بعض اختيارات الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء لمسئولي الدولة، ينقصها الابداع أو لا تسبقها دراسة وافية. رأينا ذلك في تشكيلته للمحافظين الجدد، وقبلها في إعادة تعيين الدكتور زاهي حواس وزيراً للآثار رغم ما عليه من ملاحظات كثيرة، أدت إلى أن يستبعده شرف في البداية ويركنه فترة طويلة قبل أن يعود إليه ثانية. أبرز أخطائه التي نربطها بغياب الإبداع، احتفاظه بيحيى الجمل نائباً لرئيس الوزراء، على طريق أحمد شفيق. لم نعرف مهمة الجمل في وزارة شفيق قصيرة الأجل، ولا مهمته في وزارة شرف. ويبدو - والله أعلم – أن عصام شرف نفسه لا يستفيد من يحيى الجمل سوى استشارته في اختياره للمسئولين، وقد أشار عليه بما عرض رئيس الوزراء لغضب الرأي العام في تشكيلة المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي جاء بعض أعضائه من لجنة السياسات في الحزب الوطني المنحل، وتربطهم علاقة وثيقة بالجمل. أظن أن الجمل هو من أشار أيضا على شرف في جزء من تشكيلة المحافظين الجدد فجاءت صادمة للأسف الشديد، لأنها تقليد كامل لنظام مبارك.. لواءات شرطة أو مديرو أمن أصبحوا محافظين. ومحافظون فشلوا في محافظاتهم وأفسدوا الحياة السياسية وساعدوا في نهب المال العام، ومكانهم الطبيعي حاليا هو مزرعة طرة، لكن مشورة يحيى الجمل نقلتهم إلى محافظين للصعيد، كأننا نستعيد الماضي البعيد عندما كان منفى للمطاريد! من حق محافظة المنيا أن يكون لها محافظ عادل صاحب سيرة بيضاء وليس محافظاً منقولا من محافظة أخرى، تاركاً وراءه ملفاً متخماً بالفساد السياسي والاقتصادي. ومن حق محافظة قنا أن تعامل كمحافظة محترمة وليس فأر تجارب، ومن هنا نتفهم مظاهرات أهلها المسلمين والمسيحيين ضد اختيار اللواء عماد ميخائيل أحد قيادات وزارة الداخلية في محافظة الجيزة في عهد النظام السابق. الاعتراض الرئيسي إذاً على ترقيته كمحافظ، خصوصا أن لجنة تقصي الحقائق لم تنته من عملها حول ما حدث يوم 28 يناير، فقد يظهر لاحقاً أنه أحد الضالعين في قتل المتظاهرين، والانفلات الأمني الكارثي الذي سنعاني آثاره طويلا، وحتى إذا لم يظهر شيء يدينه، فكونه نائباً لمدير أمن الجيزة يحمله مسئولية مباشرة مع العادلي وقيادات وزارة الداخلية. أما الاعتراض الآخر فهو تقليد النظام السابق الذي عين مجدي أيوب وهو مسيحي محافظا لقنا التي لا يتجاوز عدد المسيحيين فيها 5% وتكثر فيها القبائل مثل الأشراف والهوارة، وكان الهدف تجربته كأول محافظ مسيحي في مصر. في السنوات الخامس التي تولاها عرفت قنا الفتنة الطائفية، ولم يكن ذلك من طبيعتها. وحتى المسيحيين من أهلها يؤكدون أنهم في ظل محافظ مسلم تمتعوا بالأمان ونالوا حقوقهم وعاشوا حياة اجتماعية هادئة مع شركائهم المسلمين. لقد تعامل نظام مبارك مع "قنا" على أنها فأر تجارب.. محافظة نائية لا تهمه ولا تضره. وها هو "عصام شرف يحيى الجمل" يتعامل معها بالأسلوب نفسه، ولو سعى إلى بعض الإبداع لاختار محافظاً من أهلها وما أكثر الكفاءات فيهم. هذه المحافظة المظلومة، تولاها يوماً في عهد السادات، عبدالمنصف حزين، وقد كان كفاءة مدنية برلمانية سياسية، وهو أحد أبنائها وينتمي إلى مدينة اسنا التي أصبحت حالياً تابعة لمحافظة الأقصر، وفيما بعد نقله السادات محافظاً للمنوفية. لماذا الاصرار على أن يكون محافظ قنا مسيحياً.. ولماذا لا يتولى المحافظ المسيحي هذه المرة محافظة أخرى؟!.. سؤال منطقي يسأله أهلها وعلى شرف أن يجيبهم من غير أن يسأل صديقه يحيى الجمل. والسؤال الأهم.. هل كتب على المحافظات أن يتولاها محافظون من الشرطة، كأنه لا توجد كفاءات إلا في هذا الجهاز الذي لا يعرف إلا لغة الأمن وبعيد تماماً عن أي انجازات حقيقية لصالح تنمية الناس؟! قامت ثورة يناير لاحداث نقلة كاملة في الجهاز الإداري للدولة، حتى ننتقل من الدولة البوليسية إلى دولة حضارية مدنية عصرية، لكن عصام شرف يحيى الجمل يصر على المشي على ألغام نظام مبارك، لغياب الخبرة السياسية والابداع، ومشورة من مكانه قهوة المعاشات! [email protected]