الانتهازية وانتظار اللحظة لجمع الغنائم بعد انقشاع غبار المعارك.. هذه هي السمة الغالبة لدي قطاع كبير من بعض المثقفين والمحسوبين علي الثقافة.. لم نر أكثرهم في ميدان من ميادين الثورة ضد التطرف والإرهاب وحكم الإخوان. بل إن بعضهم لا يتخذ موقفاً إلا بعد حساب المكسب والخسارة. وبعضهم يتعاطف مع تنظيمات الإرهاب ويعلن العكس. وبعضهم يفتح كل منافذ الثقافة الرسمية لتسلل الإخوان إلي المجلس الأعلي للثقافة. وقصور الثفافة وسائر مفاصل وزارة الثقافة المخذولة في معركة التطرف. والتي لا نعرف متي يعلنون إنقاذها. أو وفاتها!! وإذا كان هناك قطاع من المثقفين الوطنيين الصامدين في مواجهة كل أشكال التطرف والفساد فإن هذا القطاع غير ممكَّن من فعل شيء يتجاوز التحذير والتنبيه والمطالبة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه ووقف تسلل المتطرفين إلي بعض مفاصل الدولة. وخاصة في مجال الثقافة.. والظاهرة المؤكدة أن هناك انقساماً حاداً بين هؤلاء المثقفين بين يمين ديني متطرف. ويسار متطرف كذلك اشتراكيين ثوريين ثم دعاة التحلل والانفلات الأخلاقي تحت دعاوي الحريات.. والمحصلة النهائية أن دور المثقف المصري والعربي في هذه المعركة المصيرية بين فكرة الدولة في مواجهة العصابة. وفكرة المستقبل في مواجهة الماضي. وفكرة الاعتدال في مواجهة الشطط والانحراف.. دور المثقف هنا يقع في الصفوف الخلفية. إن كان له دور!! هذا ما يتفق معنا فيه المفكر والناقد الكبير الدكتور شاكر عبدالحميد وزير الثقافة الأسبق. في حكومة كمال الجنزوري وقد كان هو نفسه ضحية المد الكبير لتنظيم الإخوان المتطرف. قبل أن يثور عليه الشعب في 30 يونيه. لا معدوم.. ولا بارز!! حول دور المثقفين والمبدعين في المواجهة يقول د.شاكر: نعم هم في الصفوف الخلفية من هذه المعركة.. لكن هذا لا ينفي أن كل مثقف حقيقي لديه حمية وحماس للدفاع عن وطنه ضد أي خطر يحدق به. فلا يمكن أن يكون هناك معني بالثقافة ولا يهتم بقضايا الوطن. وفي الصدارة منها التنمية ومحاربة الإرهاب.. لكن أساليب المواجهة تتباين وتتنوع. ما بين قصيدة شعر ومعزوفة موسيقية ولوحة تشكيلية ودراسة نقدية أو اجتماعية وسياسية. وبعض المثقفين يشارك بفاعلية في مؤتمرات الدولة وندواتها ومطبوعاتها التي تتعلق بمقاومة التطرف.. فدور المثقفين غير مباشر. فلا هو معدوم ولا هو بارز. وحول ما تعانيه جماعة المثقفين من انقسامات وتشرذم وتناقض وتضارب مصالح.. يؤكد د.شاكر أن هناك أطيافاً كثيرة من الثقافة والمثقفين من يمين ويسار وبينهما فئة أكبر في الوسط تنادي بالاعتدال والقيم المصرية الأصيلة التي من بينها التكافل والتعاون والتكامل بين فئات المجتمع. من ناحية الماضي وما يشمله من تراث والحاضر وما يضمه من أساليب حياة معاصرة وتفاعلات. ومستقبل يرتبط بالإبداع لكنه أيضاً لا ينفصل عن الماضي والحاضر. والمسئول عن هذه الانقسامات هو أننا نعيش الآن فترة من عدم اليقين. ومن البحث عن روح جديدة لمصر الجديدة.. ولذلك يشعر كثير من المثقفين وغيرهم بنوع من اضطراب الهوية لأن الهوية المصرية التي كنا نعرفها قد تغيرت الآن علي نحو سريع ومفاجئ. وأحياناً ما نصاب بالدهشة والاستغراب من أن هذه قد أصبحت أخلاق المصريين. حيث سادت اللامبالاة والأنانية والتكالب علي المصالح الصغيرة. وتراجع الاهتمام بالقضايا الوطنية والإنسانية الكبري. حول بصمته هو فترة توليه الوزارة بشأن مواجهة التطرف ونشر الاستنارة والوعي يقول د.شاكر: كانت لي رؤية في حدود المدة التي أتيحت لي وهي خمسة أشهر. حاولنا خلالها أن نعيد الثقافة إلي الواجهة مرة أخري بعد تراجعها إثر ثورة 25 يناير وانتشار حالة الارتباك والشك وفقدان القيمة التي سادت المجتمع كله. وكان ضمن خطتنا هذه إعادة النشاط الثقافي إلي مجراه الطبيعي. فأعدنا معرض الكتاب بعد توقفه. وافتتحنا عدداً من قصور الثقافة والمسارح والمؤتمرات. ومنها مؤتمر: "الثورة والثقافة" و"فنون الطفل".. ودعمنا مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية. وأصدرنا عدداً من المطبوعات والسلاسل الجديدة. وبدأت الأوبرا تستعيد دورها وكذلك هيئة الكتاب. الفساد.. وأجهزة الرقابة أما حالة الفساد وتسلل المتطرفين المنتمين لتنظيم الإخوان والمتعاطفين معه إلي مواقع الثقافة الرسمية.. فيذكر وزير الثقافة الأسبق أن هذه مهمة الأجهزة الرقابية التي عليها أن ترصد وتتحرك وتكشف هذه الظواهر.. والنتيجة هنا ستكون محصلة لتعاون هذه الأجهزة مع رؤساء القطاعات والهيئات المعنية بالأمر.. ومن يهرب من المسئولية يحاسب. ومن يثبت تورطه أو تواطؤه يحاسب. ويستشرف د.شاكر عبدالحميد ما ينبغي أن تكون عليه وزارة الثقافة في المرحلة القادمة مركزاً علي عدة نقاط. منها: إعادة هيكلة الوزارة نفسها. وتنشيط التعاون بينها وبين الوزارات الأخري وخاصة التعليم والأوقاف والشباب والرياضة وهيئة الاستعلامات.. وأن يتحول قطاع الصناعات الثقافية الإبداعية إلي قطاع أساسي في الوزارة.. والمقصود بهذه الصناعات هو الحرف اليدوية والسينما والمسرح والفنون التشكيلية والبرمجيات والسياحة وفنون النشر. وغيرها من الإبداعات من أجل تحقيق ربح أو مصدر دخل إضافي للدولة. وهذه الصناعات الإبداعية هي السائدة الآن في الصين. وتحصل منها علي 5% من دخلها القومي.. بالإضافة إلي توفير فرص عمل وأن تصبح الثقافة محوراً أساسياً من محاور التنمية. فتنتقل من الترفيه والتسلية إلي زيادة الدخل القومي وتوظيف الشباب.