المصريون هل أصبحوا دمويين وأكثر عنفاً بعد ثورة 25 يناير؟.. هذا السؤال فرض نفسه بعد أن تعددت وتنوعت مظاهر العنف في المجتمع حالات الدهس بالسيارات وعلي فترات متقاربة وقتل وخطف وقطع طرق وعدم الاعتماد علي الحوار في كثير من المجالات مثلما حدث من اعتداء علي رئيس إحدي الشركات حتي لقي حتفه. أو احتجاز رئيس شركة الاتصالات أكثر من 18 ساعة رغم ظروفه الصحية الصعبة بغض النظر عن أي شيء. "المساء الأسبوعية" ناقشت القضية مع أساتذة الاجتماع والطب النفسي الذين أكدوا أننا لا نستطيع تعميم هذا الرأي وإلا لفعل جموع الشعب ما قام به الشعب الروماني في الطاغية شاوسسيكو وزوجته وقاموا بإعدام مبارك وسوزان مثلهما. قالوا: إن "عامل الجماعة" والتقليد أصبح السمة الغالبة في السلوكيات خاصة إذا لم يتم عقاب من قام بالفعل في أول مرة. نظروا إلي جزء كبير من هذه الحوادث علي أنها طبيعية في ظل إسقاط نظام وحفظته مع عدم قيام نظام آخر مكتمل يكون بديلاً حقيقياً. * د.سمير نعيم أستاذ علم الاجتماع السياسي له وجهة نظر محددة حيث يرفض اتهام المصريين بالدموية مؤكداً أنه لم يكن المصريون في تاريخهم دمويين وحتي حالات الدهس لم يقم بها في واقع الأمر شباب الثورة ولا أي من الثوار والحالات الثلاث التي رصدت حتي الآن قام بها أعداء الشعب وأعداء الإنسانية من القوي المضادة للثورة. ففي حالة ميدان التحرير وتحديداً في 28 يناير الماضي قامت به قوات الشرطة التي فعلت ذلك بأوامر من قياداتها وبموافقة من الرئيس المخلوع طبعاً. ولا يمكن أن ننسب هذا علي الاطلاق للثوار الذين كان شعارهم الذي بهر العالم سلمية سلمية. وفي حالة الدهس الثانية أمام ماسبيرو في 9 أكتوبر لم يكن الثوار أو أي من الشعب هو من قاد المدرعات إنما بلطجية سرقوا من جيشنا العظيم مدرعاته لكي يدهسوا المواطنين ويوقعوا بين الجيش والشعب حسب الرواية المعلنة. أما ما حدث مؤخراً في جامعة المنصورة فالذي قيل هو أن عميد كلية الطب البيطري أصدر أوامر لسائقه لدهس طلاب الجامعة خيرة الشباب الذين كانوا يعبرون عن آرائهم في رفض استمراره عميداً للكلية باعتباره من وجهة نظرهم من عملاء النظام في تخريب الجامعة. استطرد قائلاً: هذه الحوادث تؤكد أنه ليست هناك أي أدلة علي أن المصريين أصبحوا أكثر دموية. فتاريخهم الطويل يؤكد أنهم لم يكونوا هكذا أبداً ولو كانوا كذلك لفعلوا بالمخلوع مثلما فعل الرومانيون في شاوسسيكو وزوجته بقتلهما بالرصاص في ميدان عام دون محاكمة. أو مثلما فعل بعض الشعوب العربية مع حكامهم الذين كانوا يقتلونهم سحلاً. أضاف أن المصريين دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه بثورة 25 يناير السلمية الإنسانية وتقتدي بهم الشعوب العربية والأوروبية والأمريكية فكلهم يتظاهرون وهم رافعون شعاراتها. أوضح أن الثورة نفسها قامت لأن طبيعة الشعب المصري الأصيلة والكامنة عبرت عن نفسها ونفت فكرة أن طبيعته الخنوع وقبول المذلة والهوان وبالتالي فإن نجاح الثورة بتحقيق أهداف الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية سوف يترتب عليه بالضرورة تدعيم لكل الجوانب الإيجابية والبناءة والمعطاءة لدي الشعب المصري. * د.محمود عبدالرشيد أستاذ علم الاجتماع يري أن غالبية حوادث العنف التي رصدت عقب قيام الثورة يمكن أن تكون كلها أحداثاً مرتبطة بها وليست لاحقة لما حدث في 25 يناير أي أنها من معطيات الثورة وليست تبعات ثورة ويمكن أن يكون الشيء الحقيقي الذي حدث بعد الثورة هو الانفلات الأمني وعدم احترام أي تشريعات أو قوانين وبالتالي أصبح دم الناس أرخص. أضاف أن تبعات الثورة شملت عدداً من المجالات وحدثت في صور كثيرة فلا يمكن أن نستبعد من ذلك الاعتداء علي الأراضي الزراعية أو الاعتداء علي حرمة الأشخاص.. صحيح أن الحوادث المرصودة أقل مما كان يحدث عقب الثورة مباشرة إلا أننا لا نستطيع أن ننكر وجودها. ولكنها تراجعت لأن الأمن بدأ يتجرأ بعض الشيء في التعامل مع الحالات التي يتأكد فيها أنه تمت ممارسة البلطجة. أوضح أن ما يقع من حوادث يمكن أن يكون طبيعياً إذا أخذنا بتعريف الثورة علي أنها هدم نظام قائم وهذا النظام مرتبط بتشريعات وقوانين فإذا ما حدثت ثورة أسقطت النظام وحفظة النظام التي تؤمن تطبيق قواعده مما يجعل الغالبية بلا غطاء ولا يعرف أين الخطأ والصواب. ومن ثم يكون من الطبيعي ما يحدث. أوضح أن ممارسة الخروج عن العرف والتقاليد ليس حكراً علي أحد ولكنه يمكن أن يحدث من ثلاث فئات أساسية: الأولي الذين أضيروا من الثورة. وبالتالي يهمهم الإساءة إليها. والثانية الثوار أنفسهم وهؤلاء لا يمارسون أعمال البلطجة ولكن عنفهم يكون موجهاً أكثر إلي رموز النظام الذي تم هدمه.. والثالثة فئة عوام الناس الذي يقلدون الآخرين في سلوكياتهم الخاطئة. ويبقي وسط هؤلاء القلة المستنيرة التي تحاول إعادة البناء وتصحيح الأوضاع الخاطئة. أشار إلي أن الدموية والعنف ليسا قاصرين علي الثورة المصرية ولكن من خلال مشاهداتنا للأحداث العالمية نري صوراً أكثر دموية وعنفاً في حالات التمرد والاحتجاج والتعدي علي حرمة الآخرين. ومؤخراً كنت أشاهد برنامجاً عن حالة التمرد والشغب التي حدثت مؤخراً في أمريكا حيث هالني قيام المتظاهرين بإنزال أحد السائقين من سيارته النقل والاعتداء عليه بوحشية بالغة دون أن يكون طرفاً في الموضوع. * د.فوزي إسماعيل أستاذ الطب النفسي يري أن ما حدث في الشخصية المصرية ليس تغيراً ولكنه إظهار لبعض السمات بها. ويشرح ذلك بقوله إن الإنسان يحمل في نفسه كل الصفات الإنسانية حتي المتناقضة منها فهو كاذب وصادق وخاضع ومتمرد وشريف ومرتش وهكذا.. والظروف المحيطة هي التي تجعل الإنسان يخرج ما لديه سواء كان جيداً أو سيئاً. أضاف أن عصر مبارك أفرز أسوأ ما في الإنسان مثل الفساد فهذا النظام أفسد الجميع من الطالب حتي أستاذ الجامعة ومن الغفير حتي الوزير. وهكذا في كل القطاعات ولكن هذا بالتأكيد سوف يتغير عندما نضع نظاماً يحدد حداً أدني للأجور وقواعد فيها مساواة بين الناس ومشروع قومي أو مشروع نهضة يلتف حوله الجميع لتظهر الجوانب البناءة في الإنسان مثلما حدث في أيام حرب أكتوبر .73 أضاف: يجب أن نكون متيقظين لما يريده بنا أعداء الثورة من إضعاف نفوسنا وترسيخ أسوأ ما فينا حتي يستمروا في نهب ثرواته وإذلاله فنحن لدينا في البلد قوتان أساسيتان الأولي غالبية الشعب المصري الذين قاموا بالثورة فهي ليست حكراً علي الذين تواجدوا في ميدان التحرير والفئة الثانية أعداء الثورة الذين يجب أن نحتفظ بهدوئنا النفسي في مواجهتهم حتي لا يستغلوا هذا الأمر في الاضرار بالثورة. * د.أحمد يوسف سلامة أستاذ الطب النفسي يرجع حالات الصدام والعنف التي أعقبت الثورة إلي عوامل عديدة ليس من بينها أن المصريين أكثر عدوانية أو دموية ولكن من أهم الأسباب أن الناس تري نوعاً من التسيب والانفلات الأمني وعدم تنفيذ القانون مع تراخ شديد من الأمن وبالتالي فكل شخص يفعل ما يحلو له دون النظر للاعتبارات الأخري. وسبب ثان لهذا الأمر هو ما يعرف في علم النفس السلوكي "بعامل الجماعة".. أي أنه طالما هناك أحد يفعل شيئاً حتي لو كان خارجاً عن الأعراف والتقاليد فمن الممكن أن تتم محاكاته أو تقليده مثلما يفعل بعض المشجعين في ماتشات الكورة. فيكفي أن يرفع أحدهم شعاراً معيناً ليقوم الآخرون بتقليده دون أي إضافة أو رفض لهذا الشعار حتي لو كان به خروج عن المألوف. أضاف أن حادثة الدهس التي قامت بها سيارات السفارة الأمريكية في بدايات الثورة جعلت هناك أشخاصاً يقومون بتقليدها طالما لم يتم حساب من قاموا بها في أول مرة أو إعمال القانون في مواجهتهم.