مصر تعيش هذه الأيام فترة توجه إلي إنشاء مؤسسة جديدة تتمثل في المؤسسة التشريعية وهي مجلس الشعب.. وهذه المؤسسة في الاسلام لها طعم جديد ومختلف عن سائر المؤسسات التشريعية في العالم.. لأن المؤسسة التشريعية في الاسلام تعني أول ما تعني الوساطة بين الأمة والمؤسسات التنفيذية وأهمها الحكومة والرئاسة العامة. من هنا يأتي خطر هذه المؤسسة التشريعية خاصة أنه ليس في الاسلام وساطة بين الأمة والسلطة التنفيذية إلا هذه السلطة التشريعية وهي تقوم بمهمة خطيرة ليس كما يتصورها الناس ورغم خطورة هذه المؤسسة إلا أن البعض من المرشحين يستغل هذه المناسبة في استخدام المساجد للدعاية الانتخابية بالإضافة إلي قيام بعض المرشحين ببيع الوهم لمحدودي الثقافة وغير المتعلمين بإقناعهم بدخول الجنة إذا منحوهم صوتهم.. وفئة ثالثة توزع ملابس من الحجاب والنقاب وغير ذلك. الأسئلة هنا ما حكم من يستغلون الدين لكسب تعاطف الناخبين وما الشروط التي يجب أن تنطبق علي عضو البرلمان.. وما العقوبات التي تنتظر الذين يدلون بأصواتهم لمن لا يستحقون. * يؤكد د.طه حبيشي أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أن العضو في هذه المؤسسة لابد أن يحمل صفات تؤهله لكي يقوم بعمله اختصرها القرآن الكريم في قوله تعالي "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله" ثم يفصلها القرآن تفصيلا في قوله تعالي "التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر" ثم يختزلها القرآن مرة أخري حين يقول في حزم حازم "وزاده بسطة في العلم والجسم".. اختصار وتفصيل ثم اختصار مرة أخري يعطي الناس فرصة لكي يفهموا حقيقة العضو الذي ينشئون بينه وبينهم عقدا اجتماعيا لهم فيه مصلحة وله في مصلحة أخري. هكذا تطرح المسألة ويتم العقد بين أعضاء هذه السلطة التشريعية علي النحو الذي ذكرناه من خلال صناديق الانتخاب وهي وسيلة جزئية في عملية التعاقد الاجتماعي الشرع لا يأباها ولا يرفضها ما دامت تحقق الغاية من هذا التعاقد الاجتماعي. يؤكد د.حبيشي أنه من هنا يأتي الخطر كل الخطر في الفترة التي يعرض فيها المرشح نفسه علي الجماهير فلو كان هذا المرشح من أولئك النفر الذين صنفهم القرآن في قوله "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله" فإنه سيعرض نفسه بأمانة علي الذين سيتعاقد معهم يبني علمه وحقيقة معرفته وامكاناته المؤهلة للمنصب بكل حيادية وهم سيرون منه أنه خال من جميع العيوب النفسية والجسمية والسلوكية التي تعوق عمله فإذا استغرق نفس كل واحد من الأمة أن الله قد منحه بسطة في العلم والجسم والخلق علي نحو ما ذكرناه شهدوا له بالصلاحية من خلال صندوق الانتخاب ومنحوه أصواتهم وهم في كمال الارتياح. هكذا يكون التعاقد في وضعه الاجتماعي السليم ولكن العملية كلها تنحرف عندما يحيط بها "سوار من التدليس والخداع".. والتدليس والخداع يأتي بظهور المرشح الذي يجب عليه أن يعرض الثقة بنفسه علي أمته من خلال أنه يدعي "التدين الدعوي" وهو في الحقيقة لا يري الدين إلا دعوة حركية والدعوة الحركية إذا كانت هي جوهر التدين فإن صاحبها لا يبتغي من خلال تعاقده مع الجماهير إلا مصلحته الشخصية أومصلحة الجماعة التي ينتمي إليها ولا كذلك صاحب الدين الدعوي.. فصاحب الدين الدعوي لا يبتغي من خلال تعاقده مع الجماهير إلا مصلحته الشخصية أو مصلحة الجماعة التي ينتمي إليها ولا كذلك صاحب الدين الدعوي.. فصاحب الدين الدعوي لا يبتغي إلا وجه الله وحده وهو ذلك التوجه الذي يشرح فكرة انتقال السلطة أو الحاكمية من الله إلي الأمة ثم من الأمة إلي ممثليها في منظومة رشيقة ربما لا يدركها الكثيرون. أشار د.حبيشي إلي أنه من التدليس الذي يقوم به بعض من يطرحون أنفسهم علي الناس في عملية التعاقد الاجتماعي أنهم ينحازون إلي بيوت الله التي يكون فيها الأفراد في حالة تسليم مطلقة للدين فينتهزون هذه الفرصة للتأثير عليهم وهم في هذه الحالة إذ الواحد منهم متوجه إلي بيت الله أمامه متصور للجنة عن يمينه وللنار عن يساره ولملك الموت من وراء ظهره.. إنه في حالة حضور روحية علي كل حال ينتهزها هذا المدلس لصب فكرة القناعة به وهو في حالة روحية تصرفه عن الدنيا وما فيها. هذا المدلس في هذه الحال ينبغي علي الأمة أن تكون شديدة الوعي بأهدافه وألا تتعاقد معه ما دام قد استغل عواطفه الدينية لتسخيرها لاختيار خاطيء لإنسان لم يعمل إلا لصالحه أو صالح جماعته. وقس علي ذلك استغلال البسطاء بهدية يمكن اصباغ الصفة الدينية عليها كالربط بين الملابس والتدين وهو ربط لا يعرفه الاسلام ولا ينادي به فليس في الاسلام إلا ستر العورة بأي أسلوب يمكن أن تستر العورة به. ومن أساليب التدليس كذلك الربط بين منح الصوت لمعين من الناس فردا كان أو جماعة ودخول الجنة أو رضا الله عز وجل فدخول الجنة ورضا الله لا يرتبطان بالأشخاص أفراداً كانت أو جماعات وإنما يرتبطان بهذا التعاقد الاجتماعي وكيفيته.. فالتعاقد من جهة الناخببين يقوم علي أساس من الشهادة لهذا الفرد أو تلك الجماعة بالصلاحية لأداء مهمتهم.. والناخب في هذه الحالة أحد رجلين إما أن تكون شهادته مطابقة للواقع فيرضي عنه ربه ويدخله الجنة.. وإما أن تكون مخالفة للواقع فتكون شهادة زور تدفع به إلي أن تكبه علي وجهه في النار. يؤكد د.حبيشي أننا هنا لا ننادي بعزل الدين عن هذه العمل أعني عملية التعاقد الاجتماعي هو الدين الدعوي لا الدين الحركي.. ألا فليدرس كل إنسان نفسه. يدرس المتعاقد أيا كانت صفته فإن كان ناخبا يدرس علاقته مع ربه وإن كان مرشحا يحدد نفسه أمام الناس في لون من الشفافية يرتفع به فوق التدليس وفوق التزييف.. فما التدليس والتزييف إلا خيانة للأمة ومسخطة للرب وصاحبهما داع علي أبواب جهنم. شروط محدودة وضع د.أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق شروطا محددة لاختيار النائب منها أن يكون متمتعا بحسن السير والسلوك وأن يكون علي خلق وثقافة تؤهلانه لأن يقوم بالمهمة التي توكل إليه في هذا المجلس لأن البرلمان مجلس تشريعي أي أنه يشرعي للأمة القوانين فلا يصح أن يشرع من لا ثقافة له بالاضافة إلي أن مهمة مجلس الشعب إلي جانب التشريع رقابة الحكومة والدولة وهو يراقب من جهة ويشرع من جهة أخري. أضاف د.عمر هاشم أنه قد جري العرف عند الناخبين أن ينتخبوا من لهم صلة بهم سواء كانت صلة قرابة أو صلة نسب أو من أهل البلد أو قدم لهم بعض الخدمات الخاصة وكل هذه الأمور تحتاج إلي جوارها الكفاءة لأن الكفاءة هي الأساس والذي يعطي صوته هو شاهد يشهد علي هذا النائب بأنه كفء لهذه المهمة فلو أنه اختار النائب لصلة خاصة به أو لعصبية أو لخدمة خاصة أو انتخبه لأن يقدم له أمرا من الأمور المادية مثلا مقابل إعطاء صوته فكل هذا لا يجوز شرعا.. أما الذي يجوز شرعا أن يكون الصوت للكفء بعيدا عن المجاملة سواء لابن دائرته أو حزبه مؤكدا أيضا أنه لابد أن يكون النائب يخشي الله ويقول قول الحق وأن يبتعد عن الأهواء الشخصية في إنهاء طلباته ويحقق مصلحة الجماعة أولا. يؤكد د.هاشم أنه لا يصح أن تكون المساجد مقرا للدعاية الانتخابية لأنها بيوت الله وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا فاستغلالها للدعاية الانتخابية غير جائز ويجب أن يمنع المرشح من توزيع منشورات داخل المسجد أو يعلن برنامجه في بيت الله فهذا لا يجوز ولا يصح لأن بيوت الله لها حرمتها. اعتداء علي المساجد يؤكد الشيخ شوقي عبداللطيف وكيل أول وزارة الأوقاف أن ما يحدث من بعض المرشحين في استخدامهم لبيوت الله في الدعاية الانتخابية اعتداء علي قدسية المساجد التي هي بيوت الله.. مشيرا إلي أن من يروج لنفسه في بيوت الله آثم شرعا ويستحق غضب الله عليه. أما من يوزع هدايا مثل الملابس خاصة الزي الاسلامي مثل الحجاب والنقاب وغيره فهذه رشوة يرفضها الاسلام لأن صوت الناخب أمانة ويجب أن يراعي أنه سوف يسأل عن صوته يوم القيامة. يرفض الشيخ شوقي استخدام الدين كستار للفوز في الانتخابات لأن المتاجرة بالدين أسلوب مرفوض يغضب الله فقد قال سبحانه وتعالي عن هؤلاء الناس "لهم في الدنيا خزي وفي الآخرة عذاب عظيم".. لذلك يجب علي كل مسلم أن يحترم دستور أمته وقانون دولته.. وطالب أئمة المساجد والعاملين إبلاغ الشرطة ضد كل من ينتهك بيوت الله في الدعاية الانتخابية أو لأي غرض آخر بعيدا عن السياسة. أكد الشيخ شوقي أن من أهم المواصفات والشروط التي يجب أن تتوافر في عضو مجلس الشعب أن يتقي الله في تصرفاته وأفعاله وأن يكون غيورا علي مصلحة بلده ويراعي ضميره في كل ما يتعلق بشئون وطنه لأنه أصبح أمينا عليه وألا يخشي في الحق لومة لائم.