كوميديا سينمائية لا تهزل ولا تستهيف المتفرج وإنما تلعب علي عدة أوتار تجعله ينصت ويشاهد ويبتهج ويسخر مع صناع هذا العمل من ظواهر بائسة لا تزور الواقع ولا تطمسه بتزييف متعمد واسفاف سخيف وافيهات خشنة قليلة الأدب والذوق الفني. وفي نفس الوقت تحرك شهيته للضحك والتفاعل مع الشخصيات وأمام التناقضات والمفارقات التي يموج بها الواقع والتي يعالجها الفيلم من دون إدعاء ولا صخب مفتعل ونكات بذيئة وبسلاسة مع قدر من المبالغات المحسوبة التي تخدم الرسالة أو الرسائل التي يتضمنها. العمود الفقري للبنية الفنية في هذا العمل يجسده سائق تاكسي مكافح وفقير "أحمد عيد" وولده علي الطفل اليتيم ذي الخمس سنوات "آدم وهدان" الذي يرافق أباه إينما ذهب يلاعبه ويلاغيه بممارسة لعبة بسيطة قديمة أشبه "بالاستغماية" "خلاويص" قد لا يذكرها بالتأكيد جيل ألعاب الفيديو المحظوظين. الباقون في هذا الكيان الفني يتشاركون في نفس اللعبة "خلاويص" ولكن من منظور آخر مشابه وأقرب إلي لعبة "العسكر والحرامية".. حيث نجد المسئول الكبير صاحب النفوذ "أحمد فؤاد سليم" الذي يستخدم نفوذه للتستر علي مجرم حتي لو أدي ذلك إلي حبس الطفل "علي" 15 سنة بدلاً منه.. انها لعبة الكبار مع من هم دونهم من الغلابة ولعبة "العسكر والحرامية" ولو اقتضي الأمر إلي استخدام الأسلحة النارية وكذلك لعبة الحرامية أنفسهم داخل الزنازين مع زعيمهم البلطجي الأكبر "محسن منصور" ثم في النهاية بين البؤساء من الشباب العاطلين الذين يفرون إلي الشاطيء الآخر في هجرة غير شرعية بعيداً عن الواقع الجائر الذي يفرض عليهم الفرار لو أدي ذلك إلي هلاكهم. شر البلية اللحن الزاعق وسط منظومة هذه المفارقات والتناقضات الجسيمة يعزف علي المثل الشعبي "شر البلية ما يضحك". الضحك علي مشهد الاب الأرمل المندفع من فرط خوفه علي طفله اليتيم المسجون الذي تم ترحيله في "البوكس" نحو الاعتراف بجريمة لم يرتكبها حتي يرافق ولده الصغير وسط المساجين وعالمهم المرعب هو بالتأكيد ضحك مشوب بالحزن والسخرية والتعجب. نفس الخليط الضاحك الأسيان يلازم مشهد الجدين "أحلام الجريتلي" اللذين يتجرعان آلام العوز المادي ورزايا أرذل العمر وهما يستقبلان شرطة "انفاذ القانون" التي جاءت للقبض علي الصغير ذا الخمس سنين"!!" أثناء لعبه. ونفس الشيء وأنت تشاهد هذا الصغير البريء نفسه وهو يرقص ببدلة السجن ويواصل اللعبة "خلاويص" وسط المساجين. وهناك ضحك آخر مشوب بالسخرية أمام رؤية الإعلامي "طارق عبدالعزيز" وهو ينكر جريمة القبض علي الطفل "علي" بمبالغة ممقوتة "يمكن يكون قزم وعامل فيها طفل" في اشارة إلي العاهات الإعلامية التي ابتلينا بها في اشارة إلي إعلام صناعة الحرايق أو شعللتها. الخير والشر الصراع بين الخير والشر في فيلم "خلاويص" يحقق التوازن فلا يصل بنا إلي "حارة سد" تهزم الأمل وإنما يجدد الثقة في حتمية انتصار الخير والوصول إلي نهاية مرضية ولا أقول سعيدة لأن السعادة شيء نسبي. فأمام المسئول الكبير المتجرد من الإنسانية والضمير يوجد ابن شقيقته "محمد حاتم" الشاب الواعي بفساد خاله والذي يتابع الجريمة التي ارتكبها في حق "حسن" فلا يتردد عند ادلاء الشهادة لاثبات براءته وتخليصه من التهمة حين قرر الاعتراف بالمسكوت عنه. وهناك أيضا المحامية المبتدئة "آيتن عامر" المشبعة بالروح الإنسانية التي تسعي لتبرئة الطفل "علي" ومساعدة والده "حسن" بالتعاون مع ابن شقيقة المسئول الكبير. ووسط إنسانية رجل البوليس "سامي مغاوري" هناك من يستخدم عقله ويتمسك بروح القانون ويفكر في حقيقة التهمة التي جري الحاقها بالطفل "علي". لقد اعتدنا من صناع الضحك البذاءة والتسطيح الفكري والاستهبال عند تناول القضايا الاجتماعية الجادة. والمفارقة أن كاتبي هذا السيناريو "فيصل عبدالصمد. ولؤي السيد" يستسلمان في أحيان كثيرة إلي التيار السائد في صناعة الترفيه برغم قدرتهما علي صياغة حبكات تجمع بين الجدية والضحك وتناول المشكلات بخفة ومن دون استخفاف ورسم العلاقات البشرية بإنسانية ومشاعر لا تشوه جوهر هذه العلاقات وخصوصاً "المقدسة" مثل علاقة "الاب الابن" "الابن الوالدين" أو "الابن الأم".. إلخ هذه الأمور التي أصابها الكثير من العوار علي الشاشة أو الشاشتين الكبيرة والصغيرة.. وهنا لا يصح أن نغفل دور المنتج "محمد مازن" وتوجهه الذي يعكس احترامه للمنتج الفني وللمستهلك لهذا الانتاج. أحمد عيد مصري أصلي أحمد عيد الشخصية المحورية في هذا العمل من الممثلين الكوميديين الذين يرفضون الاسفاف والتفاهة وأفلامه عموماً تحتل مكانة خاصة وسط صناعة الضحك ليست الأكثر رواجاً تجارياً ولكنها الأكثر احتراماً لهذا الفن الجماهيري. وأعماله تصلح في التصنيف الرقابي لجميع الأعمارولذا فأنها الأقرب إلي مشاهدي التليفزيون أعني أفراد الأسرة بعد أن تنتقل للعرض داخل البيوت. فيلمه "ياباني أصلي" اذلي شاهدناه في الموسم الأخير يندرج أيضا تحت هذه الفئة ولنوع الكوميديا الاجتماعية التي تجمع بين طرفي المعادلة الضحك والرسالة الايجابية. وداخل نفس الإطار يحتل المخرج خالد الحلفاوي مكانة في المقدمة وسط حيل المخرجين الشباب القادرين علي التعبير بوسيط الفيلم وبلغة السينما الحية والحيوية المبهجة التي تميز العمل الكوميدي الجيد. وفيلم "خلاويص" يتميز بلغة تعبيرية ممزوجة بحس إنساني قريب من القلب انه توليفة فنية تمزج بين عناصر ترفيهية متنوعة ومؤثرة منها "الحبكة" الجذابة. والغناء المعبر عن الرسالة أو حتي مجموعة الرسائل التي يبعث بها الفيلم. إلي جانب التوظيف الدرامي الناعم والاستعراضي الظريف للطفولة وللطفل الجميل الذي يؤدي دوره كطفل من دون انتهاك لطفولته ومن دون أن يحوله العمل إلي "مسخوط" حتي يولد الضحك من خلال التناقض. ولكن التناقض الأكثر تأثيراً هنا هو تأثير تناقضات المجتمع علي هذا الطفل نفسه وأعني المفارقة بين طفل سجين ببدلة السجناء ووسط عصابات المجرمين وهو يرقص.. الطفل الذي يجلس بجوار والده سائق التاكسي الأرمل ويشاركه الغناء في مشهد يعكس طبيعة الاب المصري البسيط الحريص علي أن "يخاوي" ابنه فما بالك إذا كان يتيماً. الحلفاوي في هذا العمل يمر علي الظواهر السلبية المختلفة في استعراض ساخر وعابر من دون تمزيع لإنسانيتهم ومن منظور اجتماعي يدين تكاسلهم وتزييفهم وصلفهم الوظيفي وغياب ضمائرهم ويلقي أضواء سريعة كاشفة عن مظالم اجتماعية ليست من صنعهم ومنها الاضطرار إلي الهجرة. أو يقايض الإنسان مضطراً أيضا علي حريته لسداد أقساط التاكسي والحصول علي شقة بدلاً من البيت الآيل للسقوط الذي يعيش فيه هو ووالديه وابنه. الموسيقي أيضا من العناصر التي تستحق الاشارة إليها كلغة تعبير تنقل أجواء الشجن والألم خصوصاً في مشهد "المهاجرين" والمشهد نفسه بتكوينه وألوانه وزوايا التصوير تشهد بأن عناصر الفيلم كل متجانس يعبر عن رؤية اجتماعية وعن احترام لجماليات الصورة وخصوصية الأسلوب الذي يميز مخرج عن آخر. أفلام الحلفاوي "كذبة كل يوم". "زنقة الستات" تشير إلي أنه صانع فيلم لديه أسلوب ورؤية اجتماعية متسقة مع الواقع ولو حرص علي تطويرها في نفس الاتجاه مستعيناً بأدوات التعبير التكنولوجية سريعة التقدم سيحقق مستويات تستطيع المنافسة. "خلاويص" لا يعتمد علي نجوم "كبار" ولا علي وسامة "شكلية" أو المعادلة التجارية "رقص رخيص مع مطربين ومطربي موالد وسخافات مهرج سوقي... إلخ" اعتماده الأكبر علي الموضوع والمصداقية ولغة السهل الممتنع بأدوات التعبير المرئية.