لا جدال في أن الفيس بوك أحدث انقلاباً في عالم التواصل بين البشر علي اختلاف ألسنتهم وألوانهم.. ألغي المسافات بين المشرق والمغرب وحقق بشكل عملي مقولة القرية الكونية.. طبعاً أتحدث عن الفيس وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي. من كان يتصور في الماضي القريب ناهيك عن زمن الآباء والأجداد أنه سيأتي اليوم الذي تتحدث فيه مع أصدقاء من الشرق والغرب في آن واحد. وربما تستشير صديقا لك يعيش بأمريكا أو الصين في لون القميص أو مشكلة تعترض حياتك. مميزات الفيس بوك أكثر من أن تحصي سواء في تبادل المعارف والثقافات أو في التواصل مع الأصدقاء والأقارب وهو أمر أصبح غير ميسر في ظل ريتم الحياة السريع. لكن وسط هذا كله فإن هناك جوانب تجعل الفيس لعنة أو نقمة اذا لم نحسن التعامل معه وتوظيفه مثل كل الوسائل الحديثة. الفيس الذي يجمع الناس من شتي أنحاء المعمورة يتحول في أوقات كثيرة الي أداة للتفرقة والخلاف الذي يصل أحياناً الي حد القطيعة. عندما يدخل البعض في جدال عقيم يتطور الي سباب وشتائم بل وتخوين لمجرد أن لكل شخص رأياً يخالف الآخر رغم أن الجميع يعرف صاحب هذا الرأي وهؤلاء يصرخون طوال الوقت مطالبين بحرية الرأي لكنها الحرية التي تتفق مع آرائهم فقط. كما أن پالفيس بوك يتحول في أحيان كثيرة الي جاسوس. ولا أقصد جاسوساً بالمعني المتعارف عليه وان كان الأمر لايمنع فلا ننسي أن الأخ "أفيخاي أدرعي" المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي يظهر فجأة أمام المتحدثين العرب ليقحم نفسه ويقدم التهنئة سواء في مناسبة دينية أو حتي من غير مناسبة والمدخل دائماً من خلال رموز الفن القدامي الذي يدعي محبتهم سواء بصدق أو لحبكة دور أنه "مننا وعلينا" كما يقولون. علي أي حال الجاسوسية التي أقصدها تلك المتمثلة في نقل كل شيء عن حياتك "لايف".. متي تأكل وأين ونوع الطعام؟!.. هناك من لديهم حالة هوس وجنون بالتصوير فيسجلون كل حركاتهم وسكناتهم بالصوت والصورة ويصرون علي الغاء الخصوصية تماماً وهو أمر له أضراره الاجتماعية علي كل الأطراف. فبعض ما تفعله لايستطيع غيرك القيام به لسبب أو لآخر ومن هنا تتزايد الضغائن والأحقاد. أما أخطر شيء في تصوري فيتمثل في تحول الفيس بوك الي ساحة لنشر الأكاذيب والتشهير بعباد الله خاصة عندما يتناول البعض قضايا تمس الشرف ويوجهون اتهامات لاتستند الي دليل وينقلها غيره دون أن يكلفوا أنفسهم الناقل والمنقول عنه عناء البحث عن الحقيقة أو التأكد من صحة الاتهامات قبل أن يقذف بها الأبرياء. الأمر يحتاج الي تدخل من المشرع لوضع آلية لمواجهة هذا الطوفان من الشائعات بشرط ألا نضع قيوداً أو اجراءات مبالغ فيها علي زوار الفيس باعتبار أنه وسيلة سهلة أمام الناس للفضفضة واخراج همومهم وهو أمر له جوانب صحية كثيرة للمجتمع.. لكن الحل الأمثل يكون علي المدي البعيد من خلال ترسيخ ثقافة الاختلاف ووضع نظام تعليمي يهتم بالارتقاء بوعي الناس ولا يعتمد علي الحفظ والتلقين. [email protected]