محافظ القاهرة يقرر النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بالثانوى العام    ارتفاع أسعار النفط مع تجدد المخاوف بشأن إمدادات الخام الروسي    عملية جدعون الثانية..وزير الدفاع الإسرائيلي يصادق على خطة اجتياح مدينة غزة    بالفيديو.. القاهرة الإخبارية: القافلة 19 من سلسلة قوافل العزة انطلقت باتجاه قطاع غزة صباح اليوم    أسرة اللاعب محمد الشناوي تستعد لتشييع جنازة والده    مواعيد مباريات الأربعاء 20 أغسطس - الدوري المصري.. ونصف نهائي السوبر السعودي    اليوم.. نظر محاكمة المتهم بابتزاز الفنان طارق ريحان في الطالبية    طلاب الثانوية العامة بالنظام الجديد يؤدون امتحان الدور الثاني في الرياضيات البحتة    «الرعاية الصحية» تتعاون مع مصرف أبوظبي الإسلامي لدعم مشروعات التحول الرقمي    مذكرة تفاهم للتعاون بين «قناة السويس» وحكومة طوكيو في مجال الهيدروجين الأخضر    محافظ القاهرة يعتمد امتحانات الدور الثاني للشهادة الإعدادية    ويجز يحيي حفلا بمهرجان العلمين الجمعة 22 أغسطس (اعرف شروط الدخول)    قبل عرض الحلقة الأخيرة من «بتوقيت 2028».. تفاصيل ثالث حكايات «ما تراه ليس كما يبدو»    تنسيق الدبلومات الفنية 2025 .. كليات ومعاهد دبلوم تجارة 3 سنوات وتوقعات الحد الأدنى للقبول    مزاج المصريين.. قهوة الفلتر الخيار الأمثل وطريقة خطأ لتحضير «الإسبريسو» تعرضك للخطر    أسعار الأسماك والخضروات والدواجن الأربعاء 20 أغسطس    الرهائن ال20 والإعمار، ويتكوف يكشف وصفة إنهاء حرب غزة    "تفوق أبيض وزيزو الهداف".. تاريخ مواجهات الزمالك ومودرن سبورت قبل مباراة الدوري    الكشف عن طاقم تحكيم مباراة الزمالك ومودرن سبورت بالدوري    البيت الأبيض يُطلق حسابًا رسميًا على "تيك توك".. وترامب: "أنا صوتكم لقد عدنا يا أمريكا"    د.حماد عبدالله يكتب: كفانا غطرسة.. وغباء !!    صعبة وربنا يمنحني القوة، كاظم الساهر يعلن مفاجآت للجمهور قبل حفله بالسعودية (فيديو)    حمزة نمرة عن أحمد عدوية: أستاذي وبروفايل مصري زي الدهب»    تحدث بصوتك لغة أخرى، إطلاق الدبلجة الصوتية في فيسبوك وإنستجرام    مواعيد صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 والحد الأدنى للأجور.. احسب مرتبك    المناعة الذاتية بوابة الشغف والتوازن    10 صور ترصد استعدادات قرية السلامية بقنا للاحتفال بمولد العذراء    أول تعليق من محمد صلاح بعد التتويج بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي    31 مليون جنيه مصري.. سعر ومواصفات ساعة صلاح في حفل الأفضل بالدوري الإنجليزي    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025 بالصاغة بعد آخر انخفاض    فبراير المقبل.. انطلاق مهرجان المنصورة الدولي لسينما الأطفال    خلال بحثه عن طعام لطفلته.. استشهاد محمد شعلان لاعب منتخب السلة الفلسطيني    فلكيا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر وعدد أيام الإجازة الرسمية للموظفين والبنوك    موعد بدء تنسيق المرحلة الثالثة 2025 ونتيجة تقليل الاغتراب (رابط)    محافظ شمال سيناء يلتقى رئيس جامعة العريش    مصدر أمني ينفي تداول مكالمة إباحية لشخص يدعي أنه مساعد وزير الداخلية    مصطفى قمر يهنئ عمرو دياب بألبومه الجديد: هعملك أغنية مخصوص    ترامب يترقب لقاء بوتين وزيلينسكي: «أريد أن أرى ما سيحدث»    حسام المندوه: بيع «وحدت أكتوبر» قانوني.. والأرض تحدد مصير النادي    الإليزيه: ربط الاعتراف بفلسطين بمعاداة السامية مغالطة خطيرة    جولة ميدانية لنائب محافظ قنا لمتابعة انتظام عمل الوحدات الصحية    احتلال غزة، استعدادات عسكرية إسرائيلية واسعة واستدعاء 50 ألف جندي احتياط    أكلة لذيذة واقتصادية، طريقة عمل كفتة الأرز    بالزغاريد والدموع.. والدة شيماء جمال تعلن موعد العزاء.. وتؤكد: ربنا رجعلها حقها    المقاولون يهنئ محمد صلاح بعد فوزه بجائزة أفضل لاعب فى الدوري الإنجليزي    أحمد العجوز: لن نصمت عن الأخطاء التحكيمية التي أضرتنا    1 سبتمر.. اختبار حاصلى الثانوية العامة السعودية للالتحاق بالجامعات الحكومية    هشام يكن: أنا أول من ضم محمد صلاح لمنتخب مصر لأنه لاعب كبير    تخريج دفعة جديدة من دبلومة العلوم اللاهوتية والكنسية بإكليريكية الإسكندرية بيد قداسة البابا    رئيس وكالة «جايكا» اليابانية مع انعقاد قمة «التيكاد»: إفريقيا ذات تنوع وفرص غير عادية    حملة مسائية بحي عتاقة لإزالة الإشغالات وفتح السيولة المرورية بشوارع السويس.. صور    «مصنوعة خصيصًا لها».. هدية فاخرة ل«الدكتورة يومي» من زوجها الملياردير تثير تفاعلًا (فيديو)    بعيدًا عن الشائعات.. محمود سعد يطمئن جمهور أنغام على حالتها الصحية    هل الكلام أثناء الوضوء يبطله؟.. أمين الفتوى يجيب    تعدّى على أبيه دفاعاً عن أمه.. والأم تسأل عن الحكم وأمين الفتوى يرد    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    أمين الفتوى ل الستات مايعرفوش يكدبوا: لا توجد صداقة بين الرجل والمرأة.. فيديو    الشيخ خالد الجندى: افعلوا هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ندوة "رابعهم كلبهم " .. قصص حول سقوط الإنسان في دوائر الخوف
نشر في محيط يوم 21 - 01 - 2009

نقاد يناقشون المجموعة القصصية الجديدة
"رابعهم كلبهم " .. حالة سقوط الإنسان في دوائر الخوف
محيط – شيماء عيسى
جانب من الامسية النقدية
ظهرت بالأسواق مؤخرا المجموعة القصصية " رابعهم كلبهم " للأديب والصحفي الشاب هيثم خيري ، وهي في مجملها تصطحب القاريء في رحلة بين البشر وتطور مخاوفهم من بعضهم ومن الحياة ومن المجهول من الطفولة وحتى الكهولة .وقد شهد مقر حزب التجمع المصري أمسية ناقشت المجموعة الجديدة ، والتي تعد أول كتاب منشور لمؤلفها وصادرة عن سلسلة الكتاب الأول بالمجلس الأعلى للثقافة . شارك في مناقشتها كل من النقاد الأدبيين أسامة عرابي و فتحي إمبابي و د. يسري عبدالله .
المجموعة تعيد تقاليد فن القصة القصيرة وتحدو بنا للثقة في مستقبلنا الأدبي وفرسانه الذين يرتادون أصقاعا بكرا مقدمين فنا رائقا للشارب ، هكذا وصفها مدير الأمسية أسامة عرابي ، ورأى أن هيثم خيري قدم مجموعة تتمتع بروح الفكاهة وتعبر بصدق عن تناقضات الحياة .
وقال أن القاص يرجعنا إلى ما انتهت إليه مناقشات أدباء روسيا في ثمانينات القرن الفائت ؛حيث استبدل الأدباء البطل المثالي في أعمالهم بأبطال آخرين ( عاديين ) من قلب الحياة يصعدون على خشبة المسرح معبرين عن تفاصيل معيشية غاية في الواقعية ، وهذا ما دفع الأديب الكبير تشيكوف للقول بأن ما يجب كتابته للمسرح هو مشاهد عن أناس يأكلون ويتمزاحون ويتبادلون أشياءا سخيفة ، وليس أبطالا فوق العادة في الحكمة والشجاعة والمثالية .
حالات من الفوبيا
تنقسم المجموعة إلى قسمين الأول بعنوان "فوبيا" ويشمل سبع قصص ، والثاني أسماه "المتاهات" وحوى ثماني قصص . ونجد أن القسم الأول عبر عن مخاوف مرضية لأبطاله صغار السن من أشياء مثل الجنيات والحيوانات وغيرها ، لننتقل في القسم الثاني لأنواع أعقد من المخاوف الإنسانية .
الناقد أسامة عرابي
في قصة " وليمة توت " نقرأ على لسان البطل ، وهو طفل قروي صغير : " قبل نهاية الترعة بقليل تهزم خوفك - للحظة - وتترك ذيل أمك ، تلتقط طوبة مجعلصة ، وترشق بها شجرة التوت الكبيرة التي تعتلي رأس غيط عم علي المجنون ، تقذفها بعزم ما فيك ، فتتدحرج حبات التوت السوداء ، أمام عينيك . أمك تلاحظ أن ذيلها المشدود لم يعد مشدودا ؛ فتنظر خلفها في نفاد صبر ، تنهرك مجددا وتحلف بأيمانات المسلمين أنك إن لم تنجر أمامها ستتركك للفأر والكلب والحية والذئب والعفريت .
مرغما تعاود السير أمامها ، غير أنك تحسد الفأر والكلب والحية والذئب والعفريت على أنهم سيأكلون التوت اللامع ، دون أن تشاركهم الوليمة " .
أما الطفل مازن في قصة "نصف ليلة مظلمة" فتبيت أمه عند خالته بالدور الأرضي تاركة إياه وأخواته ينامون في الشقة فوق ، والأخوة يقصون عليه حواديت مرعبة وهو يصدقها تماما لأنه مرتبط بطبعه بالأساطير ونقرأ ما يدور بداخله حينما بقي سهرانا ونام الأخوة : " ليس هناك صوت سوى نباح الكلاب ، وعواءها ، وبعض خرفشات القطط في صفائح الزبالة بالخارج ، أصوات خناقها ومغازلتها وبكاءها يصله عبر الباب ، مما يزيده قلقا وخوفا . يفكر بداخله :
- أنزل عند ماما ؟ !
هو يخشى انتعال الشبشب والخروج إلى باب شقة خالته ، فما بالك لو فكر - مجرد تفكير - في النزول على السلالم المظلمة في هذه الساعة المتأخرة !
سلالم البيت مثل البئر العميقة ، إذا فاجأه جني وخضه سيقع بسهولة ؛ لعدم وجود درابزين ، حتى إذا استطاع النزول للأرضي لن يفتح له أحد . سيظل ينقر الباب دون جدوى ، فقط سيخترق الظلام حبة قلبه ، فيصيبه في مقتل ، سيتحاصره جنيات وعفاريت المنور ، لا سيما السيدة السوداء ذات الوجه الذي هو في حجم الكف ... "
في قصة " أصوات ليلية " نرى الخوف من الأصوات ؛ فالطفل يشعر برهبة من سماع الكلاب والضفادع ، وفي المجموعة يقول البطل " كل شيء أخشاه حين يأتي المساء قريتنا " ، حتى صوت العم حينما ينهره فإنه يبدو مفزعا للغاية . ويقسم علماء النفس الفوبيا ( الخوف المرضي ) إلى بسيطة مثل الخوف من الحيوانات ، وفوبيا مركبة وتسمى "الأجورا فوبيا " مثل الرهبة والتوتر في الأماكن المزدحمة والتجمعات ، كما أن هناك الفوبيا الاجتماعية وهي خشية الناس .
القسم الثاني من المجموعة رأى الناقد أنها جاءت بتفاصيل واقعية ولغة مركزة بعيدة عن الرومانسية ، كما ظهرت العامية في الحوار تعبيرا من القاص عن لغة زمنه ، ونتذكر معارك عيسى عبيد مع مجمع اللغة العربية والذي اعتبر أن بعض الجمل العامية تؤدي معنى لا تؤديه نظيرتها الفصحى .
واقع مرتبك
انتقلت دفة الحديث للناقد د. يسري عبدالله لمناقشة " رابعهم كلبهم " ، ورأى أننا نعيش حالة تهميش لفن القصة القصيرة حتى أن مؤتمر عقد بالأردن أعلن بعض المتحدثين به وفاة فن القصة ، وقال آخرون بأننا نعيش زمن الرواية وما عداها توارى للخلف ، وفي مصر حجبت جائزة الدولة للقصة القصيرة بينما ذهبت جائزة يوسف ادريس للقصة لأديب عماني وكأن مصر نضبت عن إنتاج قاص كبير .
د. يسري عبدالله
ويحمد للأديب هيثم خيري أن خرج بمجموعته في ظل هذا الحاضر الأدبي المرتبك ، ليكذب فرضية وفاة القصة القصيرة وتضاؤل قرائها . والحق أنه لا يوجد مفاضلة بين فن أدبي وآخر ؛ فالقصة والرواية كل منهما له سماته الجمالية الخاصة .
يحيلنا عنوان المجموعة "رابعهم كلبهم" لعنوان القصة الشهيرة لأصحاف الكهف بالقرآن الكريم " سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم .." وهذه الإحالة للتراث الديني تعاطى معها كاتب المجموعة بصورة مختلفة وكسر أفق التوقع لدى القراء ، الذين ظنوا أنهم سيقرأون شيئا شبيها بالقصة القرآنية ، ليجدوا أنفسهم أمام قصة ثلاثة صبية قرويين هم عبدالهادي ومنصور وإدريس والذين يذهبون لحافة النهر ويغوصون بمياهه ويتبعهم كلبهم .
ونجح المؤلف في الكتابة بلغة تناسب وعي الأبطال ومتداولة في حياتنا اليومية. ونقرأ في القصة الرئيسية " رابعهم كلبهم " عن ولدين يصران على جذب ثالثهم "إدريس" بعيدا عن إلتزامه الديني ، ذلك الولد الذي كان دوما يردد عبارات قرآنية في مواقف مختلفة ، وحين يحاولان جعله مفطرا مثلهم ويحشران الطعام في فمه عنوة في أول يوم من شهر رمضان يصرخ إدريس فيجري وراءه الغفير أبوبكر حاد المزاج لتأديبه وتأديبهم بعصاه الغليظة . والملفت أن الكاتب واعي تماما بحركة الشخوص في بيئتها ، وأغلب أبناء القرية يكونون أوفياء لبيئتهم .
المجموعة تجمع بين تقنية الكتابة بضمير المتكلم والمخاطب ، على الرغم من أن معظم الكتابات الأولى للأدباء تكون بضمير المتكلم كأن يقول " ذهبت ، كتبت .. " وهذا يشعره أن مهمته أسهل في البوح والغوص بسيكولوجيته وسيكولوجية الشخوص التي قدمها بالعمل الأدبي .
والكاتب امتازت مجموعته بحضور المكان وجمالياته فهناك حديث دائم عن الغيطان الخضراء ، واللافت كذلك أن القاص قادر على إمساك لحظة متفردة ومدهشة وصوغها بجمل تختم بها قصصه كلها طوال المجموعة ، ولتظل عالقة بذهن القراء .
في قصة " أصوات ليلية " الكاتب يطرح شكلا من أشكال الهواجس الإنسانية المتعلقة بالحيوانات وبالجان ، وهو موروث في وجداننا الجمعي ، وتنتهي القصة من خوف الطفل من كل الأصوات ليلا إلى تركز الخوف من صوت عمه وهو ينهره ؛ إذن هذا العم رمز للسلطة التي تمارس على الذات وأحيانا تقمعها . __
ونقرأ على لسان الطفل : " عمي ينهرني أكثر من مرة : ينهرني لأنني أتعثر في حذاء أبي الذي صممت أن أنزل به . كلما تعثرت يصفعني ، أبتعد عنه ، أتعجب : أين ذهبت أصوات الليل ، وحلت مكانها أصوات عمي الزاعقة ؟ !
ونصل في قصص المجموعة لنقلة كبيرة ، فمن عالم القرية ومفرداتها لحواري القاهرة التاريخية وقهوة المواردي وشارع المنيرة والقصر العيني وهو ما تدخلنا فيه قصة " في صحبة شمس الله " وتتلخص في صبي يطرح تساؤلات حول الغيب لجده ، والولد يتسم بذكاء ونقرأ مشهد كان يجلس فيه مع جده في القهوة وبعدما انتهى من إفطاره نظر للجد الذي يشرب الشيشة وطلب منه ان يشتري حلوى صغيرة ، لنقرأ أسئلته :
في صحبة شمس الله
" ينتقي الأرواح التي يريدها على راحته ثم يعطي أم حمادة القروش العشرة ويعود أدراجه ، يبدأ في تلويك أول علكة . يقفز إلى ذهنه سؤال ملح ، كان قد راوده كثيرا منذ أيام :
- جدي .. هو أمتى اللبان بيخلص ؟
بصوت رخيم يجيب الجد :
- لما حلاوته تروح .
أحمد يعاود الأسئلة
- والناس .. إمتى بتخلص ؟
- لما ربنا يكتب لها تموت .
- تموت إزاي ؟
- زي الناس يا حمادة .
- زي بابا يعني ؟
- تمام ..
ثم بتأثر :
- ألف رحمة ونور تنزل عليه .
أحمد يستغرق في التفكير ، يبدو الإنشغال عليه في الأمر ، يسأل الجد :
- واللي يموت بيروح عند ربنا ؟
- أيوة ؟
وربنا فين ؟
الجد يستغفر الله العظيم ، وينفخ بنفاد صبر الدخان ، ينظر إلى أحمد بحدة ، فيفهم أحمد ما يريده الجد . يسكت قليلا ، ثم يستكمل بدهاء ، كأنه يسأل سؤالا جديدا :
- جدو صحيح .. هو ربنا فين ؟
- فوق في السما .
ينظر أحمد إلى السماء عبر النافذة ، يستغرق النظر فيها قليلا ، لا يرى الله ، ولكنه يري سحبا كثيفة ، تسير ببطء مثل جده ، فينشغل في متابعتها ، ثم يعلن لجده نتيجة بحثه :
- بس أنا مشفتش ربنا .
ولا هاتشوفه .. ربنا محدش بيشوفه غير يوم القيامة ."
هذا نمط من أسئلة الصغار المألوفة ، وتنتهي القصة بالجد يحاول أن يصطحب حفيده ويتركوا المقهى وقت أن كانت الشمس تملأ أركانها ، إلا أن الطفل يقول "مش قايم . هافضل مع الشمس بتاعة ربنا " !
في قصة " تحنين " نلمس حالة محبة صافية ودفء واضح من جانب الجدة والمحيطين شعر به الطفل الصغير ، وهذه المشاعر الدافئة شذ منها الأب بممارساته القاسية . أما عن عنوان القصة فهو لافت ومغاير ، ونرى توظيف المؤلف للأغنية الشعبية والتي تسكن وجدان المصريين الجمعي ، فهي تعبير فني عن إخفاقاتهم وإحباطاتهم مثل :
" رايحة فين يا حاجة .. وشاجة البحوري .
- رايحة أزور النبي محمد وأزمزم شعوري " .
غربة وحنين
وهكذا وكما رأينا في القسم الأول مخاوف متعلقة بالحيوانات أو السلطة وأبطال في سن الطفولة . فإن القسم الثاني "المتاهات " يدخل لمناطق أخرى من الخوف مثل الخوف من البشر ومن المجهول . في " ونس النار " ثمة سؤال من بداية القصة هل ثمة ونس يمكن أن تمنحه النار لنا ؟ ، والقصة تجمع بين أجواء البرودة والظروف المعيشية الصعبة تلك التي دفعت بالمدرس عمر لترك عمله وكل شيء في القاهرة والعودة لبورسعيد بعد أن أصابه الخبل وأصبح يقسم يومه بين مشاهدة التليفزيون أو الثرثرة على المقاهي ، وهنا القاص ربط بين بؤس هذا المدرس وحالة من البؤس العام فالمقهى مثلا يجلس عليه "مساطيل" يعانون مشكلات متنوعة .
وفي النهاية نشاهد عمر يجلس بالمقهى يرتعش من البرد فيقرر إشعال نار أمامه ، وحينما يفاجأ بأنها تحرق المقهى لا يهتم بشيء سوى بنشوته من الدفء الذي تمنحه للمكان ، في الوقت الذي يحاول الجميع الفرار خوفا من الإحتراق . عمر افتقد دفء الحياة والتمسها من النار .
هيثم خيري - غلاف المجموعة
في قصة " ما نسيه القطار " بطل مأزوم يعاني الإغتراب ولكنه يحاول ممارسة حياته بألفة شديدة ، ويحاول أن يجد ونسا يعوضه المعاناة القاسية . البطل يحاول أن يكتشف الونس في الأشياء الصغيرة فيقف عند بائع الفطير طويلا ، ثم يسأل شخص ما في الشارع عن الساعة رغم أن ذلك لا يرتبط بأي مطلب أو حاجة . فهو ابن لأب مغترب وغربته ليست في المكان وإنما هي نفسية أكثر ودفعت الإبن لنفس الغربة .
" حجرة صغيرة تفضي إلى النور " قصة نقرأ فيها حال بطلها الرجل المسن الذي يشعر بغربته في الحياة ، بعد قسوة الأبناء عليه ، و في النهاية رحل الجد وترك الحجرة ليفتح الأحفاد نوافذها لدخول ضوء النهار .
ونقرأ مشهد من يوميات الجد التي خطها الكاتب على لسانه : ...
" الجمعة - بداية سنة 2001
.. اليوم خبطت مفتاح الراديو بالعكاز ، ندهت على البت منى ولم ترد ، طالعة لأمها ،سمعتها تضحك وتعبث في محطات التليفزيون . استمعت إلى الشيخ رفعت - الله يفتح عليه - في الراديو .
بجواري وجدت برتقالتين ، تم تقشيرهما بطريقة تشي بقلة الخبرة ، عرفت أنها المزغودة فاطمة ، دعوت لها ، ثم ناديت عليها .. هي فقط التي تسمع الكلام في هذا البيت الملعون ، طلبت منها كوب شاي ثقيل ، فأيقظت أمها من أجله ، سمعت ماجدة تدعي على ابنتها ، التي أيقظتها وهي في عز النوم ، لا أتذكر ماذا سمعت أيضا ، ولكن الشاي جاءني بعد زمن ، كان بارداً . أعطته لي فاطمة ، عرفت انه شاي المساء البايت ، قلت : " وماله: ، وشربته .
( حديث داخلي للجد نصف الحي ) "
" بانتظار الفرج " قصة من قلب المدينة المسكونة بطابع أهالي بولاق ومزلقان نهية ، بطلها "أبو دنيا" شخص يذهب لبيته يجد المجاري طفحت بالمكان ، وهو سليط اللسان ويسب كل شيء بالعالم ومن فيه وما فيه كل لحظة .
"
- روح يا سيدي .
- والمجاري ؟
- ندهنا بتوع المحافظة يصلحوها .. حاجة تاني يا سيدي ! .
ينتبه أبو دنيا إلى أن " سيدي " لم تكن سوى وسيلة لإضحاك عمال المطعم عليه .
- سيدك غصب عن عينك وعين الي مشغلينك . "
يواصل د. يسري في نقده قائلا : نحن أمام مقطع حياتي بامتياز وقد وظف المكان الحي الشعبي ولكن ما منح القصة حيوية هي سخونة وحيوية الحاور القصصي داخلها .
"ملاعيب نعيم " قصة مكونة من أربعة مقاطع ، فثمة ولد مسيحي يأمل في أن يصبح أبوه مسئولا عن جمعية بنها الزراعية ، والقصة بجملها تعبر عن تصارع جماعة بشرية على مصالح ذات جذور طبقية واجتماعية أيضا ، فالصراع ليس دينيا ولكنه صراع جماعات ومصالح . وفي النهاية يضع الكاتب مقطع دال على أن نعيم لا يريد سوى الفيلا من منصب أبيه الجديد .. " لما جاء خبر نجاح أبيه في الإنتخابات اكتفى بابتسامة عريضة ، ثم قام من فوره ممسكا بمازورة كبيرة ، يقيس على مهل ويضع حدودا لفيلا بحجم 200 متر " .
سيمفونية متصاعدة للخوف
الناقد فتحي إمبابي
وأخيرا تحدث الناقد والروائي الكبير فتحي إمبابي ، وقد رأى أننا إزاء نص أدبي رائع وبه إدراك لواقع العالم الذي نحياه . وقال أن الخوف هو التيمة الأساسية بالمجموعة ، والمجموعة جسدت بقصص القسم الأول مخاوف الطفولة ، وهي بالمناسبة شبيهة للغاية بمخاوف الإنسان البدائي منذ فجر التاريخ ، وتتمثل في الخوف من الطبيعة والوحدة والعفاريت والظلام والأصوات . كلما تصعد من قصة لقصة تذهب لنقطة خوف أعلى كأنك في حركة سيمفونية لنصل في القسم الثاني لعلاقة الخوف بين البشر وبعضهم .
وفي تعليقه على القصص ، رأى أن خوف الطفل بطل قصة " نصف ليلة مظلمة " ، هو طبيعي والطفل ليس جبانا فكلنا تؤثر فينا الأساطير وكلنا خشينا في طفولتنا من السقوط في هاوية بلا قاع . أما في قصة "ونس النار" فقال أن النار كانت أعظم ونس للبشر وبها انتقل من حياة شبيهة بالحيوانية إلى حالة بشرية ؛ لأن الطاقة هي التي منحته الدفء وبها صعد للقمر وعمر الأرض وبها أيضا كانت الحروب والقنابل الذرية .
وفي قصة "وليمة توت" يمكن أن نستلهم معنى هاما ، وهو أن حضارة البشر تكونت بقمعه لغرائزه وليس العكس ؛ فالأم هنا لا تقمع صغيرها حينما تمنعه من تركها ولكنه تحاول ضبط سلوكه ، وهذا الطفل أراد أن يخرج من سلطة الأم عليه .
بطل "رابعهم كلبهم " القروي الصالح " إدريس" أراد أن يخرج مع رفاقه ، ويفعل مثلهم ، ولكن هذا ليس سهلا فهو ابن الأزهر واعتاد على الإلتزام الديني ، كما أن تقاليد القرية نفسها تحثه على المحافظة والإلتزام الديني ، وتظهر القصة خوف هام وهو الخوف من الله ومن المعاصي . في الوقت نفسه يعلم رفاقه أن معاصيهم مثل الإفطار في نهار رمضان ستودي بهم للنار في الآخرة ، ويحاولون ألا يكونوا وحدهم هناك فيجرون إدريس للمعاصي ليشاركهم إياها ، وهو تفكير الجماعات البدائية.
في قصة " في صحبة شمس الله " نجد علاقة بين الأب والطفل والجد ، ثم الأب والشمس والرب . وتمثل الشمس هنا همزة الوصل المادية في عقل الطفل الصغير بين الله وبين الأب ؛ وكل من أبوه والله بالنسبة له لا يمكنه رؤيتهما .
تحدث الناقد كذلك عن استخدام اللغة العامية في قصة "ملاعيب عبدالمسيح " فكان يكتب مثلا عبدالمنصف هكذا " عبمنصف" والطلاق " الطلاج " والآن " دلوك" بلغة أبناء القرية . كما تطرق لشخصية البطل ذلك المسيحي المصري الذي يحاول تمكين ابيه من السلطة لكي يحظى بفيلا يحلم بها . وقال أن شخصية المسيحي بوجه عام تتسم بالذكاء خاصة في المجتمعات الإسلامية لأنهم أقلية ولا يتدرجون بما يكفي في السلك الوظيفي ، فتواجدهم مرتبط بالتفوق والشطارة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.