كانت الجدران تحمل توقيعا بالرضا فتسلمك كل لوحة لذكري.. وتنقلك في بساطة لفلسفة الليالي.. لتجد ليلة بتوقيعك أنت لذكريات الفرح والألم. افتتح الفنان الدكتور رضا عبد السلام معرضه بجاليري "ضي" بالمهندسين السبت 23- سبتمبر- 2017. ويعتبر الدكتور رضا أحد أبرز فناني مصر المعاصرين وهو أستاذ للتصوير الجداري بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة. وعضو بالعديد من اللجان الفنية منها لجنة الفنون التشكيلية بالمجلس الأعلي للثقافة. ولجنة جوائز الدولة. ولجنة ملتقي الأقصر الدولي واللجنة العلمية لترقي الأساتذة بجامعة حلوان. أثري الحياة الفنية والثقافية بمعارضه ومشاركاته فقد أقام 41 معرضا خاصا في مصر وروما والكويت وأذربيجان وبودابست إلي جانب مشاركاته بالمعارض الدولية والمحلية منذ عام 1981. وله العديد من الكتب منها كتاب "الرسم المصري المعاصر- 2002" وكتاب "فنانون مصريون بين الأصالة والحداثة- 2015" وله تحت الطبع كتاب "نصوص بصرية فوق جدران متهالكة".. وحصل علي العديد من الجوائز في الرسم والتصوير. عبد السلام فنان ومصور وله تجارب في مجال التشكيلات النحتية ورسام صحفي لسنواتي طويلة. ومن هنا كان اهتمامه الكبير بطريقته في التعبير بشكل حداثي عن كل المضامين الإنسانية والجمالية. فانطلق علي مدار سنوات يصيغ أشكالا من التعابير والرؤي للإنسان والبيئة والأماكن فكان في كل مرحلة فنية يعكس فكره وقلقه وتناقضاته أحيانا فتتأرجح فرشاته بين الحزن وروحه المرحة. وبين الجدية والحسم والسخرية ووضعها كلها داخل إطار من التعبير اللوني الصارخ بالعلاقات والنابض بالحياة. يعتبر صاحب نزعة تجريبية خلاقة استطاع من خلالها توظيف الكولاج أو قصاصات الصور داخل أعماله بشكل لا تشعر فيه أبدا بوجود تنافر بل إنه مزج يفصح عن رؤي وإسقاطات لاشعورية تتجاور فيها العناصر والأشكال في تآلف وتناغم لوني وتكويني مما يؤكد علي انعكاس المواد لما تحمله الروح. كانت مجموعة من لوحاته تحمل اسم "وطن النعم والمسرات" قال في كلماته للتعبير عنها: "يا وطني.. كيف لي أن أشاهدك وألامسك وأحدثك وأعايشك. لأرسمك وأعبر عنكَ بإحساس وبساطة وعنفوان.. من أي نقطة أبدأ إطلالتي. ومن أي زاوية أحدد مسارك وملمحك. وهويتك ونبضات قلبك المتسارعة". وتساءل: "هل يفلح الفن معي في التعبير عن كل ما هو جميل وفتان فقط مثلما فعل البعض.. أم سيظل علي حاله قيد التعبير عن قلق المشاعر الدفينة والأفكار الناقدة المتمردة وتجليات اللحظة الآنية وسر الطاقة الكامنة؟" ثم أوضح لنا تلك الجدلية الأبدية التي دوما ما يعيشها الفنان فقال: "أظنني منذ البداية قد عقدتُ العزم علي الاختيار بين موقفين متباينين أحدهما الفن الجميل والآخر هو الفكر والمعاناة.. فاخترت الثاني". هو فنان يستند علي أساس قوي من قيم التصوير الكلاسيكي الأصيل يؤكد دوما علي مقولة "إذا أردت أن تكون حداثيا بحق.. فعليك أن تكون تراثيا بحق". إلي جانب قوته في التعبير اللوني التلقائي مستندا إلي رمزية فلسفية تقترب من الرمزية الساخرة لمدارس العبث في الآداب والمسرح. مشكلا فكره من خلال نسق بنائي هندسي يعيد ترتيب العالم بصورته التجريدية البحتة التي تختلف عنده من عمل لآخر ولوحة لأخري فلكل منها حالة وموضوع وصيغة تشكيلية وبصمة بصرية وجمالية تميزها عن غيرها. عن مجموعة "ليالي البهجة في وطن المتناقضات" أوضح أن الصورة الذهنية العالقة بالذاكرة البصرية والوجدانية للمصريين قد تخلق شكلا من أشكال الاغتراب إذا ما قورنت بالصورة الحالية لما نعيشه في حياتنا اليومية.. وهذا التناقض بين الماضي والحاضر يوجد مشاهد متنوعة لانعكاسات فكرية تستلزم خيالا وصيغا تشكيلية غير تقليدية للتعبير عنها بآداء واع ووسائط تعبير جديدة مناسبة وبالتالي يصبح اللون بتدرجاته وكثافته وطبقاته وتبايناته في المساحات. وتجريدية انطلاقة فرشاته ووضع لمسات من الكولاج التي رسمها الفنان "رضا عبد السلام" سلفا لصفحات مجلة "المصور" وغيرها في محاولة لتوظيفها كرمز لنوستالجيا خاصة به وكأنه في لوحاته بهذه المجموعة يقارن بين ذاته وذاته.. يالها من جدلية وضعنا الفنان داخلها..!! والألوان لديه تحمل معاني رمزية فنجده تارة يرسم القمر أبيض وتارة أحمر ومراتي أخري برتقاليا أو أخضر. فعلاوة علي هذا النسق الفكري الذهني وضع نسقا فنيا يسمح يتحرير لغة الخطاب البصري من الإطار النمطي لينطلق به إلي عوالم أكثر رحابة وأكثر تمردا وحداثة مع تجاوز ارتباطه بكل ما هو متعارف عليه بصريا. إنه طاقة وبهجة وانطق.. حركة وسكون وحنين.. ألوان تتقافز فيها مصريته وتعترف بمكنون روحه من قلق المبدع الذي يهدأ. من روح الطفولة لرصانة الروح» ليلقيهما في مدي الوان فتعبر القارات والمحيطات وبريشته ينقل "شارع المعز" وغيره من الاماكن التي رسخت بذاكرتنا إلي لغة تشكيلية عالمية يراها كل مشاهد ومتذوق لابداعه. الأشخاص داخل لوحاته عادة بلا ملامح ورغم أنه قد يعطينا انطباعا بأنه تغمرهم حالة عدم وعي بالذات لكني أري أنه تغمرهم الحياة بكل متناقضاتها.. شكرا د.رضا علي متعة بصرية وحوار شيق أدخلتنا فيه بعالمك المليء بالمتناقضات المتناغمة وكأنها مقطوعة موسيقية سنظل نسمعها بذاكرة الروح. ولتثبت لنا أن وطن الفن الخالص هو "وطن النعم والمسرات" وملاذ الآمنين من شرور الحياة علي الأرض.