"في المجموعة القصصية" "رحيل السنط" للكاتب الطيب أديب . يبدو الكاتب هنا منحازًا للبسطاء والمهمشين في القرية . وينسج أساطير أو- علي وجه الدقة - يوثق للأساطير المنتشرة في قري الجنوب . يتجلي هذا الانحياز في قصص المجموعة التي نستعرضها . ففي قصة "ذو العباءة البيضاء" يبرز الولي. أو شخصية الرجل الصالح كما يراها أهل القرية. ويحملونها الكثير من أحلامهم وطموحاتهم ويستنجدون بها ويستدعونها كلما حلت بهم ضائقة . أو ألمّ بهم أمر. وقد تمكن الكاتب من اسقاط الأدوات والآليات المادية علي واقع القرية من خلال شخصية الابن الذي يمثل المستقبل . ثم يعود الكاتب ليؤرخ للأسطورة من جديد في قصة "أبوجبل" حيث يسرد حكاية قاهر الجن . وهي الحكاية التي تعيش في وعي القرويين ونسمعها في كل قري الجنوب . والكاتب ينقل صورة شديدة الصدق للقرية المصرية . وقد كان حريصًا علي نقل التفاصيل بدقة متناهية . وكأنك تسير معه في رحلة عبر دروب القرية . تتنفس نسيمها . وتسمع زقزقة عصافير تحط فوق أشجارها . نستطيع أن نلمس ذلك في قصص "ذوالعباءة البيضاء" . "سر النخيل" . "الدائرة. جدتي والحلم" . "عودة الصعاليك" . "ذلك السر" . "أبوجبل" وغيرها من قصص المجموعة . والكاتب هنا يسعي إلي تحقيق الهداية لهؤلاء البسطاء » حتي تتحقق لهم السعادة في عالم يسوده التهميش والإقصاء لهم . فنجد في قصة ذوالعباءة البيضاء يأتي بطل القصة الفارس ذوالعباءة البيضاء فيوقظ البسطاء ويأتي لهم في المنام في صورة فارس نوراني يرتدي عباءة بيضاء ثم يأتي يقودهم ليخلصهم من الذئاب المفترسة التي هجمت علي القرية ولكنه سرعان مايختفي بعد ظهور فارس صغير من أهل القرية يرتدي العباءة ويمتطي جواده ليحل محل ذي العباءة البيضاء..! وقد رسم الكاتب شخصياته منذ السطور الأولي في مجموعته عندما أهدي المجموعة "إلي الذين يكابدون في الأرض . ويرحلون في صمت . فلا يسمع عنهم أحد" . ثم يمعن الكاتب في تحديد ملامح الشخصيات . كأنه ينحت في الحجر ليخرج من تحت إزميله . آلهة من العصور القديمة وليست شخصيات تعيش بيننا من لحم ودم . ومن أبرز شخصيات المجموعة : أبوجبل: هو القوي الشكيمة الشجاع . الغاضب. الباطش . في المقابل أهل قريته سلبيون خانعون . ثم مهللون للبطل . ينتصر الكاتب لفضيلة الشجاعة لدي البطل بينما لا يأبه لأهل قريته البسطاء ربما للشجاعة التي يحظي بها . والتي أظهرت قبح الجبن والخنوع والذل . نجوم البلد: الذين هم كالأخطبوط . كلما رحل واحد جاء خمسة غيره وثمانية وعشرة. وهي الشخصيات التي تتميز بخفة العقل. أو الجنون الكامل إذا جاز التعبير. هذه الشخصيات يحاول الكاتب أن يصنع منها المفارقة. ويستكنه الحكمة من أفواههم . لكن ذلك جاء بشكل يبتعد عن الفنية . وتفوح منه رائحة الاصطناع قليلاً . فهل من الأنسب نقل الشخصيات بكاملها علي الورق.وبنفس الأسماء مع تحوير بسيط عليها أحيانًا . ألا يصنع ذلك نوعًا من تشويش الأفكار لدي المتلقي والابتعاد عن العمق . ألا تصنع السخرية قدرًا من الطاقة السلبية نحو هؤلاء البائسين الذين ليس لهم ذنب سوي ضعفهم أمام التحديات التي واجهتهم. وعدم قدرتهم علي التكيف مع المجتمع. بنفس المقدار الذي استطاع الأسوياء أن يفعلوا . بينما نجد من الأسوياء الغشاش والمخادع والقاتل وهاتك الأعراض وغيرهم ممن يحملون الكثير من الأمراض الاجتماعية . عم عبدالهادي: الشخصية البطلة في القصة التي تحمل عنوان المجموعة "رحيل السَّنط" . والتي اجتهد الكاتب في نقلها وتهذيبها. كما يفعل عم عبدالهادي. فيهذب بفأسه قطع الخشب . ويزيل الأشواك والأجزاء الضارة التي لن تنفع الناس . فعل كاتبنا ذلك ببراعة ليقدم لنا نموذجًا فريدًا من القرية الجنوبية»ليستدعي عبرها معاني الأصالة والرسوخ . وضرورة تمسك القرية المصرية بالأخلاقيات التي توارثوها عبر تاريخهم ولا يفرطوا فيها تحت ضغوط مظاهر العولمة التي ظهرت . وجعلت القرية المصرية كالمسخ . لا هي تحفظ تاريخها . ولا تحقق نقلة حضارية بشكل موضوعي وحقيقي . والكاتب هنا كمن يبكي علي الأطلال . يبكي القيم الأصيلة التي تندثر وترحل مع آخر الأصالة والتشبث بالأرض الطيبة ترحل مع أشجار السَّنط التي تصطف في شكل بديع علي جسر القرية الغربي . تعهد نبيل: الكاتب في مساحة كبيرة من العمل مرهون بتعهدي نبيل قطعه علي نفسه . أن يتبني قضايا المهمشين والفقراء . لذا جاءت رؤيته من منطلق الذات العالمة . كالذي يمسك بالقلم . أو مبضع الجراح . أو فاس عم عبدالهادي كلهم سواء هنا . هو المثقف العليم ببواطن الأمور. الذي ينقل خبرته وأفكاره . ويكتب وصاياه العشر » لتعين البسطاء علي الخلاص من مشاكلهم . وتساندهم في طريقهم نحو تحقيق أحلامهم وطموحاتهم الغائبة . يكتب لهم دستورًا . وهم المنشغلون في الطرقات يلعبون السيجه ويذهبون إلي الحقل ويعودون بصحبة المحاصيل والخيبات أيضًا . المجموعة رغم مضي زمن علي كتابتها . إلا أنك تشعر بمتعة حقيقية وأنت تطالعها . وتعيد قراءتها كأنك تقرأها لأول مرة.