تفسد الانتخابات كل شيء، تحاول تسخير كل الأدوات لصالحها، بلا خطوط حمراء، الهدف هو الحصول علي المقعد في البرلمان، بأي طريقة وبجميع السبل. لكن عندما يتعلق الأمر بالأماكن الدينية واستخدامها كورقة رابحة فإن الأمر يحتاج لوقفة كبيرة، خاصة أن الحزب الوطني يمتلك القدرة علي التأثير في أئمة المساجد من أجل الدعوة لمرشحيهم وهو ما حدث في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري. أكد د. نادي حسين عبد الجواد الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر أن: المسجد في الإسلام مكان عبادة، كما قال تعالي: "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه" وورد في الحديث ما يؤكد ذلك المعني: فقد رأي الصحابة رجلا نشد جملا ضاع منه في المسجد فقال الرسول: من دعا إلي الجمل الأحمر. فقال الرجل: أنا يا رسول الله، فقال النبي "لا وجدت. إنما بنيت المساجد لما بنيت" وهذا لا يمنع أن تكون للمسجد أدوار أخري كالفصل بين الخصوم، وجمع الصدقات، وسداد الديون، وقد استحب عدد من الفقهاء عقد النكاح في المسجد، وغيرها من الأعمال المشروعة، كالفصل في النزاع والحكم بين الناس في المسجد، لحديث "إنما بنيت المساجد لذكر الله والحكم" وقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم يحبس المشرك في المسجد، ويضيف: أجاز الفقهاء الأمر بالحبس والغرامة علي من وجبت عليه، أما بخصوص الانتخابات واستخدام المساجد في الدعاية الانتخابية، فإن هذه المسألة من الأمور الحادثة، حيث كان الناس يتحدثون في المساجد عمن سيكون خليفة لهم، وقد يدور حوار بين الصحابة ومن بعدهم في هذا داخل المسجد، غير أنه في الفترة التي كانت الخلافة فيها بالترشيح لم يكن المرشح للخلافة يستخدم المسجد كمكان للدعاية الانتخابية، وهذا يعني أنه يجب النظر إلي هذه المسألة في ضوء الاعتبارات الحديثة، مع مراعاة الضوابط العامة للمسجد حسب ما جاء في النصوص الشرعية، لكن الحكم يتغير بتغير الزمان فقد يكون في وقت مباحا لكن لكثرة الضرر المصاحب له ينقلب إلي الحرمة باعتبار أن الأحكام الشرعية عنوان المصلحة، فإذا لم تتحقق تلك المصلحة انقلب الحكم من الإباحة إلي الحرمة وفي استخدام المسجد للدعاية الانتخابية مصلحة ومفسدة، فالمصلحة هي اتجاه الناس للمساجد، اعتبارها مرجعية إسلامية لكل مرشح، يسعي لتأييد رواد المساجد له، وأن المساجد هي المحرك للمسلمين، وفي ذلك إعلاء لشأنها ورفع لمكانتها عند الناس، أما المفسدة فهي سوء استخدام المساجد في المنافسة بين المرشحين، وغش الشعب بادعاء التدين وقيام بعض ممن يصحبون المرشح باستخدام الخطاب الديني كمرجح من المرجحات لكي يعطوه أصواتهم، فيكون الغرض هو كسب الأصوات بعيدا عن مضمون البرنامج الإصلاحي الذي يقدمه للشعب، بل يجعل الدين هو السبب في ترشيحه وليس برنامجه للإصلاح وما يمكن أن يقدمه للناس جميعا من الأمانة علي دينهم، وتحقيق مصالحهم الدنيوية• وقال إن: المساجد مكان للعبادة يجب أن يحرص الأئمة علي حفظه عن الدخول في المناوشات السياسية وإلا أصبح ذلك باعثا لأن يبني أو يدعم كل مرشح مساجد بعينها بهدف الدعاية له وتخرج المساجد عن رسالتها التنويرية إلي أغراض بعيدة عن الهدف الذي بنيت لأجله. فما قامت به وزارة الأوقاف أغلب الظن أن المفكر الإسلامي د. محمود حمدي زقزوق لا يعلم به، باعتبار أنه أصدر مسبقا أوامره بعد استغلال المساجد لأية أغراض انتخابية، لذلك فإن تلك الواقعة علي فرض ثبوت صحتها يجب الوقوف أمامها بالمحاسبة الشديدة، أما مصيبة شراء الأصوات فهي مظهر غش حضاري، باعتبار أن الصوت شهادة والرسول أوصي الصحابة بأن يشهد علي ما يشبه الشمس في الحقيقة والبيان أما عكس ذلك مما قد يخفي أو يختلط فيجب الابتعاد عنه، ومن يدلي بصوته لمن يعلم عدم كفاءته ويأخذ مالا لتوصيل هذا فإنها شهادة زور مركبة، جمعت بين الكذب والبهتان وأكل المال بالباطل ومن ثم ينبغي أن يتم إسقاط العضوية عن النائب ورفع الحصانة النيابية عنه وتقديمه إلي المحكمة فما بني علي باطل فهو باطل. بينما د. آمنة نصير الأستاذ بجامعة الأزهر قالت: لا يوجد مانع شرعي من الحديث عن الانتخابات بالمسجد مادام قد تم التزام الآداب من جهة المرشحين داخل المسجد، بعدم الهم واللمز، وأن يقتصر الحديث علي الأفكار الإسلامية والقضايا التي تشغل الشأن الوطني، وألا يكون الدخول للمساجد مقتصرا علي حزب بعينه وألا يتدخل الخطباء والأئمة في تلك القضايا حتي لا تضيع هيبتهم بين جموع المصلين، فقد ثبت في التاريخ الإسلامي أن الخلفاء الراشدين والصحابة كانوا يناقشون القضايا التي تخصهم بالمساجد دون حرج ماداموا ملتزمين بالآداب والأخلاق العامة، وملتزمين بالصدق في مناهجهم وقضاياهم فقد ورد أن عمر بن الخطاب بعدما تولي الخلافة قام في الناس خطيبا قائلا لهم: من رأي منكم في إعوجاجا فليقومه، فقام أحد الصحابة قائلا: لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا، لكن في الوقت الحالي نجد الكثيرين من المرشحين يقولون ما لا يفعلون، وبالتالي أقترح تسجيل جميع اللقاءات العامة من خلال تشريع قانوني يسنه البرلمان المصري، بحيث إذا ثبت قضاء أن النائب قد وصل إلي المجلس بطريق الكذب علي أهل دائرته وأهمل مطالبهم العامة، فإنه يجب إسقاط عضويته، لأنه نائب يمثل الناس بالكذب والتدليس علي إرادتهم وهذا مما يفسخ العقد النيابي بينه وبينهم والقاتل مرة مثل القاتل ألف مرة. وتحدثت نصير عن الرشوة الانتخابية بجميع أنواعها واعتبرت أنها لون من ألوان التدليس علي إدارة المرشحين بهدف الوصول إلي كرسي البرلمان بما يحققه من حصانة ضد الضبطية القضائية، فشراء الأصوات يندرج تحت الرشوة التي لعن الله فيها المعطي والآخذ والواسطة بينهما، كما أنه داخل تحت مسمي التزوير بهدف التسلط علي رقاب المسلمين دون وجه حق، فشراء الأصوات يؤدي إلي الخيانة وانتشار الفساد وخراب الذمم وأكل الحرام وكل هذه من كبائر الذنوب وفيه كتمان الشهادة عمن يستحقها والله تعالي يقول "ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه".