زمان أطلقوا علي بعض المستلزمات "سلعاً استفزازية".. فقد كانت هذه السلع مما يسمع عنها الناس فقط ولا يستطيعون استخدامها إما لارتفاع سعرها.. أو لأن الحكومة.. زمان لم تكن تسمح باستيرادها وبالتالي لم يعرفها عامة الناس.. وفي نهاية السبعينيات ومع الانفتاح الاقتصادي أو ما عرف بالانفتاح الاستهلاكي.. سمحت الحكومة باستيراد هذه السلع الاستفزازية مع فرض رسوم جمركية عالية. واليوم دخلت أسعار بعض المستلزمات المصرية دائرة الاستفزاز بعد ارتفاع أسعارها بصورة مفزعة.. فمثلا الخضراوات التي هي طعام الفقراء أصبحت بعيدة المنال بالنسبة لعامة الناس من الطبقات المتوسطة وفوق المتوسطة - ان وجدت - أما الطبقات التي تعتبر فقيرة طبقا للمقاييس الدولية.. أصبحت تنظر إليها علي سبيل الفرجة.. تماما مثل اللحوم التي أصبح الجميع يعتبرونها سلعا استفزازية.. وعلي مدي سنوات العمر كلها.. لم أسمع أبداً عن هذه الأسعار الاستفزازية التي شملت معظم المواد الغذائية.. من خضراوات إلي لحوم.. وعيش وفول وعدس.. والسكر والدقيق وغيره وقد روي لي أحد الزملاء.. انه شاهد رجلا بسيطا ومعه ثلاثة أبناء يشترون بعض ساندويتشات الفول وعندما سأل عن الثمن فوجئ بأن سعر الساندويتش جنيه.. فأعادها إلي البائع وانصرف دون أن يشتري. الحقيقة التي لا جدال فيها ان الأسعار كلها أصبحت "ناراً" والغريب اننا نسمع تبريرات من بعض المسئولين: بأن حرارة الجو هي السبب والتي أدت إلي نقص المحاصيل.. أو ان هناك حشرات اتلفت المحاصيل. واعتقد انه كان يمكن للارشاد الزراعي - ان وجد - ان يرشد المزارعين عن كيفية مواجهة الحر الشديد أو البرد الشديد - كما يمكن أيضا لإدارة مكافحة الآفات الزراعية أن تتنبه وتعالج الآفة التي قيل عنها - بدلا من ترك الأمور هكذا تسير بدون رابط أو ضابط. والأمر الغريب انه بينما الأسعار تتحرك بصورة أكثر من الاستفزازية.. لم نسمع عن أي محاولة لايقاف هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار.. ونذكر انه في عام 1920 أي منذ 90 عاما عندما حدثت أزمة اقتصادية طاحنة في البلاد وارتفعت الأسعار بصورة مرعبة لجأت الحكومة المصرية وقتها إلي اتخاذ عدة إجراءات من بينها تأجير مساحات شاسعة من الأراضي في الخانكة ومناطق أخري وخصصوها لزراعة الخضر.. وقررت أيضا ايقاف تصدير البيض وكانت مصر في تلك الفترة من الدول الكبري في تصدير البيض.. وقررت أيضا اعطاء الموظفين منحتين لمواجهة هذا الطوفان من الغلاء: الأولي في سبتمبر سنة 1920 والأخري في مارس .1921 وبعد بضعة أشهر بدأ الفرج وانتهت الأزمة الاقتصادية وعادت الحكومة لتصدر 25 مليون بيضة. هذه إجراءات تم اتخاذها.. ولكن ما هي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة حاليا لمواجهة هذه الأسعار الاستفزازية؟ ومن الأمور الغريبة.. ما نسمعه من أخبار استفزازية عن ارتفاع مذهل في الأجور التي يتقاضاها الفنانون ولاعبو الكرة.. وبعض الفئات الأخري والتي تدور كلها في اطار الملايين هناك فنان سيقوم ببطولة مسلسل في رمضان ويتقاضي 80 مليون جنيه وآخر يتقاضي 40 مليون جنيه هذا بخلاف الفنانين المشهورين الذين نسمع ونقرأ عن أجورهم فلكية.. وغيرهم.. اللهم لا حسد.. ولكن أين عدالة توزيع الدخول.. ولماذا تنشر هذه الأرقام علي الملأ في الوقت الذي يتقاضي فيه الأغلبية مبالغ زهيدة لا تكفي قوت اليوم.. ان نشر هذه الأخبار الاستفزازية يثير مشاعر الآخرين والواقع يقول كيف يشعر هؤلاء الذين أسعدتهم الظروف بهذه الأجور العالية بما يشعر به عامة الناس من ارتفاع الأسعار. الأمر في حاجة إلي وقفة لا لتخفيض الأجور العالية ولكن لحل مشكلة البؤساء من أصحاب الدخول الهزيلة. وليت الحكومة تعود إلي الوراء.. 90 عاما مضت وتحاول أن تضع حلولا للمواد الغذائية والضرورية والخضراوات التي تحولت من مواد أساسية إلي سلع استفزازية.