رغم الشكوي المستمرة من تدني الأجور وارتفاع الأسعار وعدم القدرة علي سد الاحتياجات الاساسية وزيادة معدلات البطالة إلا أن ظاهرة النمط الاستهلاكي المظهري مازالت تتزايد ومثال ذلك السيارات الفخمة وأجهزة المحمول الحديثة وارتياد المطاعم والفنادق الفاخرة وهذه الانماط لا تقتصر علي المدن الكبري فقط بل امتدت إلي القري والمناطق الريفية حيث أصبح الفلاح يحرص علي امتلاك الموبايل والدش. وكان المفكر الاجتماعي والاقتصادي د.جلال أمين قد ركز في كتابه "ماذا حدث للمصريين" علي ظاهرة امتلاك السيارات كنمط استهلاكي مظهري قائلا إن امتلاك السيارة أصبح رمزا للصعود الاجتماعي وأصبح العجز عن امتلاكها دليلا علي الفشل حيث أصبح هناك فئة من شباب الطبقة الوسطي لم تطأ أقدامهم سلم الاوتوبيس وأصبحت السيارات الخاصة تحيط بالجامعات والمدارس وأصبح من المألوف أن نجد طفلا لا يتجاوز 18 عاما وهو يقود سيارة تجاوز سعرها 200 ألف جنيه. يذكر د.جلال أمين أنه في الفترة السابقة للانفتاح الاقتصادي في الاربعينيات والخمسينيات حتي منتصف الستينيات كان الوضع السائد والطبيعي أن نري أشخاصاً محترمين للغاية بل يتقلدون مناصب عليا وقد استقلوا الترام أو المترو أو وقفوا علي محطة الاوتوبيس منتظرين وصوله، حتي هو شخصيا قد امتلك سيارة مستعملة لأول مرة عندما كان أستاذا في الجامعة. ويري د.جلال أن السيارة تعتبر من أهم السلع المعبرة عن الوجاهة الاجتماعية حيث إن المجتمع يراها، وهي أفضل من المأكولات والمجوهرات التي لا يراها أحد.. معتبرا أن الهجرة لدول النفط كانت المسئول الاساسي عن شيوع الاستهلاك المظهري. كما اتجه الاستثمار إلي الاستثمار غير المنتج كالاسكان الفاخر والمشروبات الغازية، لأنه أسرع عائد وأقل مخاطر. "الاسبوعي" التقي بخبراء الاقتصاد والاجتماع للاجابة عن تساؤلات حول أسباب تزايد الاستهلاك المظهري رغم انخفاض الدخول؟ والأثر الاقتصادي المترتب علي هذه الظاهرة؟ وطرق التخلص منها؟ مع استعراض لحالات بعض الدول التي لم تسقط في بئر الاستهلاك وكذلك تساؤلات حول الآثار النفسية والاجتماعية المترتبة علي هذه الانماط الاستهلاكية المظهرية. يذكر د.حمدي عبدالعظيم الرئيس الاسبق لأكاديمية السادات للعلوم الادارية نسب ومعدلات الاستهلاك قائلا إن 55% من دخل الاسر يتم انفاقه علي الطعام والشراب أي ما يعادل 56.1 مليار جنيه سنويا. كما يتم انفاق 12.8 مليار علي الملابس و18.7 مليار علي السكن 8 مليارات جنيه سنويا علي الاتصالات 3.1 مليار تم انفاقها علي الآثار والادوات المنزلية. أشار إلي أن هذه المعدلات تدل علي تزايد الاستهلاك المظهري بالاضافة إلي حرص الأهالي علي الحاق أبنائهم بمدارس أمريكية بأسعار خيالية كنوع من الوجاهة الاجتماعية. ويري عبدالحافظ الصاوي الخبير الاقتصادي أن بداية ظهور الانماط الاستهلاكية المظهرية ارتبطت بتطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي في مطلع التسعينيات حيث تحول نمط استهلاك المواطن المصري ليتشابه مع نظيره الامريكي رغم الاختلال الشديد بينهما في مستوي الدخل وجدية كل منهما في العمل لافتا إلي أن الموبايل أصبح من أسوأ مظاهر الاستهلاك حيث نجده في يد الاطفال والحرفيين والعاطلين ويتفاخر الناس بما يمتلكونه من أنواع فاخرة وحديثة من المحمول. يؤكد الصاوي علي ضرورة أن تكون الحكومة قدوة لترشيد الاستهلاك إلا أن الوضع علي عكس ذلك فنجد الوزراء وقد أنفقوا ملايين الجنيهات لتغيير أثاثاً مكاتبهم وشراء أفخم أنواع السيارات. كما أصبح الفنانون والمطربون قدوة للشباب في أنماط الاستهلاك المظهرية. يشير الصاوي إلي أن العولمة لم تؤثر علي دول شرق آسيا إلا بالشكل الايجابي فبينما يستغل المصريون الكمبيوتر والنت في ألعاب ال Chatنجد الهند وقد استغلته في وضع برامج لمحو الأمية. كما لم تتمكن العولمة كذلك من اختراق دولة مثل ماليزيا، فقد احتفظت بطابعها وأكلاتها الشعبية لذلك فقد فشلت مشروعات كنتاكي وماكدونالدز عندها كما تمكنت المطاعم الهندية من غزو العالم ومنافسة تلك المطاعم الشهيرة في كل أنحاء العالم، ولذلك فقد أصبحت دول جنوب شرق آسيا من أكثر الدول استفادة من نتائج العولمة، حيث احتفظت وتمسكت بالأجندة الوطنية للتنمية الخاصة بها، وأصبح الحاكم والمحكوم علي قدم المساواة في المظاهر والزي. معدلات الادخار وعن الأثر الاقتصادي لأنماط الاستهلاك المظهرية تحولت المصارف إلي بيع الأجهزة والسيارات بنظام التقسيط مع رفع معدلات الفائدة إلي 23% كوسيلة سريعة للربح وحول طرق ضبط الأنماط الاستهلاكية السائدة يشير الخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي إلي أهمية دور منظمات المجتمع المدني لتوعية المواطنين بالطرق الصحيحة للاستهلاك مع ضرورة أن يبدأ الإنسان بنفسه يستهلك علي أساس دخله الحقيقي، وكذلك التمسك بالمنتج الوطني. يري المهندس أشرف بدر الدين عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية أدي إلي ظهور أنماط استهلاكية تتمثل في تخزين الناس للسلع خوفا من ارتفاع أسعارها مرة أخري، بالإضافة إلي أن ثقافة التقليد أصبحت سائدة في المجتمع مما يجعل الناس يقبلون علي شراء سلع ليسوا في حاجة إليها، وحول تأثير النمط الاستهلاكي السائد علي وضع الموازنة العامة للدولة، أكد بدر الدين أن هناك تأثيراً كبيراً علي طريقة توزيع المبالغ علي الموازنة، حيث يخصص 40% من الموازنة علي الدعم، و25% علي الأجور، بينما نسبة الاستثمارات 7%، مما يجعلنا نطلق عليها (موازنة استهلاكية). المفكر الاقتصادي إلهامي ميرغني يربط بين الاستهلاك المظهري وزيادة معدلات الفساد، حيث إن مستوي الأجور متدن ولا يستطيع تغطية التكلفة اللازمة للأنماط الاستهلاكية السائدة، مشيراً إلي الأثر الشديد للإعلانات علي الخيارات الاستهلاكية للناس. يقول د. عصام عبد الجواد استاذ الصحة النفسية بكلية التربية النوعية جامعة المنوفية : الآثار النفسية المترتبة علي عدم القدرة علي تحقيق التطلعات الاستهلاكية المظهرية السائدة تؤدي إلي الاحباط والضغوط النفسية والانهيار العصبي بالاضافة إلي الامراض النفسجسدية مثل القولون العصبي والسكر والضغط وهي تلك الامراض العضوية الناتجة عن المرض النفسي، مشيراً إلي ظهور كثير من الامراض الاجتماعية الناتجة عن هذه الانماط التي ظهرت مع الانفتاح الاقتصادي في بداية السبعينيات.