كل التقارير الخاصة بالمتقدمين للترشيح في الانتخابات البرلمانية القادمة تجمع علي أن أعضاء الحزب الوطني المنحل يتصدرون المشهد.. هم وأقرباؤهم وأصدقاؤهم.. وصار هناك تسليم عام بأن هؤلاء الذين يوصفون ب "الفلول" سوف يحصلون علي عدد من المقاعد لا بأس به.. خصوصا في دوائر الصعيد حيث تكون الأولوية في التصويت للعصبية القبلية والعائلية.. وحيث يتحكم النفوذ والمال. وهؤلاء الفلول سيكونون عبئا بلا شك علي البرلمان الجديد.. لأنهم سوف يمارسون دورهم بنفس الطريقة التي كانوا يمارسون بها قبل الثورة.. والتي لا يعرفون غيرها.. وسوف يفرضون منهجهم وطريقتهم علي البرلمان وعلي الحكومة.. وساعتها سوف نكتشف أن التغيير الكبير الذي كنا ننتظره من الثورة لم يتحقق.. فالذين يجلسون علي المقاعد هم نفس الوجوه.. وطريقتهم هي نفس الطريقة. وإذا كنا نتساءل اليوم عن الإيجابيات التي حققتها الثورة بعد عشرة أشهر فسوف نتساءل غدا عن الإيجابيات التي حققتها الثورة في ظل برلمان الفلول. وإذا كنا نشعر بالحزن اليوم لأن الثورة لم تحدث التغيير الكبير المنتظر مما دفع البعض إلي اعتبارها انتفاضة ليس أكثر.. فإن هناك تخوفا حقيقيا من سيطرة الفلول علي البرلمان القادم وعلي الحياة السياسية وإحداث هزة عنيفة في ثقة الناس في الثورة لإحباطهم. لقد نجحت الثورة في الإطاحة بالنظام الفاسد المستبد.. وقضت علي الرءوس والرموز.. وأعطتنا الأمل في بناء نظام ديمقراطي يسمح بحرية تشكيل الأحزاب وبقاء رئيس الجمهورية فترتين فقط في الحكم لمدة 8 سنوات.. وانهت سيطرة رأس المال وأمن الدولة علي حياة المصريين.. وكل هذا رائع بلا شك لكنه لا يكفي. الناس الذين سوف يذهبون إلي صناديق الاقتراع لن يعطوا أصواتهم لهذا الأمل فقط.. لكنهم يريدون أن يروا إنجازات حقيقية للثورة علي أرض الواقع تعود عليهم بالفائدة.. وترجح كفة النظام الجديد عندما يكون مطلوبا من الناخب أن يختار بين مرشح الثورة والفلول. هؤلاء الناخبون سوف يسألون.. ولا نستطيع أن نمنعهم من السؤال: ماذا قدمت لنا الثورة بعد حوالي عشرة شهور من عمرها؟! لم يروا إصلاحا وظيفيا ولا إصلاحا زراعيا.. ولم يروا أمنا وأمانا وإنما رأوا فوضي عارمة وصراعات حزبية وطائفية.. وسمعوا كلاما كثيرا محبطا ومثيرا في الفضائيات.. وشاهدوا زعامات تقول كلاما بعيدا عن الواقع.. ولا يصمد أمام الحقائق.. ورأوا مظاهرات فئوية تخرج وتنتهي بلا قرار. هؤلاء الناس تأثروا كثيرا في دخولهم من الثورة.. وإن كان المثقفون يتحملون مثل هذا التأثير السلبي علي أنه ثمن الحرية فإن أحدا لا يستطيع إقناع القاعدة العريضة للناخبين في القري والمدن بشئ من هذا المنطق. ثم.. ماذا فعلت الأحزاب التي تخوض المعركة الانتخابية في مواجهة الفلول المتربصة؟!.. للأسف لم تفعل شيئا.. وتفرغت للصراع والنزاع علي الكعكة قبل إعدادها.. ومارست أسوأ ألوان الانتهازية السياسية فيما يجد علي الساحة من قضايا. لقد حاولت هذه الأحزاب الحصول علي قانون من المجلس العسكري بعزل الفلول سياسيا.. لأن هذا هو الطريق الأسهل.. أما الطريق الصعب فهو منازلة هذه الفلول أمام صناديق الانتخابات وهزيمتهم.. وهذه معركة ليست مضمونة العواقب لأن الشارع المصري لم يشعر جيدا بمزايا الثورة والتغيير الكبير الذي أحدثته.. وخاصة في القري والنجوع. الأكثر من ذلك أن حكومة الثورة وأحزاب الثورة غاب عنهم جميعا الخطاب السياسي الطموح الذي يفتح شهية المواطن ويعطيه الأمل ويبشره بحلول جذرية لمشاكله اليومية مع المواصلات والأمن والخبز والخضراوات والكهرباء والمياه والغاز والمرتب والتأمين الصحي وما إلي ذلك. هل فقدت الثورة رؤيتها للمستقبل؟! بالتأكيد لا.. ولكن الذين قاموا بالثورة.. اكتفوا - فيما يبدو - بإزاحة النظام الفاسد وتركوا مهمة بناء النظام الجديد للسياسيين والبيروقراطيين والتكنوقراط.. وهؤلاء أثبتت التجربة أنهم بلا رؤية وبلا خيال.. فقد تفرغوا لحل الأزمات بنفس طريقة النظام السابق فزادوها تعقيدا.. ولذلك يجب عليهم وعلي الأحزاب أيضا المسارعة إلي الاتصال برجل الشارع.. بالناخب.. وإلا سوف يتركهم ويذهب للفلول.