي عنه الإخوان والسلفيون وقادة الأحزاب التقليدية والأحزاب الجديدة وقادة الفصائل الثورية ليقوم بتشكيل الحكومة الجديدة؟! من هم الوزراء الذين سترضي عنهم تلك القوي وتجمع أمرها حول اختيار هذا الشخص أو ذاك لتولي الحقائب الوزارية؟! المشكلة الحقيقية في مصر أنه لا أحد يرضي عن أحد.. كل جماعة أو كل حزب أو كل فصيل ثوري أو غير ثوري له رؤية خاصة فيما يجري من أحداث ولا يكاد فصيلان يتفقان علي شيء محدد.. والنتيجة هو ما نراه من تمزق وتشتت.. والضحية أولاً وأخيراً هي مصر.. مصر الوطن والشعب. لقد كان تجمع ملايين المواطنين المتظاهرين اثناء ثورة 25 يناير تجمعا تلقائيا عفوياً لأن الكيل كان قد فاض من نظام الحكم السابق وفساده.. فانفجر الشعب ليحطم الأصنام ويخلع النظام من جذوره ونجح وتحقق له ما أراد. كان الهدف محدداً في مظاهرات الثورة وكان مركزا حول ضرورة رحيل الرئيس السابق وأركان نظامه.. وكانت الشعارات تنطلق من وحي هذه الرغبة العارمة.. لكن في المظاهرات التي يشهدها ميدان التحرير حاليا نجد شعارات وأهازيج مرتبه ويقودها بعض المشاركين فيها ويجمعون حولهم الشباب يرددون خلفهم ما يقولون مما يدل علي أن هناك جماعة أو فئة أو جهة ما لا ندري كنهها ولا ماذا تريد بالضبط. الضبابية التي تحيط بهذه المظاهرات وأهدافها تجعلنا نتساءل عن المستقبل القريب أو البعيد.. ماذا ينتظرنا؟! وما الذي سيحدث خلال الفترة القادمة؟! هل هذه مقدمة لاجهاض انتخابات مجلسي الشعب والشوري؟! وهل ستتم هذه الانتخابات أم لا؟ ومن الذي له مصلحة في أن نعيش هذا المستقبل المجهول؟! المتظاهرون يطالبون بحكومة وحدة وطنية.. ويطالبون المجلس العسكري بتسليم السلطة إلي مجلس رئاسي مدني يقوم بتسيير الحكم إلي أن تنتهي المراحل الانتخابية وجلوس رئيس جمهورية مدني علي كرسي الحكم. كل ما نطلبه من المتظاهرين حاليا أن يحددوا أو يقترحوا الاسماء التي تحل محل المجلس العسكري.. والشخص الذي يسند إليه تشكيل الوزارة الجديدة.. ويوم أن يتفقوا علي ذلك سوف نقف معهم ونطالب بالتغيير الفوري. لا تتركوا مصر كقشة في مهب الريح!