منذ أن قيض الله للأزهر الدكتور أحمد الطيب ليتولي منصب الإمام الأكبر فقد نذر هذا العالم نفسه لخدمة هذا الصرح العلمي بجامعته ومعاهده التي تنتشر في كل أقاليم مصر وقراها ونجوعها. وأخذ يسابق الزمن في استعادة هذا الصرح العلمي لمكانته ومناهجه وريادته في عالمنا المعاصر بعد أن كاد يفقدها. كما قام الدكتور الطيب شيخ الأزهر بجهود متضاعفة مواصلاًَ الليل بالنهار لكي تعود للمعاهد الأزهرية مناهجها التي دأبت علي تدريسها منذ أكثر من ألف سنة بمراحل تطويرها علي مدي تاريخ الأزهر. لكي تظل هذه المعاهد حافظة للتراث الإسلامي من علوم الدين والدنيا وإعادة المحذوف من هذه المناهج في الفترة الأخيرة. لقد أدرك الدكتور الطيب مدي أهمية هذه المناهج التي تربي هو شخصيا في أحضانها فحرص بكل اهتمام علي إعادة المناهج إلي سابق عهدها بالاضافة إلي تعديلات في مناصب أعضاء هيئات التدريس بالمعاهد واختيار أفضل العناصر التي تتميز بالكفاءة لكي تمضي الحركة العلمية في اطار نظام يحفظ لرجال الأزهر مكانتهم ودورهم في إرساء دعائم النهضة التعليمية التي قام بها أسلافهم من الشيوخ والعلماء الذين أثروا الحياة العلمية وبفضل جهودهم أصبح الأزهر رمزاً للإسلام والمسلمين في كل أنحاء الدنيا. يقدم علماؤه الرؤية المستنيرة للدين الإسلامي بسماحته وحكمته في معالجة كل قضايا المجتمع وتجاوبه مع أحداث التاريخ. وفي سلسلة متصلة لجهود الدكتور الطيب.. وهدوئه المتميز تم التطرق لقضايا المجتمع فكان دوره في اصدار وثيقة الأزهر التي شارك فيها مختلف أطياف المفكرين والمثقفين بمختلف انتماءاتهم. وكذلك كانت هناك وثيقة الأزهر للعالم العربي. وبذل الأزهر بكل هيئاته جهودا حثيثة في مواجهة كافة الاحداث بعد ثورة 25 يناير وكان له دور مشهود في السيطرة علي كل نوازع الخلاف بين أبناء مصر من المسيحيين والمسلمين واخماد أي نيران لإثارة الفتنة الطائفية بين ابناء مصر. ولم تتوقف جهود الدكتور الطيب من اجل أن يتبوأ الأزهر مكانته ويساهم في تحقيق الأمن والاستقرار في مختلف المدن والقري. ويحرص علي الاستفادة بكل الآراء. عطاء الرجل امتد إلي تلك القاعة التاريخية التي تحمل اسم رجل أزهري كان رائد الفكر والتنوير والنهضة بين رجالات ذلك المعهد العتيد.. انه الامام محمد عبده وقد سميت القاعة باسمه تخليداً لذكراه ودوره في اثراء الحركة العلمية والوطنية وقد كان حرص شيخ الأزهر د. الطيب ان تعود هذه القاعة إلي سابق عهدها كما كانت في الماضي مركز اشعاع ثقافيا وحضاريا لعقد اللقاءات واستضافة كبار العلماء والمفكرين لمناقشة مختلف القضايا الاجتماعية والدينية وكل ما يشغل الساحة الوطنية والعلمية والثقافية في مختلف المجالات ولكي تكون بمثابة منبر علمي لطلاب جامعة الأزهر. وقد ظلت القاعة التاريخية علي مدي التاريخ تؤدي دورها بين مختلف الطوائف الفكرية والعلمية خاصة بين الأزهريين بالكليات المختلفة. وفي الستينيات كانت القاعة ملتقي أهل العلم والفكر وتمت استضافة العلماء من كل البلاد للمشاركة في الندوات واثراء الحركة العلمية والثقافية وقد كان الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر رحمه الله حريصا علي تنظيم هذه اللقاءات الفكرية ويستضيف العلماء في مختلف التخصصات. كما كان حريصا علي أن يعقد جانبا من محاضراته لطلابه وكنت من بينهم واستفدت مع زملائي من الطلاب من علم الدكتور عبدالحليم محمود الذي مزج بين مختلف الثقافات وأفاض بالكثير من الاشراقات علي طلاب العلم والمهتمين بالحركة العلمية والثقافة الإسلامية وغيرها ومن بين هؤلاء العلماء الذين كانت تتلألأ قاعة الإمام بعلومهم وافكارهم الدكتور عيسي عبده إبراهيم ورغم أنه كان متخصصاً في علوم التجارة وفروعها المختلفة إلا أنه كان موسوعة في مقارنة الأديان فقد كان يعقد المقارنات بين الإسلام والمسيحية واليهودية. في حديث علمي شيق وينتصر لكلمة الحق ومن آرائه المستنيرة استفاد الأساتذة قبل الطلاب. كما كان هناك الدكتور محمد بن فتح الله بدران. والدكتور عبدالرحمن بيصار وغيرهم وقد كانت تعقد المناقشات والمناظرات. وكان الراحل الكريم أحمد حسن الباقوري رئيس جامعة الأزهر يحرص علي استضافة العلماء من مختلف الاتجاهات في محاولة للتقريب بين المذاهب. كما استضاف خلال رئاسته للجامعة سلطان البهرة. ورغم انتقاد أحد العلماء الأفغان علي آراء واتجاهات البهرة إلا أن الهدف كان بذل أقصي الجهد للتقريب بين العلماء اصحاب المذاهب الفقهية المختلفة. ولاشك أن دور القاعة في منتهي الأهمية في هذه الفترة حيث تموج الساحة بالكثير من الآراء والاجتهادات خاصة بعد الثورات التي تجتاح العالم العربي. ويقع علي كاهل علماء الأزهر مسئولية اجراء الحوارات والمناقشات للاسهام في وحدة الصف والقاء الضوء علي وسطية الإسلام وسماحته وبذل الجهد لرأب الصدع بين العلماء في مختلف الاتجاهات وتوحيد الصف بينهم. وذلك للمساهمة في نشر الثقافة الإسلامية والتصدي للحملات التي تستهدف تشويه الإسلام والصاق تهمة العنف والإرهاب بالمسلمين. وتفنيد كل الأباطيل التي قد يثيرها خصوم الإسلام في الخارج والداخل والمساهمة في نشر الافكار التي تؤدي إلي النهضة الحضارية والتأكيد علي أن الإسلام دين القيم التي تدعم مسيرة البناء والتعمير بالاضافة إلي أن الأديان السماوية كلها تهدف إلي سعادة البشرية. تحية للدكتور أحمد الطيب ولكل المخلصين من أبناء عالمنا الإسلامي الذين يساهمون مع الإمام الأكبر في اداء هذا الدور المهم في حياة العالم الإسلامي.. مرة أخري بارك الله في جهود علماء الأزهر وغيرهم من أهل الفكر والعلم. * * * * دعاء اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها. ربنا قنا عذاب النار. وادخلنا الجنة مع الابرار. ونسألك ربنا ان ترزقنا لسانا شاكراً وقلبا ذاكراً. رب فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما والحقني بالصالحين.