لا يخدعنك العنوان ويأخذك الي المحافظين الجدد عندنا.. الذين عينوا في عهد الثورة لإحداث التغيير المطلوب شعبيا فلم يغيروا شيئا.. وصار الناس يتندرون عليهم بأن "أحمد" الذي هو محافظ الثورة مثل "سيد أحمد" الذي كان محافظ النظام الساقط. المقصود بالطبع ليس المحافظين الجدد عندنا.. الذين تستطيع أن تقول إنهم فشلوا لكنهم لم ينهزموا.. لم يقدموا وجه الثورة المشرق للناس في محافظاتهم المتشوقة للتغيير لكنهم لم يغادروا مقاعدهم ولن يغادروها حتي يأذن الله بفتح من عنده. المحافظون الذين انهزموا وأركسوا علي أعقابهم هم أولئك الذين يشكلون التيار السياسي الرجعي الاستعماري التوسعي في الولاياتالمتحدةالأمريكية.. الذين ظهروا وقويت شوكتهم مع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن من أجل فرض الهيمنة الأمريكية الصهيونية علي العالم بصفة عامة وعلي عالمنا العربي الإسلامي بصفة خاصة من خلال مفاهيم دينية وسياسية مغلوطة تمجد التفوق اليهودي الأمريكي وتزين لهم فعل أي شيء في سبيل ضمان فرض سيادتهم. هؤلاء المحافظون الجدد هزموا هزيمة منكرة هذا الأسبوع بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قرار سحب كافة القوات الأمريكية من العراق بحلول نهاية العام الجاري وإنهاء الحرب في العراق. وقال الرئيس أوباما إنه اتخذ قراره هذا للوفاء بالوعد الذي قطعه أثناء حملته الانتخابية لإنهاء الحرب في العراق مع نهاية 2011 علي الرغم من أنه كان يدعم جهود وزارة الدفاع "البنتاجون" لإبرام اتفاق مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يقضي بالحفاظ علي قواعد أمريكية وبضعة آلاف من الجنود في العراق لأجل غير مسمي. لكن المحادثات الخاصة بهذا الأمر انهارت بسبب إصرار نواب البرلمان من الكتلة الصدرية وغيرهم علي أن تخضع القوات الأمريكية التي سيتم استبقاؤها للقانون العراقي وهو ما ترفضه واشنطن جملة وتفصيلا.. وتصر علي حصول جنودها علي حصانة قانونية وترفض محاكمتهم أمام محاكم أجنبية. وشكلت هذه المسألة قضية لها حساسية كبيرة.. لا سيما بعد مقتل العديد من المدنيين العراقيين علي أيدي الجنود الأمريكيين.. أضف إلي ذلك فضيحة سجن أبوغريب وتعذيب السجناء العراقيين. وإذن فقد اتخذ القرار.. لا قوات ولا قواعد أمريكية في العراق بعد الانسحاب منه.. ولن تتحول السفارة الأمريكية في بغداد الي وكر للجواسيس وغرفة للعمليات القذرة في المنطقة كما كان يتردد من قبل. ويشكل هذا الانسحاب الكامل هزيمة موجعة لمشروع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في العراق وخطة هؤلاء المحافظين الجدد لاستخدام الغزو في تحويل العراق الي دولة ديمقراطية موالية للغرب.. تحوي قواعد أمريكية وجنودا بغرض زيادة الضغوط علي سوريا وإيران. وبحساب المكسب والخسارة فإن الولاياتالمتحدة وحلفاءها لم يحققوا الهدف الذي سعي اليه المحافظون الجدد من خلال تبنيهم لفكرة غزو العراق والاطاحة بصدام حسين.. فالعراق بعد ثمانية أعوام لم يتغير.. ولم يدخل في العباءة الغربيةالأمريكية.. بل لعله صار أكثر نفوراً من النفوذ الأجنبي عموما والنفوذ الأمريكي خصوصاً. وهناك من المراقبين ما يري أن الهزيمة الكبري للمحافظين الجدد تمثلت في أن خطة بوش لغزو العراق والاطاحة بصدام ساعدت علي توسيع النفوذ الإيراني في العراق.. وحتي وإن لم تسيطر إيران علي العراق فعلي الأقل لم تعد لدي طهران أية مخاوف من جارتها في الوقت الحالي. بل إن الأفق مفتوح تماما لنوع من التحالف الوثيق بين طهران وبغداد لأن أي حكومة عراقية قادمة ستضم بالضرورة نوابا من الشيعة قضي بعضهم سنوات طويلة في المنفي في إيران أثناء عهد صدام.. أو تلقي علوم الشيعة في قم والحوزات الإيرانية. وهكذا أفلت العراق من أنياب المحافظين الجدد أو كاد.. وكذلك الأمر في ليبيا التي تتحول الآن رويداً رويداً الي طبيعتها بعد أن أنهي حلف الأطلنطي مهامه هناك. وأعلن أنه سينسحب نهاية الشهر الحالي.. ورغم أن حكام ليبيا الحاليين طلبوا رسميا تمديد المهمة شهراً آخر إلا أن هؤلاء الحكام سوف يغادرون مواقعهم في غضون أيام وستخرج دعوات أخري تطالب برحيل الناتو والانعتاق من النفوذ الأجنبي. وما يحدث في باكستان وأفغانستان أيضا يعطي دلالة واضحة علي أن راية التوسع والغزو التي رفعها المحافظون الجدد في عهد بوش باءت بالفشل وانتهت الي الهزيمة.