هكذا يتغير العالم من حولنا بسرعة فائقة بينما نقف نحن العرب نتفرج علي أكروبات هذا السيرك الدولي وطلاسمه دون القدرة علي المشاركة فيه أو محاكاته من كان يصدق أن شرير كوريا الشمالية كيم جونج يتحول في نهاية الفيلم إلي ناسك طيب . وأن كيم القبيح يبدو جميلا علي النحو الذي تريده هوليوود صانعة السينما وأيضا صانعة الصورة الذهنية للزعماء. قبل أيام قلائل كان رئيس كوريا الشمالية مجرد طاغية همجي متخلف قاتل لرجاله غريب الأطوار ينتمي لأكلة لحوم البشر وفجأة يصبح رجل دولة وصانع سلام وسياسيا مخضرما وعظيما يحول مجري التاريخ وبعدما كان يتباهي بصورة السلفي مع الصواريخ الباليستية والقنابل النووية ويهدد بأن صواريخه تصل لكل نقطة علي وجه الأرض فيرد عليه الرئيس الأمريكي بأن صواريخه أكبر وأطول يقال الآن أنه جاد في الحوار للتخلص من السلاح النووي وبالتالي رشحته مؤسسة "كورال للنشر" للحصول علي جائزة نوبل للسلام لعام 2018 مناصفة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ما الذي حدث؟ وما هو الانقلاب الذي أدي إلي هذا التغيير؟ وكيف يتحول الأشرار إلي أخيار وأكلة لحوم البشر إلي صالحين؟ لقد قيل في تفسير ذلك أن كيم جونج قام مع زوجته بزيارة سرية إلي الصين لم يعلن عنها إلا بعد عودتهما . وفي بكين سمع الرجل من نظيره الصيني كلاما غريبا وجديدا أطلعه فيه علي حقائق الحياة علي الكرة الأرضية حاليا وتوازناتها قائلا: يا عزيزي كيم أنت تصر علي العيش في عالم جدك المبجل كيم إيل سونج بينما عالم جدك قد انتهي وأنت تصفف شعرك علي طريقة زعيمنا العظيم ماو تسي تونج وعالم ماو قد انتهي وأنت تعتقد بأننا نفرح لأنك تزعج الغرب وعلي رأسه أمريكا وهذا أيضا قد انتهي ياعزيزي. وهكذا كانت الرسالة واضحة بأن العالم قد تغير ولابد أن تتغير معه الأدوات والأساليب حتي تتعايش الدول والشعوب فلم يعد أحد في إمكانه أن يغير أحدا بالقوة ولن تتحقق وحدة الكوريتين بالغلبة الأيديولوجية والقوة العسكرية وإنما بالحوار واحترام حقوق الدول والشعوب . ومن هنا عاد كيم إلي بلده شخصا آخر استطاع أن يخطف أنظار العالم بعبوره إلي كوريا الجنوبية ولقائه مع رئيسها الذي كان للتو عدوه اللدود. وهنا لابد أن نلاحظ أن الإعلام الذي صنع الصورة القبيحة المنفرة لكيم هو نفسه الذي يلهث الآن لتقديم صورة مغايرة . ليكون مقبولا في عالم الانفتاح والحوار والتعايش والإعلام في ذلك مرتكز علي اللعبة السياسية . فلما تغيرت السياسة تغيرت التوجهات بصرف النظر عن الحقائق وهذا يؤكد للمرة الألف زيف الحديث عن المباديء والمواقف الثابتة. والعبرة من ذلك بالنسبة لنا نحن العرب أن الحوار هو وسيلة العصر لحل مشاكلنا والتعايش مع خلافاتنا وتناقضاتنا .اللجوء للحوار ينقذنا من تربص الأعداء وابتزاز الأصدقائنا ومن استنزاف ثرواتنا في حروب وصراعات مرسومة بدقة لكي نخرج كلنا معا من حركة التاريخ.