"كابتن مصر" فيلم مُسلي لا جدال ومُضحك بالتأكيد. ومصري الروح والفكاهة والسلوك رغم أصله الأمريكي الإنجليزي فالقصة المعتمد عليها عمر طاهر الكاتب الصحفي والسيناريست لها أصول عديدة و"المؤلف" مثل معظم كتاب الأفلام المصرية المأخوذة من أصول غربية أضفي علي الكل الثوب الفني المحلي الذي يجمع بين الفكاهة والأكشن "الحركة" والحواديت الخرافية المرتبطة بماضي الشخصيات والشخصيات هنا يلعبها ممثلون مجتهدون و"الكابتن" بطل الفيلم "محمد إمام" خريج مدرسة الكوميديا الهزلية التي أوصلت الأب إلي ما هو فيه الآن : عميد أصول الضحك في الفاضي والمليان.. أعني في الأعمال الخفيفة وبلاش أقول هايفة حتي لا يغضب وأفلام جادة ستبقي في تاريخه وتاريخ الصناعة السينمائية المصرية علامات بارزة.. فنحن شعب يعشق الضحك وصاحب المثل المشهور شر البلية ما يضحك. وصاحب نكتة وقادر علي توليد القفشات والإفيهات في أحلك الظروف. أحداث الفيلم في أغلبها تتم داخل سجن. وللأمانة تم تصويرها بما لا يدين هذه "الصروح" الخاصة بالإصلاح والتأديب للخارجين علي القانون وقد جسد حسن حسني الممثل العتيد شخصية المأمور بملامح الرجل الصارم الظريف الفاهم لإنسانية المساجين واحتياجهم إلي التنفيس باستخدام "الرياضة". محمد إمام السجين الذي أدين في حادث سيارة وتسبب في مقتل مواطن دون قصد استطاع أن يحول السجن إلي ملعب وكون من المساجين فريق كرة قدم قادر علي المنافسة. وعلي تحقيق انتصار معتمداً علي خبرته كلاعب كرة مشهور وطموح. والمخرج معتز التوني صاحب روح فكيهة وفاهم "ميكانيزم" صناعة الضحك وردود فعل المتفرج. وفيلمه الأول "سمير وشهير وبهير" أعلن عن ميلاد صانع فيلم حَريف ومُولف علي انتاج الإفيه بالحركة ومن دون حوار علي سبيل المثال مشهد محمد إمام في أول ظهوره داخل دورة المياه وظهره للكاميرا وحركة لاستيعابه كرد فعل مفاجئ لاقتحام المكان وهو في عز الأمان فجرت طاقة الضحك عند الجمهور. وكذلك توظيف خصوصية ملامح كل ممثل داخل فريق الكرة المكون من المساجين تظهر حاسة المخرج الكوميدية وبالذات في حالة الممثلين أحمد فتحي وعلي ربيع. اللافت أن العملين المتنافسين "كابتن مصر" و"زنقة ستات" لا يتكئان علي نجوم من العيار الثقيل التقليديين المعروف عنهم القدرة علي تحمل تبعات فيلم وتحقيق المردود التجاري المجزي.. وتلك ظاهرة تستحق التوقف. واللافت أيضاً أن صناعة الكوميديا في السنوات الأخيرة ضمت كُتاباً من الشباب المتعلم والمُطلع علي الإنتاج السينمائي العالمي. والطموح للخروج عن القالب التقليدي والمعتاد من دون تجاهل الميراث الكوميدي المميز والخاص للمصريين "هشام ماجد. أحمد فهمي. وعمر طاهر. وكريم فهمي وآخرين" والمؤسف أن السوق السينمائي بات يتطلع إلي نوعية من المنتجين مختلفة عن القلة المسيطرة علي الصناعة بذوق وتركيبة فكرية وقناعات لا تخدم سوي الجانب التجاري السوقي للفيلم المصري.. مجموعة الممثلين في فيلم "كابتن مصر" رغم أنهم خارج المواصفات المعروفة لنجوم السينما المحظوظين.. فهم لا يمتلكون الوسامة ولا الوجاهة ولا المظهر الجذاب. ولكنهم موهوبون. وقادرون علي عمل فيلم "يكَسّر الدنيا" كما في حالة "كابتن مصر" وأعتقد أن "روح الفريق" في عمل لا ينفرد فيه ممثل بالبطولة المطلقة من العناصر التي خدمت "كابتن مصر". وموضوع الفيلم نفسه الذي يعالج الشغف الشديد برياضة كرة القدم ومعالجته بالأسلوب الكوميدي المتناغم مع مزاج الجمهور العاشق بدوره لهذه الرياضة أضاف إلي عوامل النجاح. علماً بأن العمل الأصلي المأخوذ عنه الفيلم يعتبر متواضعاً ولم يحقق النجاح الذي تحقق عن النسخة المصرية المقتبسة أو هذا يعني أن فكرة الاقتباس من أصول أجنبية لا توفر وحدها فرص النجاح وإنما المعالجة والقالب المحلي القُح الذي وصل إلي جمهور السينما هو الضامن الأول. حاول السيناريست أن يبث بعض رسائل جانبية إلي جانب الهدف الأول أو باستخدامه وأعني الترفيه الكوميدي الخالص من دون حذلقة. من هذه "الرسائل" إدخال شخصية الشاب المسلم الطيب والأب والزوج صاحب اللحية والزبيبة والطرحة البيضاء. والذي يوحي مظهره بأنه ينتمي إلي جماعة ولو انتماء أيديولوجيا عاطفياً ثم يستخدمه للإشارة إلي الظلم الأمني الذي تعرض له مع أنه برئ ولم يثبت تطرفه أو عدوانه بدليل أنه اقتنع في النهاية برياضة كرة القدم.. وانضم للفريق هذه الأقصوصة العابرة المرتبطة بأحد الأعضاء داخل فريق كرة القدم تلقي الضوء علي فكرة التضمين "Thclusiveness" أي ضم كل من لم يثبت إدانته إلي الفريق.. بمعناها الرمزي هنا أيا كان بغض النظر عن "الإيديولوجية" التي سوف تولد لاحقا وبالضرورة المواقف العملية. علي أي حال لا بأس من فكرة التسامح والتعايش وإثبات حُسن النية التي جسدتها أجواء السجن ورجال الأمن الحاكمين داخله. ومقولة يا ما في السجن مظاليم ليست جديدة وانما عمرها من عمر "الدولة". من الحواديت الفكاهية أيضاً حكاية الصعيدي وإعادة انتاج جزء من فيلم قديم "الهروب" بأسلوب فكاهي ساخر ثم حكاية البطل نفسه التي مرت بسرعة ولكنها رسمت بخبطات سريعة مشهداً كاريكاتورياً للأم الممثلة القديرة "هالة فاخر". الأفلام الجديدة التي تنافس بقوة الآن علي إيرادات الشباك تلقي الضوء علي أجيال جديدة من الممثلين وبأعمار مختلفة وقدرات تمثيلية متفاوتة ولكنها في النهاية تشكل أساساً متجدداً لصناعة الترفيه الشعبي وتنعش وسيط الفيلم بعيداً عن الميزانيات الكبيرة التي تثقل العملية الانتاجية بنجوم انتهي عمرهم الافتراضي سينمائياً. فيلم "كابتن مصر" لا يتضمن راقصة ولا مطرباً ولا جنساً وعرياً ولا العناصر الرئيسية التي اعتدنا علي مشاهدتها. ورغم ذلك يحقق إيرادات كبيرة وتنفي لوازم الابتذال والخشونة اللفظية والتشوهات الأخلاقية المدانة بالمعايير الفنية.